الخميس 22 تموز (يوليو) 2010

مفتاح لفهم السياسة الأمريكية

الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 par د. أسعد عبد الرحمن

كي نفهم (وعند البعض : كي نتفهم) سياسة الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) في العالم، وفي منطقتنا، وبالذات قمته الأخيرة مع (بنيامين نتنياهو) علينا أن نفهم العقلية السياسية البراغماتية الأمريكية التي تنظر إلى العالم من خلال مركزية الذات الأمريكية (المصلحة الأمريكية فوق كل المصالح)، مع اعتماد أسلوب المساومة في حل النزاعات وبالذات تلك غير القابلة للحلول الجذرية. ويتجلى هذا الأسلوب من خلال الطروحات الأمريكية في المفاوضات غير المباشرة الفلسطينية - «الإسرائيلية» ومسألة الاستعمار «الاستيطان»، حيث تبدو تلك السياسة - في نظر غير الراضين عن طبيعتها «العملية» - وكأنها تحلق فوق الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، الأمر الذي يعكس المفاهيم السياسية الأمريكية القائمة على المساومة، ونهج الإقناع وربما الضغط غير المباشر بدلا من الضغط المباشر، وذلك كله في ظل موقفها، غير المتصادم مع قوى اللوبي الصهيوني القوي، الأمر الذي خلق حالة من «الدعم التاريخي» لـ «إسرائيل». لذا، فالسياسة الأمريكية - المحكومة بعناصر الضغط الداخلية والتي عرف الصهاينة واليهود كيف يستغلونها في آلية التعامل مع قضايا المنطقة - تتبع آلية تجزئة القضايا وتعليق الحلول الشاملة والجذرية واعتماد سياسة التسليف / المساومة، باعتبارها طريقة لإدارة الأزمة بانتظار اللحظة التاريخية المناسبة لحل الصراعات والنزاعات.

صناع القرار الأمريكيون يؤمنون - في معظم الحالات - بكون المقاربة البراغماتية هي المقاربة الأفضل لخدمة مصالح الولايات المتحدة. وكلنا يذكر عملية الخروج على هذه المقاربة من خلال السياسة التي أعلنتها إدارة الرئيس السابق (جورج بوش) على أساس «الفوضى البناءة» أو «الخلاقة»، حتى ولو أدى ذلك إلى سقوط أنظمة في المنطقة تعاونت معها لسنوات طويلة، ذلك أن المصلحة الأمريكية هي التي تحدد طبيعة سقف العلاقات كما فضلت الإدارة الأميركية في «معاهدة حظر الانتشار النووي»، على ضمان تركيز الوثيقة الختامية في مؤتمر مراجعة «معاهدة حظر الانتشار النووي» على المخالفين الفعليين لالتزامات المعاهدة (إيران وسوريا وكوريا الشمالية) بدلا من تركيزها على مكانة دولة غير عضو في المعاهدة (إسرائيل). كذلك، وكما أوضح مؤخرا (روبرت ساتلوف) المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى : «وقع حادث أسطول الحرية بعد ساعات من الموافقة على قرار معاهدة حظر الانتشار النووي. وهناك مجموعة من التصورات المتعارضة المتعلقة بذلك. فإدارة باراك أوباما تقول إنها وقفت إلى جانب «إسرائيل» وقامت بحمايتها من ثعالب الأمم المتحدة الذين أرادوا خلق «لحظة غولدستون» أخرى، أي جو مشابه لما حدث في أعقاب نشر التقرير الذي أعده القاضي ريتشارد غولدستون بشأن الجرائم «الإسرائيلية» في الحرب على غزة. وفي هذا الصدد، تشير الولايات المتحدة بحق إلى المستوى العالي من الاتصالات الشديدة والشخصية التي جرت بين واشنطن و«إسرائيل» حول تقرير لجنة التحقيق التي ترأسها غولدستون كدليل على علاقة العمل السليمة بين الحكومتين»، مضيفا : «ولم تعلن واشنطن حتى الآن عن التزامها العلني الصارم بمنع الأمم المتحدة من تشكيل لجنة تحقيق خاصة بها حول حادث أسطول الحرية. كما لم تعمل الولايات المتحدة على إيقاف مجلس الأمن عن تبني نهج يدين أولاً الحادث الذي وقع للسفينة التركية، ويقوم بطرح الأسئلة في وقت لاحق».

