الأربعاء 2 تموز (يوليو) 2014

نقاط القوة والضعف في الحراك الوطني الفلسطيني

الأربعاء 2 تموز (يوليو) 2014 par عوني فرسخ

في العام 1886 وقع صدام فلاحي قرية الخضيرة مع مستوطني مستعمرة بتاح تكفاه الناشئة بجوارهم، على خلفية خسارة الفلاحين العرب عملهم المتناهي في القدم في الأرض التي بيعت للصهاينة على الساحل الفلسطيني، ما اعتبر بداية اعتماد الممانعة والمقاومة الخيار الاستراتيجي لجماهير شعب فلسطين والجماهير العربية في مواجهة الاستراتيجية الاستعمارية لإقامة كيان صهيوني دخيل يشكل حاجزاً فاصلاً بين جناحي الوطن العربي، موظفاً في خدمة المصالح الاستغلالية الأمريكية والأوروبية في عموم الأرض العربية، وبخاصة مشرقها الغني بالنفط، شريان حياة الصناعة الحديثة .
وعلى مدى ما يقارب مئة وثمانٍ وعشرين سنة توالت هبات وانتفاضات وثورات الشعب العربي الفلسطيني، والتي كانت ذروتها الثورة الكبرى خلال سنوات 1936 - 1939 التي تصدى فيها ثوار عرب فلسطين ومن شاركهم ثورتهم من مناضلي المشرق العربي، التصدي لجيش بريطانيا العظمى الذي حشد في فلسطين ما جاوز الأربعين ألف ضابط وجندي مدججين بأحدث الأسلحة، على نحو غير مسبوق منذ الحرب العالمية الأولى، كما شهدت بذلك الرواية “الإسرائيلية” الرسمية للثورة .
وكان التحدي الصهيوني ، ولا يزال، أبرز نقاط القوة المحفز للحراك الوطني الفلسطيني، إذ كان العدوان الصهيوني المستفز محركاً دائماً لإرادة الممانعة والمقاومة المتجذرة في الثقافة العربي الإسلامية، ما يدل على صحة القول إن الصهيونية أبرز خمائر التغيير في الواقع العربي المعاصر . فيما كان، ولا يزال، عدم توصل الفكر والعمل الفلسطيني الخاص، كما العربي العام، للاستراتيجية العامة والشاملة والمستمرة لإدارة الصراع مع الحركة الصهيونية ورعاتها على جانبي الأطلسي، أبرز نقاط ضعف الحراك الوطني الفلسطيني، والتصدي القومي العربي للمشروع العنصري الصهيوني . وما يعنيه ذلك من قصور ممتد عن تحديد طبيعة المشروع الاستعماري الصهيوني وارتباطه العضوي باستراتيجية الهيمنة الكونية للاستعمار الأوروبي، والإمبريالية الأمريكية من بعده .
وكانت، وما زالت، نقطة الضعف الثانية، ما ترتب على الافتقار للاستراتيجية العامة الدائمة، والشاملة والمستمرة، والوعي الكامل لعمق ارتباط الفكر والعمل الصهيوني بالاستراتيجية الكونية لقوى الاستعمار والإمبريالية الأوروبية والأمريكية، من التطلع غير العقلاني، ولا الواقعي، لموقف رسمي أوروبي وأمريكي غير كامل الانحياز للحركة الصهيونية وعدوانها المتواصل على الحقوق العربية المشروعة في فلسطين . فضلاً عن عدم التنبه الكافي لعمق وسعة التأثير الأوروبي والأمريكي في عواصم صناعة القرار العربي . والتزام قيادات الحراك الوطني الفلسطيني بقرارات النظم العربية فاقدة حرية الإرادة واستقلالية القرار . فضلاً عن الأدوار المتخاذلة لأصحاب المصالح بين النخبة الفلسطينية، التي عرفت على الدوام بتبني مواقف الأنظمة العربية الأكثر تبعية للندن ثم واشنطن .
وفي تاريخ الصراع العربي الصهيوني الممتد، أكثر من حالة خذلت فيها السياسة الخاضعة للإملاءات الرسمية العربية، نضالات الشعب العربي الفلسطيني، بل واجهضتها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
