الأحد 22 حزيران (يونيو) 2014

حكومة نتنياهو تدفع الفلسطينيين للانفجار

الأحد 22 حزيران (يونيو) 2014 par علي جرادات

استغلت حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو حادثة اختفاء ثلاثة مستوطنين لم تقر أيٌ من فصائل المقاومة الفلسطينية باختطافهم، لشن عملية عسكرية واسعة ما زالت مستمرة ضد مدن الضفة وقراها ومخيماتها، وإمطار غزة بغارات جوية يومية، ما يؤكد أن الأهداف السياسية للعملية تتجاوز هدفها الأمني المعلن: “استعادة المستوطنين الثلاثة” . هذا واضح، ولا يحتاج إلى برهان، لدرجة اضطرار جهات سياسية وإعلامية صهيونية إلى اتهام حكومة نتنياهو بتوظيف حادثة اختفاء المستوطنين الثلاثة لمسح مسؤوليتها عن عزلة “إسرائيل” السياسية بعد عجزها عن منع تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية، وفشلها في منع الاعتراف الأوروبي بها، والتعامل الأمريكي معها، وتسبُّبها في اتساع حملة المقاطعة الدولية لمنتجات المستوطنات والعديد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية والاقتصادية “الإسرائيلية” . كل ذلك بسبب أن حكومة نتنياهو هي من أوصل جولة المفاوضات التي رعاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى طريق مسدود، وجعل تمديدها أمراً متعذراً حتى لدى أكثر القيادات الفلسطينية مرونة وتشبثاً بنهج المفاوضات الثنائية تحت الرعاية الأمريكية .
إذ ما جدوى استمرار التفاوض، ما دامت لا تقدم خطوة ملموسة على طريق إنهاء الاحتلال، بل ولا تعطي ضمانة لتوقُّف استباحاته الميدانية الشاملة لكل ما هو فلسطيني . أكثر من ذلك، فالاستئناف غير المشروط للمفاوضات في نهاية تموز/ يوليو 2013 لم يفضِ إلا إلى تعزيز اعتقاد حكومة نتنياهو بإمكان الجمع إلى ما لا نهاية بين تصعيدها السياسي والميداني، واستمرار “التفاوض من أجل التفاوض” و“التنسيق الأمني” المجاني و“التهدئة من طرف واحد” . فمن تشديد الحصار والاعتداءات على غزة، إلى تكثيف عمليات الاستيطان والتهويد والتفريغ في الضفة، وقلبها القدس، إلى إطلاق يد المستوطنين في الاعتداء على حياة الفلسطينيين ومقدساتهم وممتلكاتهم، إلى اغتيال 50 فلسطينياً خلال مدة المفاوضات، (تسعة أشهر)، إلى توسيع حملات الاعتقال وتصعيد عملية التنكيل بالأسرى والتراجع عن التعهد بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من “أسرى ما قبل أوسلو” .
بل وتضخم هذا الاعتقاد الإيديولوجي لدى حكومة نتنياهو لدرجة أنها لا تنصت لتحذيرات وزير الخارجية الأمريكي، كيري، ومساعده مارتن إنديك، من أنها تقود “إسرائيل” إلى عزلة سياسية وانتفاضة فلسطينية “ثالثة”، تقدم الأمر أو تأخر . كما لم يخطر ببالها، (حكومة نتنياهو)، أن من شأن تصعيدها السياسي والميداني أن يدفع، مع عوامل داخلية، قيادتي “فتح” و“حماس” إلى تشكيل حكومة توافق وطني، كخطوة أولى على طريق إنهاء انقسامهما الذي استغلته حكومات “إسرائيل” وعملت على تغذيته وتأبيده على مدار سبع سنوات .
وبتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة كتطور مفاجئ أصاب حكومة نتنياهو في مقتل، وأوقعها في حالة هستيريا سياسية دفعتها إلى المزيد من التمادي: فمن تعليق المفاوضات، (المتوقفة أصلاً)، إلى حظر اتصال المسؤولين “الإسرائيليين” بالرئيس الفلسطيني، أبو مازن، إلى تصعيد العقوبات المالية وغير المالية على السلطة الفلسطينية، وتخفيض مستوى التنسيق معها، باستثناء “التنسيق الأمني”، إلى إقرار بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة والقدس، إلى اقتراح مشروع قانون أساسي يحصن اعتبار “إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي”، إلى المصادقة، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يحظر صفقات “تبادل الأسرى”، إلى المناداة بضم المستوطنات في الضفة، إلى دعوات تنفيذ “خطة الانطواء” في الضفة من طرف واحد، إلى التنكيل بصورة غير مسبوقة بالمعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام منذ 60 يوماً، حيث يرقد 80 منهم مكبلين في المستشفيات، ويقبع 70 آخرون في زنازين العزل في أكثر من سجن .
وعليه فإن التصعيد العسكري “الإسرائيلي” الجاري في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 جد خطير، إن لناحية أنه غير مسبوق منذ اجتياح حكومة شارون للضفة في نيسان/ ابريل ،2002 أو لناحية أنه يداهم وضعية فلسطينية هشة لم تغادر انقسامها الداخلي كلياً بعد، أو لناحية أن حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو أقرب إلى عصابة، وأكثر حكومات “إسرائيل” المارقة تطرفاً وتشدداً، وتتغطى برعاية أمريكية إستراتيجية وصمتٍ دولي غربي مريب، في وقت زادت مخاطر التطورات الجارية في العراق من حالة انكفاء الأمة على همومها الداخلية تعقيداً على تعقيد . ماذا يعني هذا الكلام؟
بعيداً عن ذريعة “استعادة المستوطنين الثلاثة”، فإن العملية العسكرية “الإسرائيلية” الجارية في الضفة وغزة إن هي إلا صدى لصوت سياسة يحركها تشدد إيديولوجي صهيوني، لكنها في الحالات كافة ستحول الحالة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 إلى مرجل يغلي أو بركان على وشك الانفجار . فحكومة نتنياهو نسيت أن عمليتها العسكرية البربرية وجرائم جيشها وعصابات مستوطنيها لن تردع الفلسطينيين ولن “تكوي وعيهم” المقاوم، كما تعتقد فرضية صهيونية قديمة ثبت بطلانها، وتخلت عنها أوساط سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية “إسرائيلية” ما انفكت تحذر حكومة نتنياهو من مغبة التعلق بأهداب هذه الفرضية الواهمة التي أورثت حكومات “إسرائيل” السابقة مفاجآت الهبات والانتفاضات الشعبية الفلسطينية، بدءاً بحكومة شامير-رابين التي فاجأها اندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى في العام ،1987 مروراً بحكومة نتنياهو الأولى التي فاجأها اشتعال “هبة النفق” المسلحة في العام ،1996 عرجاً على حكومة باراك التي فاجأها اندلاع “انتفاضة الأقصى” في العام ،2000 وصولاً إلى حكومة نتنياهو الحالية التي فاجأها اختفاء ثلاثة مستوطنين .
قصارى القول: بوسع حكومة نتنياهو أن تتمادى في حلولها العسكرية والأمنية كما تشاء، لكن عليها أن تتذكر أن جرائمها لن تدفع الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء، وأن سياساتها التي تستبيح فلسطين شعباً وأرضاً وحقوقاً وكرامة هي المحرك الأساس والعامل الأهم لتحويل الحاصل من هبات جماهيرية إلى اشتباك واسع وممتد ومتصاعد تقدم الأمر أو تأخر . ولعل كل مقاربة لا ترى هذه الحقائق في راهن الصراع إن هي إلا مقاربة ذاتية قاصرة تتجاهل- سيان بوعي أو بجهالة- أن الحالة الشعبية الفلسطينية السائدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 على عتبة انفجار كبير .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2182156

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182156 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40