الراضون وغير الراضين عن السياسة الأمريكية ينتظرون الآن انقضاء الشهرين القادمين حتى تتبين مدى نجاعة سياسة المساومة الأمريكية مع الدولة الصهيونية. ففي سبتمبر القادم ستنتهي المحادثات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» و«القرار المؤقت»، بل والمزعوم، الذي اتخذته بوقف بناء بؤر «استيطانية» جديدة في مستعمرات الضفة الغربية، خاصة أن الجميع يرى حجم التهديد الذي تشكله حماقات ومقارفات «إسرائيل» على المصالح الأمريكية في المنطقة، مع تزايد شعور الإدارة الأمريكية بعبثية محاولات «إسرائيل» تحقيق تقدم على مستوى التسوية وعموم الوضع في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن الإهانات «الإسرائيلية» الموجهة للمسؤولين الأمريكيين تباعا (والتي انتقدها كثير من «الإسرائيليين» العقلاء) خاصة في مسألة بناء «المستوطنات» في القدس المحتلة والضفة.

مثال آخر أشد وضوحا هو الموقف الأمريكي من الحصار على قطاع غزة. فكما أفادت صحيفة (نيويورك تايمز) «فإن الرئيس باراك أوباما يعتبر الحصار المفروض على القطاع لا يمكن الدفاع عنه، ويعتزم الإلحاح على اعتماد مقاربة مغايرة تضمن من جهة أمن «إسرائيل»، وتتيح من جهة أخرى نقل مزيد من المساعدات إلى القطاع في محاولة لامتصاص التوجهات الدولية» (المطالبة برفع الحصار كليا عن القطاع). بمعنى آخر، تحاول الإدارة الأمريكية، في هذه المرحلة الحرجة، «تسليف» «إسرائيل» من خلال تخفيف الغضب العالمي عنها وتحويل التوجهات العالمية باتجاهات مغايرة للرغبة المتعاظمة الداعية إلى رفع الحصار كليا، مع إبقاء الحصار لكن بشكل جزئي ينسف الواقع الموغل في الظلم لكنه «يضمن» «عدم توريد المستوردات التي يمكن استخدامها للأغراض العسكرية»، شريطة تأمين المستلزمات الحياتية للشعب الفلسطيني في القطاع!

للجميع مصالح، وهذا أساس التعامل بين الدول، لكن ربما حان الوقت للولايات المتحدة أن تقوم بمراجعة بعض جوانب سياسة إدارة (بوش الابن) تجاه الفلسطينيين والعرب، خاصة أن الفلسطينيين ابتعدوا كثيرا عن شعارات ثبت فشلها لشدة بعدها عن موازين القوى في اللحظة التاريخية الراهنة، فيما العرب أنفسهم أقروا «مبادرة سلام» ما زالوا متمسكين بها رغم مقارفات الاحتلال المستمرة. ومع استمرار سياسة التسليف/ المساومة الأمريكية وتزايد الوعي العالمي - والأمريكي جزء منه - واتساع العزلة «الإسرائيلية»، هل يبقى إصرار إدارة (أوباما) على حل الصراع العربي - «الإسرائيلي» كبؤرة للتوتر تحول دون الاستقرار في عموم المنطقة إصرارا صامدا؟ في هذا السياق، كثيرة هي الكتابات «الإسرائيلية» المطلعة التي تقرر، أنه منذ توليه المسؤولية في «البيت الأبيض»، ورغم أنه لم تحدث على أرض الواقع تغيرات كبيرة تجاه القضية الفلسطينية، ترجح هذه الكتابات أن (أوباما) حريص على استمرار المثابرة الحازمة من قبل إداراته في طرح المواقف الواضحة تجاه تعنت «إسرائيل» الرافضة التجاوب مع طلب الولايات المتحدة لإيجاد حل للصراع أقلها بوقف بناء «المستوطنات»، ونهايتها بتنفيذ «حل الدولتين» كما قالت به الإدارات الأمريكية الأحدث سواء كانت «جمهورية» أو «ديموقراطية»!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 63 / 2165526

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165526 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010