الجمعة 20 حزيران (يونيو) 2014

عبّاس يأكل وشهيّة نتنياهو تزدا

الجمعة 20 حزيران (يونيو) 2014 par زهير أندراوس

بادئ ذي بدء، نُشدّد على أننّا ننبذ جميع أعمال وأشكال العنف، ونطمح إلى عالمٍ تسود فيه قيم العدالة والحريّة وتقرير المصير لكافة شعوب العالم قاطبةً، فالحريّة لا تُقسّم والعدالة لا تتجزأ. ثانيًا، في أب (أغسطس) من العام 2009 عندما أجرت معي القناة العاشرة في التلفزيون العبريّ حديثًا حول الاحتلال، قلت ببثٍ حيٍّ ومُباشرٍ إنّه من حقّ الشعب الواقع تحت الاحتلال، أيْ الشعب العربيّ الفلسطينيّ، أنْ يلجأ إلى جميع الأساليب، ومن ضمنها الكفاح المُسلّح، لكنس الاحتلال، فكان الردّ السلطويّ الإسرائيليّ، كعادته، حاقدًا، لأنّ هذه الدولة المارقة بامتياز، والتي تُعرّف نفسها بأنّها الديمقراطيّة الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات العربيّة، تُكشّر عن أنيابها، وتستغيث بالشرطة والمخابرات لإسكات أيّ صوتٍ ناطقٍ بالضاد يُبدي رأيه بحريّةٍ تامّةٍ وبدون مواربة أوْ مداهنة، وعليه تمّ اعتقالي من قبل الشرطة، ووُجهت لي تهمة التحريض على قتل جنود الاحتلال في الضفّة الغربيّة، وذلك بأمرٍ مباشرٍ من المستشار القضائيّ للحكومة “الإسرائيليّة”، وما زال الملّف مفتوحًا حتى الآن. ثالثًا، نُقّر بأننّا لسنا اختصاصيين في القانون الدوليّ، ولكن مُراجعة نصوص المعاهدات والمواثيق الدوليّة، على ضوء عملية أسر المستوطنين الثلاثة من قبل تنظيم فلسطينيّ، مجهول الهويّة حتى الآن، هي واجب كلّ إنسان في هذه المعمورة، يصبو إلى تحقيق العدالة الإنسانيّة والمساواة بين بني البشر بغضّ النظر عن انتماءاتهم، والمُراجعة لا تقتصر على الشعب الذي يئّن تحت نير الاحتلال، وعليه، فإنّ السؤال المطروح أمامنا، وهو باعتقادنا المتواضع السؤال المفصليّ: هل يحّق للشعب الرازح تحت بطش وعدوانية الاحتلال أنْ يُناضل من أجل التحرّر من الاحتلال، الذي يُعتبر أعلى مراحل الإرهاب؟

ولكي لا تُتّهم بالغوغائيّة والتطرّف والشوشرة والتجنّي على كائنٍ مَنْ كان، نجزم ونقول إنّه في التاريخ القريب للشرعيّة الدوليّة، اعترفت اتفاقيات لاهاي (1899 و1907) بمشروعيّة المقاومة الوطنيّة ضدّ العدوان والاحتلال، إذ قضت اتفاقية لاهاي لعام 1907 «على أنّ الشعب القائم في وجه العدو هو مجموعة المواطنين من سكّان الأراضي المحتلّة المهاجَمة من قبل العدو، الذين حملوا السلاح وتقدّموا لقتال العدو»، واعتبرت هؤلاء المواطنين بحكم القوات النظاميّة، ويتمتّعون بصفة المحاربين وبكل حقوقهم عند الأسر أو الجرح، وكان الأمر باهتًا في عهد عصبة الأمم، بيد أنّ الميثاق، على عوراته، قطع خطواتٍ مهمة بشأن الاعتراف، بحقّ المقاومة المسلحّة كوسيلةٍ من وسائل تقرير المصير، وتأكدّ هذا المنهاج بالقرارات الصادرة عن الجمعية العامّة للأمم المتحدّة والتي تكفل حق الشعوب في مقاومة الاحتلال.

