الجمعة 27 حزيران (يونيو) 2014

على هذه الأرض ما يستحقّ الشهداء!

الجمعة 27 حزيران (يونيو) 2014 par نصار ابراهيم

عندما لا ترتقي السياسة إلى مستوى وضوح الشهداء تصبح نوعاً من تفاهة!

هنا، في الصدر تماماً، في القلب مباشرة، مرّت الرصاصة، تاركة خلفها ثقباً صغيراً دامياً لا يتجاوز محيط قلم الرصاص… القلم ذاته الذي كان يخربش به الطفل منذ يوم أو يومين بعض أحلام وأمنيات وبعض دروس في الرياضيات والفيزياء والثقافة الوطنية.

القلب ينبض بكامل طفولته، قلب فتي، لم يتجاوز الخامسة عشرة أو العشرين أو الثلاثين ربيعاً، كان يتمرّن على إيقاعات الحياة، ويمنّي النفس بعمر طويل… ولكن… كالآآآآه الممتدّة نفر الدم وفار وسقط الطفل الشاب مثل وردة قصفتها يد وحشية. وهناك… على مسافة رصاصة بقايا جدار ينتظر صورة جديدة.

تطول شوارع الوطن المليئة بالصور وتمتدّ! وبين ذلك الدمار العظيم تنهض حياة وبيوت وشوارع وجدران جديدة تنتظر المزيد من الصور.

الشهداء وحدهم هم الحقيقة الوحيدة الأكيدة الواضحة في واقعنا الملتبس، فلا حقيقة ولا سياسة ولا لغة يسعها أن تتجاوز حرارة دمائهم. التعابير والتفسيرات والهلوسات حول الواجبات والحقوق والديبلوماسية والبراعة والذكاء السياسي لا يمكنها كلّها أن تغطي وهج قطرة دم واحدة سفكتها رصاصة غادرة…

أن يسقط الشهداء الفلسطينيون كلّ يوم لم يعد مصادفة أو نتيجة خطأ عابر. هو قرار مع سبق الإصرار لقاتل أدمن القتل والاستهانة بحياة أولادنا وشبابنا على مر الأجيال. إذن، لنترك غباءنا قليلاً، ولنحترم دماء شبابنا الدافقة على تراب هذه الأرض وصخورها وتحت أشجارها، لنحترم ولو بالصمت صرخة الآه لأم تودّع رضيعها الذي خطفته رصاصة قاتلة تعرف طريقها جيداً منذ أن ضغط إصبع القاتل على زناد البندقية.

إذن، ليترك الجميع اللغة جانباً، أتركوا الكلمات التي لم يعد لها معنى أو وظيفة سوى التبرير وإهانة الدماء، فليس في القواميس كلمة قادرة على الصعود إلى مستوى دمعة أم أو أخت أو والد مفجوع.

يرحل الشهداء يوميّاً، ومع ذلك لا نزال نبحث عن دمائهم في أروقة الأمم المتحدة. يرحل الشهداء كلّ لحظة وهم يدركون أنهم يدفعون ثمن الفجيعة السياسية، ثمن غياب الوضوح والعزيمة والهمّة وموقف تعطيه الشهادة أسرارها وما يليق بها من عهود.

أيّ حزن شاسع يغطي ليل أمهاتنا!

اي حزن ساحق يغمر قلب تلك الأم وهي تنوح حاضنة رأس طفلها الصامت في حجرها؟! بماذا وكيف نخاطبها؟

في حضرة الشهداء، في حضرة القلب المثقوب بالرصاص، في حضرة الدموع، في حضرة الفجيعة لم يبق ما يقال. هو الصمت الشامل في انتظار الفعل الذي يليق بهذا الرحيل العظيم.

هذا هو الشعب الفلسطيني البسيط العنيد، يدفع شبابه وأطفاله بوعي أو بالمصادفة إلى ميادين المواجهة، فيسقط الشهداء وهم يناضلون أو يجلسون على مقاعد الدراسة أو في الحقول أو على شرفة المنزل أو في حفلة زواج أو في لحظة نوم أو ولادة، هكذا ببساطة… وهكذا ترحل مواكب الشهداء صعوداً صعوداً نحو أقدارها وأمنياتها كل يوم.

يتلاشى صدى الهتافات والخطب، ويغادر الجميع المكان أما الأم فتبقى تنتظر وحيدة مع ذكرياتها طيف وليدها، علّه يعود إليها قادماً عبر فضاء الباب. تجلس وهي تحضن أشياءه الصغيرة، تشمّ رائحة ملابسه، تلمس أقلامه المبعثرة. ينام الجميع، وفي هدأة الليل يسري دعاء هامس «مع السلامة يا ولدي… لك الله يا بني».

أما من هم هناك، فوق أو تحت، وأياً كانوا، فيواصلون احتجاجاتهم ومطالباتهم بأن يحترم الاحتلال حقوق الإنسان وحقوقنا… كيف؟! وهل هناك احتلال يحترم حقوقا؟!

لذا، على من هم هناك، فوق أو تحت، وأيا كانوا، أن يدركوا أنّ صدر فلسطين المطرز بالشهداء لا تناسبه كلمات الرثاء والاستجداء والاستنكار والضعف. فلا يوجد ما يناسب فلسطين سوى النهوض والارتقاء إلى مستوى قامة آخر شهيد سقط أو قامة الشهيد التالي… حقوق الشعب الفلسطيني لا يقرّرها مجلس الأمن أو أكذوبة المجتمع الدولي أو مطالبة الاحتلال بأن يكون أكثر إنسانية وعقلانية وأخلاقية… تحدّدها دماء الشهداء الذين سقطوا والشهداء الذين ينتظرون، ودائرة الحزن الشاسع لأمهات تمسح أكفهنّ شواهد القبور صباح كلّ عيد وهنّ يهمسن بلوْعة: لا بأس يا ولدي؟ فإنّ «على هذه الأرض ما يستحق الشهداء»؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 90 / 2166041

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166041 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010