الخميس 22 تموز (يوليو) 2010

الفلسطيني إنساناً.. قضية القضايا

الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 par ماجد الشيخ

هل من المصادفة، أم من سخريات القدر ومفارقاته؛ ذلك الاستنساخ الذي نشهده لذواتنا، حيث التقليد الأعمى لأيديولوجيات وأفكار وهواجس الآخرين، حتى راح بعضنا يرفع مظلته إن أمطرت في موسكو، بل بلغت مزايداته وحتمياته قدراً هائلاً لم يبلغه حتى العلماء السوفيات يومها. وفي المقابل ها نحن نرى «مثالاً أعلى» آخر نقيضاً يتجسد في بلادنا على شاكلة التمثّل بأطروحات جان ماري لوبين، أحد زعماء اليمين الأوروبي في فرنسا، في الإلحاح على العداء لقضية الهجرة والمهاجرين الأجانب، وعلى شاكلة بعض تنظيمات اليمين النازي الأوروبي، حيث يقف «محليونا» من دعاة الأولوية لهيمنتهم السلطوية الإقطاعية والقطيعية، طوائفياً ومذهبياً، في مواجهة أبرز ضحايا التشكيلة العنصرية المكونة من النازية الأوروبية والصهيونية العالمية والرجعيات المحلية، ممن تواطأت قواها مع كامل منظومة المشاريع الاستعمارية للامبرياليات المهيمنة وقتذاك، وانسحب تواطؤها استسلاماً وتسليماً بقيام «وطن الشعب اليهودي» في فلسطين، تلك الأسطورة الرائجة حتى يومنا بإزاء مفاوضات التسوية، الساعية إلى تكريس «الوطن اليهودي» اعترافاً بـ «الدولة اليهودية»، في وقت تجري فيه على رؤوس الأشهاد، مواصلة تغييب الدولة الفلسطينية، فلا تحضر إلاّ في مشاريع التسوية اللفظية، في حين أن ما يجري على الأرض لا يرهص بالتأسيس لدويلة حتى، فكيف بالدولة المنشودة، حيث الاستيطان نفي لفلسطين، كما كان منذ البداية نفي للدولة، على الأقل منذ قرار التقسيم قبل أكثر من 62 عاماً؟

الفلسطيني إنساناً وقضية، لا يستدعي كل هذا التنظير واللف والدوران والدخول في متاهات التعبير عن التضامن معه ومع قضيته التي هي سياسية بامتياز. فأن يكون الفلسطيني إنساناً، يعني أن يجري الاعتراف له بحقوقه الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذه الحقوق لا يمكن تجزئتها، أو استثناء بعضها، استناداً إلى قاعدة استبعاد شبهة التوطين، ناهيك عن استبعاد شبهة التجنيس، أو شبهة المواطنة التي تعني في ما تعنيه واجبي الانتخاب والترشيح، وهذه كلها مستبعدة كلياً عن أجندة الفلسطيني الإنسان في لبنان، بانتظار العودة إلى وطنه. ما يستوجب تحسين أوضاعه الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وبما يساهم في تحسين أوضاعه السياسية الكفاحية في مواجهة التآمر على حقه بالعودة إلى بلاده، وتحديداً إلى ممتلكاته التي هجّر وشرّد منها. بعد هذا أليس من المستغرب أن يُحرم الفلسطيني من تملّك مكان لسكنه (شقة مثلاً) باسمه يستطيع أن يورثها ابنه بعد مماته، ويستطيع أن يبيعها لأي مواطن لبناني في حال أراد مغادرة البلاد.. إلى المهجر.. أو إلى الوطن؟!

ماذا يضير المواطن العربي الشقيق أن يكون الفلسطيني إنساناً له ما له، وعليه ما عليه من حقوق وواجبات الفرد العربي في «بلاد العرب أوطاني»؟ إلاّ إذا كانت المسألة خاضعة لهواجس «سلطوية عليا» تدخل في حساباتها «الرؤى التمثيلية» غير الانتخابية بالطبع بالنسبة للفلسطيني، وهواجس الكثرة والقلة، واحتسابه على هذه الطائفة، أو على هذا المذهب، واحتساب البعض وطنياً هنا أو هناك.. إلخ، من الحسابات القطيعية لأرباب الطوائف المتمذهبة.