ففي خريف 1936 تغلب في أوساط “الهيئة العربية العليا” لفلسطين رأي القائلين بطلب ملكي العراق والسعودية وإمام اليمن وأمير شرق الأردن، وقف الثورة وفك الإضراب الناجحين، قبولاً بالحل العادل والمنصف الذي وعدت به صديقتهم بريطانيا العظمى . ولأن الحل البريطاني تمثل بمشروع التقسيم الأول لفلسطين الذي طرحه لورد بيل صيف 1937 تجددت الثورة التي تواصلت حتى العام 1939 . وفي أعقاب إجهاضها ضغطت الأنظمة العربية على القيادة الفلسطينية حتى قبلت بعدم مشاركة المفتي الحاج امين الحسيني في مؤتمر لندن الذي صدر في أعقابه “الكتاب الأبيض” لسنة ،1939 ولم تلتزم بتنفيذه بريطانيا العظمى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وزوال الخطر النازي الذي حملها على إصدار “الكتاب الأبيض” سالف الذكر .
وفي ربيع العام 1948 كانت المقاومة الشعبية، التي كان يمثلها “الجهاد المقدس” و“جيش الإنقاذ” قد حققت انتصارات مرموقة في معاركها مع القوات الصهيونية، ما هدد بإلغاء قرار التقسيم رقم 181 لسنة ،1947 حيث اقترح المندوب الأمريكي في مجلس الأمن وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية بعد تعذر تنفيذ قرار التقسيم . غير أن السياسة الرسمية العربية، المتحكم بها بريطانيا آنذاك، خذلت المقاومة الشعبية بفرض الحصار على جميع حدود فلسطين لمنع وصول العتاد العسكري والمناضلين من دول الجوار العربي . والأدهى من ذلك وأمرّ أن اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، حين اتخذت وقتذاك قرارها بدخول قوات بعض الدول لفلسطين أصدرت قراراتها بحل جميع التنظيمات العسكرية الشعبية، والأحزاب الفلسطينية، ومنعت رئيس الهيئة العربية العليا من دخول أرض وطنه، كما منعت تشكيل إدارة وطنية فلسطينية تحل محل إدارة الانتداب بعد إعلان انتهائه في 15/5/،1948 في الوقت الذي أشهرت فيه الوكالة اليهودية دولة “إسرائيل”، التي كانت قد أقامت مؤسساتها، وفي مقدمتها الجيش، زمن الانتداب .
ولقد عرف الحراك الوطني الفلسطيني زمن الانتداب البريطاني وفي أعقابه حتى اليوم بسخاء جماهير الشعب بعطائها، مقابل قعودها على محاسبة القيادات المتوالية على تقصيرها في إدارة الصراع بما يتكافأ مع عطاء الشعب واستعداده، وعلة نقطة الضعف التاريخية هذه اعتبار شعب فلسطين إضفاء قدسية القضية على قيادات ليس لها من القدسية نصيب، ما انعكس في محدودية إنجازات الحراك الوطني على مدى تاريخه الممتد .
غير أن العنصرية المتجذرة في الفكر والعمل الاستعماري الصهيوني شكلت على الدوام تحدياً تاريخياً متواصلاً لإرادة الممانعة والمقاومة للشعب صاحب التاريخ العريق في الممانعة والمقاومة والصمود . ولأن العنصرية الصهيونية لا تعرف المهادنة كانت عبر تاريخ الصراع الممتد عاملاً أساسياً في تقدم الفعل الفلسطيني المقاوم، والمتناغم مع حركة المقاومة على الصعيد القومي . وعلى مدى الثماني والعشرين سنة التالية لصدام الخضيرة امتلك الحراك الوطني الفلسطيني قدرة دائمة على نهوض قيادات جديدة، أكثر فعالية والتزاماً بالثوابت الوطنية، عن القيادات التي أعياها الصراع الممتد وأخلت المجال لمن هم أكثر قدرة على الصمود والعطاء، ما أبقى الحراك الوطني الفلسطيني دائم الفعالية، بل وجعله في تطور دائم مع الأيام . ما حال دون الاستسلام الذي كان، ولا يزال، هدفاً استراتيجياً، للقوى المعادية الدولية والإقليمية والمحلية قصيرة النفس في النضال . ما يغلّب نقاط القوة على نقاط الضعف في حراك شعب تمرّس في الصعاب ولم تنل منه الصعاب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165798

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165798 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010