ومن الأهميّة بمكان الإشارة في هذه العُجالة إلى أنّ المادة الثانية من اتفاقية لاهاي للعام 1907، عرّفت الشعب القائم أو المنتفض في وجه العدو بأنّه مجموعة المواطنين من سكّان الأراضي المحتلّة، الذين يحملون السلاح ويتقدّمون لقتال العدو، سواء أكانَ ذلك بأمرٍ من حكومتهم أمْ بدافع من وطنيتهم أوْ واجبهم. وقررت المادة المذكورة أنّ هؤلاء المواطنين المقاتلين يُعدّون في حكم القوات النظاميّة وتُطبّق عليهم صفة المحاربين. ولو راجعنا مجموعة القرارات الدوليّة الصادرة عن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة لوجدنا أنّ هناك، منذ العام 1975، نصًا يتكرّر كل عام ويتضّمن إعادة تأكيد الجمعية على شرعية كفاح الشعوب في سبيل الاستقلال والسلامة الإقليميّة والوحدة الوطنيّة والتحرّر من السيطرة الاستعماريّة والأجنبيّة ومن التحكّم الأجنبيّ، بكلّ ما تملك هذه الشعوب من وسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح.

علاوة على ذلك، كانت دورات مؤتمر جنيف الدبلوماسيّ للعمل على إنماء وتطوير قواعد القانون الدوليّ الإنسانيّ، المطبّق على النزاعات المسلحة والتي عقدت في جنيف بين 1974 ـ1977، والذي توّج بإقرار البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف، وتمّ التوقيع عليها في 10حزيران 1977، وكان مناسبةً لتقنين تحريم حرب العدوان، وحقّ الشعوب في تقرير المصير، وغيرها من القضايا التي تحمي أفراد المقاومة المسلحّة ضدّ المحتَّل، وتعترف بشرعية حقّ الشعب في مقاومة الاحتلال والاستعمار. كما أنّه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ المادة (44) من البروتوكول الملحق الأوّل لمعاهدات جنيف تنصّ على أنّه يُعدّ كلّ مقاتل أسير حرب إذا ما وقع في قبضة الخصم، كما يلتزم المقاتلون بقواعد القانون الدوليّ التي تُطبّق في المنازعات المسلحّة، بيد أنّ مخالفة هذه الأحكام لا تحرم المقاتل حقه أنْ يُعَّد مقاتلاً، أو أنْ يُعَّد أسير حرب إذا ما وقع في قبضة الخصم.

مُضافًا إلى ذلك، تنص القواعد الرئيسيّة للقانون المعمول به في حالة الاحتلال على عدّة بنود، وفق معاهدة جنيف الرابعة ومنها: لا يكتسب المحتل سيادة على الأرض، الاحتلال ليس إلا حالة مؤقتة، وتنحصر حقوق المحتّل في حدود تلك الفترة، تُحظر عمليات النقل الجماعيّة أو الفرديّة للسكان من الأرض المحتلّة أوْ داخلها. تُحظر عمليات نقل السكان المدنيين التابعين لسلطة الاحتلال إلى الأرض المحتلّة، بغضّ النظر عن كون هذا النقل قسريًا أو طواعية، يُحظر العقاب الجماعيّ، تُحظر مصادرة الممتلكات الخاصة بواسطة المحتل. كما أنّ القواعد تؤكّد على أنّه يجب السماح لموظفي الحركة الدوليّة للصليب الأحمر والهلال الأحمر بتنفيذ أنشطتهم الإنسانيّة، ويجب منح اللجنة الدوليّة على وجه الخصوص إمكانية الوصول إلى جميع الأشخاص المحميين، أينما كانوا، وسواء كانوا محرومين من حريتهم أم لا.

