شعب عصيّ على الهزيمة

ما الذي بقي في جعبة “إسرائيل” ولم تجربه ضد الشعب الفلسطيني؟ بل يستقيم السؤال أكثر إذا قلنا هل يملك الكيان الصهيوني ما يستطيع أن يكسر به إرادة الشعب الفلسطيني؟ لا “إسرائيل” ولا غيرها من القوى الاستعمارية الاستيطانية الاستئصالية تستطيع أن تملي إرادتها على شعب حر أبيّ لا يَهِن ولا يحزن في حرب الإيمان بالحق وإرادة الدفاع عنه ضد القوة العمياء وغطرسة القوة .
“إسرائيل” دولة الاحتلال تدير صراعاً لكسب الوقت، وتتبنى سياسة الأمر الواقع لتحقيق أهدافها . الكيان لم يترك شيئاً لم يجربه من الحرب الشاملة، إلى الحصار والإغلاق والعقوبات الجماعية والتشريد والإبعاد ونسف البيوت والقمع والسجن والتعذيب والابتزاز والاغتيال . . إلخ . لكنه لم يكسر إرادة شعب ولن يستطيع .
“إسرائيل” أكدت على الدوام أنها ضد السلام، وأنها صنيعة الحرب بها بدأت، وتظن أنها بها تعيش، لكن بها ستنتهي، مثلما ينتهي أي كابوس .
حاولت دولة الاحتلال الصهيوني أن تفرض هيمنتها وسيطرتها الكلية على الشعب الفلسطيني وواقعه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي عبر الاحتلال المباشر، وسرقة الأرض وبناء المستعمرات وجعل حياة الفلسطينيين صعبة إن لم تكن مستحيلة بحرمانهم من وسائل الحياة وسبل كسب العيش بتغيير استخدامات الأرض، وسرقة المياه وتقييد استخداماتها، وقتل الزراعة وتدمير الصناعات والأنشطة الاقتصادية، وتزوير الجغرافيا والتاريخ مع ما يلي ذلك من تتبيع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي .
وفي المقابل يتبنى الشعب الفلسطيني سياسة الصمود والثبات بقوة فوق الأرض، رفضاً لسياسة المصادرة والضم والإلحاق والفصل والاستيطان، ويملك الإرادة والقوة الذاتية لمقاومة الاقتلاع .
لم تتعلم “إسرائيل” درساً واحداً من حروبها المتواصلة منذ 1948 وحتى الحرب على غزة اليوم . هذا الدرس المفيد هو أنها رغم آلتها العسكرية المتفوقة لم تستطع أن تقهر إرادة الشعب الفلسطيني، ولم تستطع أن تترجم هذه القوة المتغطرسة إلى سلطة سياسية على الشعب الفلسطيني، العصيّ على التذويب والإلحاق والإلغاء .
القوة لن تصنع ل“إسرائيل” أمناً، ولن تجبر الفلسطيني أبداً على التسليم بالهزيمة . القوة كما عرّفها ماكس فيبر تستند في جوهرها إلى قدرة القوي في تحويل قوته للتحكم في الأضعف وسلب إرادته، وتخويفه من مقاومة بطشها، ولكن الفلسطيني ليس ضعيفاً وإن حرم من السلاح، وليس فاقد الإرادة لأنه يملك القدرة على المقاومة الشاملة .