من هنا فإن إنسانية الفلسطيني، ليست عرضة للمساومة، أو هي ليست معروضة للبيع أو لامتهان كرامته من قبل أرباب القطيعية الطوائفية على اختلاف انتماءاتهم. وما دام الفلسطيني كإنسان، هو حارس نار هويته الوطنية، على الرغم من رؤى التسوية القاصرة والعاجزة عن بلورة صورة نهائية أو شبه نهائية عن مآلات الفلسطيني اللاجئ كإنسان، وعن مآلات هويته الوطنية، فإن الذات الفلسطينية الواعية، ترفض «حفلات زار» إنزالها القسري إلى ذاك المستوى الانحطاطي الذي يحيلها أو يلصقها بالانتماء إلى ديانة بعينها، أو احتساب أكثرية منها على مذهب معين، في وقت تنتمي مكوناتها المتعددة إلى أكثر من ديانة. وهنا تحديداً ترفض الذات الفلسطينية اختزالها أو احتسابها على مثل تلك التصنيفات القطيعية التي لا تملك إلاّ أقل القليل من هوية انتمائها الحقيقية إلى فلسطين، كهوية وطنية خالدة، وهي التي يتمسك بها الفلسطيني كرمز لوجوده وبقائه. وحتى أولئك الذين حصلوا على الجنسية قبل ست عشرة سنة، وإن أضاعوا أو أضاع بعضهم بوصلة هويته، فإنهم يبقون كما نحن كلنا، ضحايا سايكس بيكو مرة، وضحايا انتماءات طوائفية متمذهبة، ناهيك عن أنهم على الدوام ضحايا عنصرية مقيتة يجري زرعها فينا، لا يستوي على عرشها إلا تشوهات مواطنة ناقصة، يعاني منها اللبناني قبل الفلسطيني.

يكفي الفلسطيني أن يكون إنساناً، بل ويكفيه كذلك أن يُنظر إليه على أنه ذلك الإنسان الذي يعيش وتعيش قضيته في داخل أو في دواخل الآخر الشقيق أو الصديق، وحتى «الحيادي» المؤيد للحقوق الفلسطينية، تلك المعرّفة ضمناً أمام العدو الذي اغتصب أرض الوطن وشرد شعبه إلى المنافي، أو أمام الشقيق والصديق المنافح لفظيا وشعاريا عن قضية الفلسطيني، ولكن في مواجهة أي معضلة عملية تتعلق به مباشرة، إذ بالمنافحة تلك تتبدّد، ليتحول الفلسطيني إلى «غوييم»، أو آخر، لا هو في مكانة الشقيق، ولا هو يمكن أن يكون صديقاً لصاحب السلطة كمالك قطيعي، ينافح عن «ملكيته القطيعية» الخاصة، وكأن الفلسطيني يزاحمه عليها متى ما أصبح في وضعية أكثر إنسانية، ونال حقوقه الطبيعية الإنسانية المدنية والإجتماعية كما في كل بلاد الناس.

ليس من عادة السياسي السلطوي، صاحب السلطة القطيعية الخاصة، أن يتمنطق بمنطق يعينه للوصول إلى الحقيقة، وهو الذي لا يستهدفها أصلاً، خاصة إذا ما كانت فضّاحة لعيوبه، كاشفة لألاعيبه، ساترة لحقيقته هو أمام جمهوره. لهذا لا يبغي السياسي صاحب المواصفات القطيعية سوى استمرار هيمنته هو دون منازع على فضاء السلطة العام، مصادراً ذلك الفضاء العام لمصلحته الأكثر خصوصية؛ والمحددة بحدود الهيمنة القطيعية لإقطاعيات السلطة الخاصة الأكثر تمذهباً. لهذا لا يسأل السياسي المتمذهب عن أي حق، ما خلا حقه هو في استمرار وتواصل سلطته وهيمنتها على المجال العام والخاص للمجتمع والدولة، دون أي احترام لحق المواطنة، فكيف هي الحال تجاه الاعتراف بحق «المساكنة»، تغييباً لهذا الحق، ومساهمة في محاولة دفنه إلى أبد الآبدين؟ وهنا لن نقول آمين!

لا يمتلك الفلسطيني كذات وطنية، أن يقف ضد مبدأ أو مبادئ تجسيد السيادة؛ سيادة الدولة هنا، أو سيادة المجتمع الوطني أو الأهلي على اختلاف انتماءاته الدولتية. فمن يسعَ إلى تجسيد سيادته الوطنية على أرضه وفي وطنه، لا تصح عليه شبهة سلب الآخرين سيادتهم. بذا يكون من الأهمية القصوى تواصل حوار الشرعيتين اللبنانية والفلسطينية، لتأكيد أحقية الأولى بالسيادة دون أي مداخلات إقليمية أو دولية، وأحقية الثانية في تمثيل شعبها والمطالبة بحقوقه كافة.

إن مسؤولية الشرعية الفلسطينية كقيادة لجبهة وطنية متحدة، وهذا ما ينبغي أن تكونه؛ الآن وفي الغد، تحتّم الخوض في مهمة بلورة أفكار تخص الخروج من حلقة استعصاء إقرار الحقوق الفلسطينية الملحة في لبنان، بانتظار إقرار التسوية الموعودة بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا منها، وهذا يحمّل تلك القيادة مسؤولية مضاعفة تبدأ من نقطة عدم التفريط بحق العودة، لا البحث في «حلول تكييفية» تحاول أن تؤقلم ما لا تمكن أقلمته، وحتى لا يبقى حرمان الفلسطيني من حقوقه الطبيعية الإنسانية، عنوان حرمانه من كامل منظومة الحقوق السياسية. فالفلسطيني الإنسان قضية بحد ذاته، لا ينبغي توسله للوصول إلى مآلات تنبذه أو تنبذ حقوقه، كما يجري نبذ قضيته في العديد من المحافل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2178813

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178813 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40