هذه المواثيق والمُعاهدات الدوليّة لا تترك مجالاً للشكّ بأنّ “إسرائيل” هي دولة مارقة ومُعربدة، لا تأبه بالقانون الدوليّ، ولا تعير اهتمامًا لما جاء فيه، فكيف لدولةٍ، تمّ زرعها في الشرق الأوسط من قبل الاستعمار البريطانيّ، على حساب الشعب الفلسطينيّ، أنْ تتهّم هذا التنظيم أوْ ذاك بالإرهاب وبعدم الانصياع للشرعيّة الدوليّة، وفي الوقت نفسه، لم تقُم منذ إنشائها وحتى اليوم، بتنفيذ أكثر من ستين قرارٍ صادرٍ عن مجلس الأمن الدوليّ؟ ونميل إلى الترجيح، بأنّ لجوء دولة الاحتلال إلى القانون الدوليّ ضدّ التنظيمات الفلسطينيّة والاستغاثة بالمجتمع الدوليّ، الذي أدمن على النفاق والتدليس، لا يبتعد كثيرًا عن العاهرة التي تُلقي محاضرات عن الشرف، ذلك أنّه من المُسلّمات القول والفصل إنّ مَنْ بيته من زجاج لا يقوم بإلقاء الحجارة على الآخرين. علاوة على ذلك، بدون التمحيص، نصل إلى نتيجة لا لبس فيها وهي أنّ إسرائيل تخرق القانون الدوليّ يوميًا في الأراضي المحتلّة منذ عدوان الخامس من حزيران (يونيو) من العام 1967، وتنتهك الأرض والعرض، الحجر والشجر، تعتقل، تبطش، تقتل، تقصف بالطائرات، وتُنكّل بشعب أعزل، يُريد كباقي شعوب العالم تقرير مصيره، كما هو يُريد، لا كما تُخطط الإمبرياليّة الأمريكيّة وربيتها الصهيونيّة، وأدواتها الرجعيّة في المنطقة، وفي مقدّمة هذه الأدوات من يُطلق على نفسه الرئيس الفلسطينيّ، محمود عبّاس، وهو بنظرنا لا يتعدّى كونه رئيسًا للمجلس المحليّ في المقاطعة الواقعة بمدينة رام الله المحتلّة. تصريحه ألانبطاحيّ في السعودية حول المستوطنين المخطوفين، هو إساءة لكلّ عربيّ ومُسلم، فقد صرّح بأنّه يُندّد بعملية اختطاف الفتيان الإسرائيليين الثلاثة، وطالب بإطلاق سراحهم بشكلٍ فوريّ. وقال: إنّ هؤلاء الذين ارتكبوا هذا العمل يُريدون تدمير الفلسطينيين، لافتًا إلى أنّ الشبان الثلاثة هم بشر مثلنا تمامًا ويجب إعادتهم إلى عائلاتهم. وهناك مثل عبريّ يقول إنّه مع الأكل تزداد الشهيّة، فرئيس الوزراء“ الإسرائيليّ”، بنيامين نتنياهو، طالب عبّاس بترجمة أقواله على أرض الواقع وفكّ الشراكة مع حركة حماس، أيْ أنّ عملية الابتزاز التي تُمارسها الدولة العبريّة لن تتوقّف أبدًا، ونُرجّح بأنّ رئيس السلطة يفهم ذلك جيّدًا، ومع ذلك يُواصل المُداهنة، حتى يشعر الإنسان العاديّ بأنّ الفلسطينيين هم الذين يحتّلون الأراضي ويقمعون “الإسرائيليين.”

وعودٌ على بدء: قلنا، نقول وسنبقى نُردّد بأعلى الصوت إننّا ضدّ العنف على جميع أنواعه، ولكن مع ذلك، نُوجّه رسالتنا إلى حكّام هذه الدولة: ألا تعتقدون بأنّ ما يقوم به جيش احتلالكم في هذه الأيام بالضفة الغربيّة المحتلّة سيخلق الجيل الجديد من المقاومين والفدائيين؟ أَلَمْ تُشاهدوا التقرير الذي بثّه التلفزيون العبريّ عن مخيم جنين وقال مُعدّه بالحرف الواحد: مَنْ يعتقد أنّ الهدوء في الأراضي الفلسطينيّة سيبقى للأبد عليه فقط أنْ يتحدّث مع فتية مخيم جنين أطفال الجهاد والجيل المقاتل! ألا تخشون من أنْ تتحوّل عمليتكم العسكريّة إلى كيدٍ مرتدٍ؟حتى متى سيبقى الشعب الفلسطينيّ أسيرًا لتوجهاتكم السياسيّة العنصريّة والمُتطرفّة؟ إننّا نضّم صوتنا ونُطالب بإعادة جميع الأسرى من الطرفين إلى بيوتهم، نعم إلى بيوتهم، وليس إلى البيوت التي شيّدوها على الأراضي الفلسطينيّة المسلوبة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010