الأربعاء 2 تموز (يوليو) 2014

الفلسطينيون لا بواكي لهم..

الأربعاء 2 تموز (يوليو) 2014 par عبدالباري عطوان

لا نحتاج الى الكثير من العناء كي نستنتج قرب العدوان“ الاسرائيلي” على قطاع غزة “انتقاما” لخطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، فيكفي متابعة محطات التلفزة الغربية، وليس ا“لاسرائيلية” فقط، وما تتضمنه من مهرجانات حزن وتضخيم للحادث، وسكب الدموع، لنتوقع الاسوأ، فلم يعد العراق او سورية او اعلان دولة الخلافة الاسلامية الخبر المهم، وانما هؤلاء“ الاسرائيليين” الثلاثة “الذين قتلوا بدم بارد”.
قضيت طوال اليوم متنقلا بين محطات التلفزة البريطانية، واذهلني حجم التغطية لجنازات المستوطنين الثلاثة وتهديدات المتحدثين العسكريين الاسرائيليين بالانتقام والتأكيد على ان حركة “حماس″ ستدفع ثمنا باهظا، واقامتهم شبه الدائمة في مقرات هذه المحطات، ومن بينهم السفير الاسرائيلي وطاقمه، ولم ار سفيرا عربيا واحدا دون اي استثناء.

في برنامج “غلوبال” الشهير الذي تبثه “بي بي سي” العالمية سألني المقدم عما اذا كان من حق الجيش الاسرائيلي الانتقام لمقتل “الفتيان” الثلاثة على ايدي خلية تابعة لحركة “حماس″؟
قلت له اولا كيف عرفت السلطات الاسرائيلية ان “حماس″ هي التي تقف خلف هذه العملية، قال انها اجهزة استخباراتهم، وهم يقولون انهم يملكون الادلة القوية في هذا الصدد، قلت اذا كانوا يملكون هذه الاجهزة الاستخبارية الجبارة فلماذا لم يكتشفوا الخاطفين ومكان اخفاء المخطوفين طوال الاسبوعين الماضيين وهم الذين يدعون انهم يعرفون كل مليمترا في الاراضي المحتلة؟

ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك وقلت للمقدم لماذا لم تر الجانب الآخر من الصورة، الم تقولوا في تقريركم الذي سبق الحوار ان ستة من الفلسطينيين قتلوا (استشهدوا) برصاص القوات “الاسرائيلية”، انا اسأل وبكل براءة، هل رأينا جنازة واحدة لهؤلاء على شاشة محطتكم او اي محطة بريطانية او امريكية اخرى اليس هؤلاء بشرا ايضا لهم اهل واطفال وزوجات وأباء وامهات؟ نقطة اخرى وردت في تقريركم وتحدثت عن نسف منزلين لمتهمين (اثنين) واحد من عائلة القواسمي وآخر من عائلة ابو عيشة، اتهما بالاقدام على عملية الخطف هذه، سؤالي هو هل جرى تقديم هؤلاء الى المحاكمة، في هذه الدولة الحضارية الديمقراطية صاحبة القضاء المستقل الوحيد في المنطقة، وادينوا بتنفيذ عملية الخطف هذه حتى يتم نسف بيوتهم، وماذا عن اطفالهم واسرتهم، وما ذنب هؤلاء، واي عدالة هذه؟

ندرك جيدا ان مهمتنا صعبة مع مقارعة اعلام منحاز للعدوان“ الاسرائيلي”، ويضع“ الاسرائيليين” في مكانة اقرب الى “القداسة” بينما لا يعير اي اهتمام لنا او ضحايانا، ولكن علينا ان نستمر في المحاولة، ونطرق كل الابواب، مهما آلمنا الطرق، من اجل ايصال الحقيقة، خاصة ان قطاعا عريضا من الرأي العام بدأ يسمع ويتجاوب مع الحقائق التي كانت محجوبة عنه.

لا نملك بلورة سحرية للتنبؤ لاستقراء الاحداث المقبلة، لكن عندما يدعو افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي الى شن عملية عسكرية في قطاع غزة مشابهة لعملية السور الواقي التي قادها رئيس الوزراء “الاسرائيلي” ارييل شارون عام 2002، فلا نستغرب ان نستيقظ صباح الغد وصور الدبابات “الاسرائيلية” تقتحم قطاع غزة، وطائرات امريكية الصنع من طراز اف 16 تقصف البيوت الفلسطينية المتهالكة من الجو وتقتل المئات ان لم يكن الآلاف من الابرياء، مثلما فعلت في عدوان عام 2008، فالجنرالات “الاسرائيليون” يشعرون بهزيمة مهينة بعد فشلهم في منع عملية خطف المستوطنين الثلاثة اولا، والعثور على مكانهم ثانيا، وانقاذ حياتهم ثالثا، والهزيمة على يد من؟ مجموعة صغيرة من الشبان خططوا لهذه العملية جيدا، وربما لا يجدون قوت يومهم.

حركة “حماس″ المحاصرة في قطاع غزة، ومعها مليونا فلسطيني لا يجدون الماء ناهيك عن الطعام في هذا الشهر الفضيل، لا يملكون صواريخ مضادة للطائرات، ولا اخرى مضادة للدروع، ولكنهم يملكون ايمانا قويا بالنصر، ويتطلعون الى الشهادة ويتمنونها وهم صائمون ساجدون في شهر التضحية والمعاناة والتقرب الى الله.

في العدوان “الاسرائيلي” الاخير على قطاع غزة لم يرفع المدافعون عنه الرايات البيضاء استسلاما لعدم توازن القوى وانعدام الاسلحة، وانما اطلقوا مئات الصواريخ التي هطلت كالمطر على تل ابيب ووصلت الى محيط القدس، ودفعت اكثر من اربعة ملايين مستوطن اسرائيلي في تل ابيب وغيرها للهرولة بجزع ورعب الى الملاجيء في اقل من سبع دقائق من انطلاق صفارات الانذار، فالارادة اقوى من كل الجيوش والاسلحة الحديثة، انهم القلة المؤمنة التي ستهزم الكثرة الكافرة باذن الله.

نتنياهو المعزول والمهمش ربما يستغل حالة الانهيار العربي الراهنة لارتكاب مجازر جديدة في القطاع والضفة الغربية ايضا، ولكنه ومستوطنيه هم الذين سيدفعون ثمنا باهظا لاي عدوان على امل كسر عزلته الاقليمية والدولية، ففي ارض الاسراء والمعراج رجال من قوم الجبارين.

لن يستجدي رجال القطاع والضفة الاسلحة النوعية من الولايات المتحدة ولا الصواريخ المضادة للطائرات، ليس لانهم لن يحصلوا عليها (وهل حصل عليها غيرهم؟) وانما لانهم سلموا امرهم للخالق جل وعلى وهو قطعا لن يخذلهم، واعتمدوا على انفسهم، وليس على الانظمة العربية المتواطئة، فلم تدعم هذه الانظمة احدا الا وانهزم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165456

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165456 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010