لم يكن نتنياهو وليبرمان وبقية العائلة بحاجة إلى حدث مثير كاختطاف ثلاثة من المستوطنين وقتلهم في ظروف غامضة، كي يواصلوا سياسة الحصار والمطاردة ونسف البيوت، ذلك لأن هذه الممارسات هي من صميم الاحتلال والاستيطان، لكن بعض الأحداث رغم غموضها تحمل شحنة درامية إضافية، وتتيح لمن يريد استثمارها وتوظيفها إضافة إلى قراءتها بطريقته الخاصة أن يجد ذريعة لتبرير ما يقوم به ويواجه باستنكار وشجب من الرأي العام في العالم كله .
وقبل هذه الحادثة بأشهر نشرت مقالات عدة في الصحف العبرية عن توقع حراك فلسطيني، منها ما أدرجه في خانة الانتفاضة الثالثة، ومنها ما رأى في المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس رغم عدم استكمالها تهديداً للدولة العبرية وأمنها المقدس .
ومن مفارقات التاريخ أن الظواهر تُنتج نقائضها، فالاحتلال يُنتج المقاومة عبر الجدلية الخالدة لثنائية التحدي والاستجابة، كما عبر عنها المؤرخ أرنولد توينبي والذي وصف الدولة العبرية ذات يوم بأنها خطأ تاريخي .
لهذا فإن أية انتفاضة سواء حملت رقم ثلاثة أو ألف لا تندلع من تلقاء نفسها، أو لمجرد رغبة البشر في كسر الرتابة لحياتهم، إنها تأتي وتولد كرد فعل على اضطهاد وإقصاء، لهذا فإن تحقيب الانتفاضات في التاريخ وليس في فلسطين فقط هو مجازي بالضرورة، لأن هناك انتفاضة كبرى تشمل البشر كلهم مادام هناك بالمقابل احتلال أو غزو واستيطان، وكل ما في الأمر أنها كالنهر، تجري بهدوء أحياناً وتصبح عاصفة وذات تيار عنيف في أحيان أخرى .
لهذا فالقول إن الفلسطينيين بعد كل هذا الحصار والتنكيل وتحويل البلاد إلى زنزانة بسعة وطن يعيشون مخاض الانتفاضة ليس ضرباً من الخيال لأنهم أولاً ليسوا استثناءً من قاعدة تاريخية ذهبية، تستمد قانونها وقوتها معاً من الطبيعة وليس من التاريخ فقط، وهي أن لكل فعل رد فعل، وأن الجسد الميت وحده هو الذي لا يستجيب للوخز بحد السكين .
إن ما تنتجه سلطات الاحتلال على مدار اللحظة هو عوامل موضوعية للتمرد وبالتالي للانتفاض على وضع شاذ لا يليق بالآدميين .
لم تكن حادثة اختطاف وقتل المستوطين الثلاثة سبباً لما اشترطه نتنياهو على العرب من اعتراف بيهودية الدولة، لأن هذا الاشتراط أقدم من هذه الحادثة وكل ما سبقها أو أعقبها .
ومن يخترعون عقبات تحول دون التوصل إلى أي سلام لا تعوزهم الذرائع، فهم قادرون على تلفيقها إذا تطلب الأمر .
وإذا تمخض هذا الألم الذي يعتصر وجدان شعب أسير عن انتفاضة ثالثة أو عاشرة فذلك أمر يجب عدم استبعاده .
الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014
المخاض الثالث
الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014
par
خيري منصور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
23 /
2180852
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
7 من الزوار الآن
2180852 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 8