الجمعة 11 تموز (يوليو) 2014

“فيتو” أمريكي على المصالحة الفلسطينية!

الجمعة 11 تموز (يوليو) 2014 par محمد الصياد

ازدادت وتيرة وسعة الأحداث التي تحشر الولايات المتحدة وتضعها في مواضع تنطوي على شبهة المعايير المزدوجة، ما يربك أطقم إدارة مؤسستها الحاكمة ويفقدها تركيزها وهي تحاول تخريج وتظهير المسوغات والمبررات لمواقفها المنطوية على معايير مزدوجة .
آخر هذه الأحداث إعلان الفصائل الفلسطينية في غزة عن اتفاقها على إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الحاصل بين غزة/حماس والضفة الغربية/فتح، بتشكيل حكومة موحدة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في مواعيد محددة . “إسرائيل” قامت قيامتها ولم تقعد وأعلنت حزمة عقوبات ضد السلطة الوطنية الفلسطينية من بينها وقف المفاوضات معها وعدم تسليمها حصتها في الضرائب الجمركية .
الولايات المتحدة هي الأخرى أعلنت موقفها العدائي الصريح من اتفاق المصالحة الفلسطينية . ولم يشأ أي مسؤول فيها، مهما كبر أو صغر شأنه أن يتخلف عن “مهرجان إثبات الولاء” الذي أقامته “إسرائيل” وأنصارها في واشنطن لهذه المناسبة . . من الرئيس أوباما نفسه إلى مسؤولي الخارجية الأمريكية .
هنا فإن واشنطن لم تتحرج مطلقاً في تخليها عن كل اعتبارات اللياقة والكياسة الدبلوماسية، واختارت الخروج إلى العلن بكامل “عدتها” للتعبير عن اعتراضها بشدة على خطوة هي شأن فلسطيني داخلي خالص . والمضحك أن من تعترض عليهم واشنطن في اتفاق المصالحة الفلسطينية هم “إخوان مسلمون” (حركة حماس)، أي من نفس فصيل الإخوان في مصر الذين استماتت هي وشريكاتها الأوروبيات الغربيات في تصعيدهم إلى السلطة ومن بعد محاولة إعادتهم إليها بعد أن أطاحتهم ثورة 30 يونيو!
هذه هي أمريكا لم تتغير، منذ أن أطلق الرئيس دوايت آيزنهاور تحذيره الشهير في خطابه الوداعي إلى الأمة في 17 يناير/كانون الثاني 1961 من “خطورة تحكم قوة جديدة أفرزتها الحرب العالمية الثانية، وهي قوة المجمع الصناعي العسكري، في الديمقراطية الأمريكية وفي الحياة الأمريكية بمجملها” . . وذلك رغم تغير الرؤساء الذين تعاقبوا على حكمها وعددهم من آيزنهاور عشرة رؤساء هم على التوالي: الديمقراطي جون كنيدي، والديمقراطي ليندون جونسون، والجمهوري ريتشارد نيكسون، والجمهوري جيرالد فورد، والديمقراطي جيمي كارتر، والجمهوري رونالد ريغان، والجمهوري جورج بوش الأب، والديمقراطي بيل كلينتون، والجمهوري جورج بوش الابن وأخيراً الديمقراطي باراك أوباما!
اليوم، لو أجلنا النظر في الخريطة الجيوسياسية العالمية بما هي عليه مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين من الزمن وحسب . ما الذي سنراه؟ سنرى يوغسلافيا التي كانت يوماً، حتى العام 1992 دولة موحدة تحمل اسم جمهورية يوغسلافيا الفدرالية الاشتراكية، وقد صارت بحلول عام 2006 ست دويلات هي كرواتيا، البوسنة والهرسك، مقدونيا، الجبل الأسود، سلوفينيا وصربيا . وفي العام 2008 أضيف إليها إقليم كوسوفو . وسنرى العراق وقد اقتُطع منه الشمال وأصبح دولة منفصلة عملياً عن العراق، وسنرى السودان وقد اقتُطع جنوبه، وليبيا التي لم تعد دولة موحدة مركزياً، بقدر ما سنرى عدداً من الأقاليم التي تتحرك انفصالياً على هدي دولة الشمال العراقي .
ثم . . من ذا الذي يصدق أن أوكرانيا يمكن أن تتحول إلى مخلب قط وتهدد توأمتها الروحية روسيا بالحرب العالمية الثالثة؟
الآن . . من وقف وراء كل هذه المصائب؟ . . الولايات المتحدة بالدرجة الأولى وشريكاتها الأوروبيات الغربيات بالدرجة الثانية . فيوغسلافيا تم تشطيرها إلى دويلات بطائرات وصورايخ كروز وتوماهوك الأمريكية والأطلسية . وجرى تدمير العراق وفصل الشمال العراقي بذات الوسيلة الحربية العدوانية، وكذلك الحال بالنسبة لليبيا . أما خلع الجنوب من خاصرة السودان فجرى بنوع من عملية التعهيد (Outsourcing) الأمريكية للزبون “الإسرائيلي” .
وهكذا حين نستحضر كل هذه ’’العمليات الجراحية’’ التي أجرتها واشنطن وشريكاتها الأوروبيات الغربيات على الخريطة الجيوسياسية العالمية على مدى العقدين ونيف الماضيين، فلن يتعذر علينا فهم كنه الغضب الأمريكي من خطوة المصالحة الوطنية الفلسطينية وإعادة اللحمة بين فلسطينيي القطاع وفلسطينيي الضفة الغربية . وإنما العكس هو الصحيح، إذ من الصعب فهم الغضب والاحتجاج الأمريكي على حكومة وحدة وطنية فلسطينية، برنامجها هو أقل بأشواط بعيدة عن برنامج أي حركة تحرر وطني في العالم، وهو أقرب إلى برنامج حركة فتح التي فاوضتها “إسرائيل” وأمريكا منذ أوسلو 1993 منه إلى برنامج حركة حماس!
ثم ما علاقة تسوية شؤون البيت الفلسطيني الداخلي بجوهر القضية وهو الاحتلال “الإسرائيلي” لفلسطين وعدم جلائه حتى اليوم عن الأراضي المحتلة وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 242 338 و194 وغيرها؟
القضية صار لها الآن 66 سنة منذ أن أنشأ البريطانيون والأمريكيون بمساعدة بقية الأوروبيين الغربيين، “إسرائيل” في عام 1948 . وهي، أي القضية، ما زالت تراوح مكانها على قوائم وأجندات أعمال الأسرة الدولية ضمن القضايا الأخرى الثانوية المعلقة . وكل ذلك لأن الولايات المتحدة تصر على احتكار ملفها ولا تسمح لأي كان الاقتراب منه . وهذا بحد ذاته يلخص الفشل العربي الرسمي والشعبي في تحريره من القبضة الأمريكية وإشراك كافة الدول الصديقة والفاعلة في الجهود الضاغطة على الثنائي الأمريكي “الإسرائيلي” المتثبت بالوقائع التي أنشاها معاً على الأرض والتذرع المتواصل بحجج ليس لها أول ولا آخر من أجل إدامة حالة سراب الجري وراء أوهام التفاوض، وآخرها ذريعة المصالحة الفلسطينية التي جاءت في واقع الحال لتزيد إحراجات واشنطن الناتجة عن مواقفها اللا أخلاقية والازدواجية المعيارية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2177226

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2177226 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40