السبت 5 تموز (يوليو) 2014

شعب واحد لأمة واحدة

السبت 5 تموز (يوليو) 2014 par د. عبد العزيز المقالح

منذ غياب الزعيم القائد جمال عبدالناصر، الثائر العربي الذي كان قد عرف كيف يوجّه البوصلة العربية إلى حيث ينبغي أن تتجه وتمضي، والوطن العربي في حالة انحدار متواصل، وأقطاره في حالة انكفاء وتراجع عن الأحلام الكبرى التي من دونها، أو بالأصح من دون تحقيقها، تظل الأمة في مهب الريح، وفي حالة صراع داخلي مخيف لا يثمر غير الدم والتمزق والاقتتال خارج حدود المعركة المطلوبة وطنياً وقومياً وإسلامياً . وإذا كانت فكرة التضامن العربي والإحساس بأهمية المصير المشترك قد استمرت تقاوم، تلوح ثم تغيب، بعد رحيل عبدالناصر، لعقدين من الزمن فإنها وصلت في الآونة الأخيرة إلى حالة من الغياب التام، وتحت عبارة مطّاطة تغري مشاعر الانعزاليين ولا تخدم أحداً، وأقصد بها عبارة “قطرنا أولاً” بمعنى أن على كل قطر عربي أن ينكفي على نفسه وأن يتبنى سياساته الاقتصادية في منأى عن بقية الأقطار العربية، ولا يعير مبدأ التضامن والتكامل العربي أي اهتمام .
تحت تلك العبارة الانعزالية المطّاطة ساد غياب الفكرة وانكفأت الأقطار العربية على نفسها - كما أراد لها الانعزاليون تماماً - لكن، وبعد فترة لم تكن طويلة في حساب الزمن المتسارع، استيقظت هذه الأقطار على حصاد بائس، عفواً ليس بالبائس فقط، وإنما كانت قد نمت خلاله الدعوات الضيقة، وتعالت أصوات الداعين إلى مزيد من تفتيت المفتت وتفكيك المفكك، وصار كل قطر عربي يعاني محنته منفرداً في غياب أي عون أو سند من أشقائه المنشغلين بحالات مماثلة . ولا أشك في أنه بعد هذه التجربة، وارتفاع أصوات دعاة التفكيك إلى أقصاها، بدأ أبناء كل قطر عربي يدركون خطورة “قطرنا أولاً” لكونها من المخططات التي تهدف إلى عزل كل قطر عربي عن بقية الأقطار العربية لتسهيل تمزيقه وتفتيته، وسيحتاج كل قطر إلى وقت قد يطول لتصحيح الخلل ومواجهة الإخوة الأعداء من دعاة تشريح الأوطان وتقطيع أجسادها .
نحن شعب واحد من مياه المحيط إلى مياه الخليج، رضينا ذلك أم كرهنا، وأية محاولة من الداخل أو من الخارج تسعى إلى إبعادنا عن بعضنا أو التشكيك في مصداقية الروابط التي تجمعنا ستبوء بالفشل، كما فشلت في الماضي البعيد والماضي القريب، فقد نشط الأعداء قديماً لتمزيق الوحدة الروحية والمعنوية بين أبناء الوطن العربي، كما تضاعف نشاطهم في القرن العشرين، وكانت النتيجة خيبة أمل فاجعة بالنسبة إليهم . وأثبت الواقع أن الشعب العربي، أو بعبارة أدق، أن الناس في هذا الوطن على اختلاف أماكنهم ومستوى ثقافتهم يتمسكون بانتمائهم إلى وطن واحد وإن اختلفت الأنظمة وتعددت الحكومات . وكان هؤلاء الناس الذين يشكلون الكيان البشري للوطن العربي، ولا يزالون في المرصاد لكل محاولة تنتقص من وطنيتهم وعروبتهم، وأدرك الإنسان العربي منذ وقت طويل، فرداً كان أو منضوياً في جماعة، أن ما يكون في مصلحة العدو لا يكون في مصلحة الأمة التي ينتمي إليها .
وهنا، لا يصح أن نتجاهل مواقف الأقليات الدينية في الوطن العربي، ودورها في التمسك بانتمائها إلى هذا الكيان الكبير، ورفضها كل محاولة تنادي إلى تفكيك وحدة الأقطار المتجانسة التي تعيش ثقافة مشتركة ولها أحلامها وهمومها التي تجمعها بكل أبناء الأمة الواحدة . وهذه الأقليات الدينية المؤمنة بعروبتها ووطنيتها ترى - وذلك يتجلى من خلال مواقفها وكتابات أبنائها- أن الأقطار العربية لن تتمكن من بناء وجودها الحديث والمتطور وهي في حالة من التفكك والنظرة الإقليمية الضيقة التي ستضع كل قُطر داخل سجن حدوده، لأن ذلك إذا حدث يتعارض طرداً وعكساً مع عالم يتقارب ويتكامل ويتحدى التقسيمات الجغرافية واللغوية . ومن واجبي أن أشير هنا إلى أنني أتحدث من موقف موضوعي لا علاقة له من قريب أو بعيد بمؤثرات حزبية أو إيديولوجية قومية، فالظرف الحاضر والتجارب السابقة واللاحقة تضع الجميع أمام مسؤولياتهم التي لا تعرف الخوف ولا التردد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2165243

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165243 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010