السبت 14 حزيران (يونيو) 2014

“إسرائيل” والمصالحة الفلسطينية

السبت 14 حزيران (يونيو) 2014 par ناجي صادق شراب

لم تفاجأ “إسرائيل” بالمصالحة الفلسطينية، لأنها تدرك أن المصالحة هي الخيار الفلسطيني الحتمي، وأن الفلسطينيين مهما اختلفوا وتنازعوا على الحكم والسلطة، ومهما اختلفت خياراتهم وتفضيلاتهم السياسية، إلا أنهم كلهم موحدون حول هدف واحد ونهائي، وهو إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” بكل الوسائل المشروعة التي أقرتها القوانين الدولية التي تعطي الحق لكل الشعوب المحتلة في أن تناضل بالمقاومة والمفاوضات وبالمقاطعة السياسية والاقتصادية للتحرر من أبغض شكل من أشكال انتهاك الحقوق الإنسانية وهو الاحتلال .
وتدرك “إسرائيل” أن المصالحة هي أقرب الطرق وأقصرها لإنهاء الاحتلال، ولكشف حقيقة الموقف “الإسرائيلي” من السلام والمفاوضات، ومن قضايا الديمقراطية . ومعادلة العلاقات بين “إسرائيل” والفلسطينيين بسيطة وواضحة، ف“إسرائيل” تريد أن تصوّر الحالة الفلسطينية أنها ليست حالة نضال وتحرر إنساني، وأن الفلسطينيين ليسوا شعباً، ولكنهم مجرد رقم سكاني، وتريد أن تلصق بهم صفة الإرهاب والعنف، واللاديمقراطية، وأنهم شعب غير متحضر، لا يستحقون دولة . وعندما قبل الفلسطينيون خيار التفاوض والسلام، وجدت “إسرائيل” نفسها في مأزق، فهي لا تريد السلام لأن له سقفاً محدداً، وهو قيام الدولة الفلسطينية، ويعني إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وعليها أن تبحث عن صيغة جديدة للتعامل معهم .
الفلسطينيون ورغم خسارتهم من المفاوضات، لكنهم بلا شك كسبوا الكثير، ووضعوا “إسرائيل” في مأزق، لأن القوة لا تحقق السلام، إنما هدفها العدوان والتوسع والضم، ورفض الاعتراف بحقوق الغير .
ولعدم قبولها بمفهوم الدولة الفلسطينية، بدأت تتهم السلطة الفلسطينية أولاً في عهد الرئيس عرفات بأنه ليس شريكاً للسلام، ووصلت إلى حد محاصرته ثم اغتياله .
وعندما جاء الرئيس عباس وسار على النهج نفسه، لم تجد “إسرائيل” أفضل من خيار التمهيد للانقسام الفلسطيني، فقامت بخيار الانسحاب الأحادي الذي وإن كان للمقاومة فضل فيه، إلا أن هدفها كان فصل غزة عن الضفة الغربية، وحتى يتم هذا الخيار شجعت على الانقسام إلى أن وصلت الأمور إلى سيطرة حماس على غزة، وكانت “إسرائيل” المستفيد الوحيد منه، ووظفته توظيفاً سياسياً بما يخدم أهدافها، وقادت حملة إعلامية بزعم أن الرئيس عباس ليس رئيساً شرعياً، ولا يملك قراره على الأراضي الفلسطينية كافة .
والحقيقة أن هدف “إسرائيل” من هذا الانقسام هو ضرب خيار الدولة الفلسطينية الواحدة، وإحياء مشاريع صهيونية قديمة برمي غزة في حضن مصر، وبرمي الضفة الغربية في حضن الأردن، والعمل على إحياء خيار الوطن البديل في الأردن وكان همّها الوحيد أن تبقى غزة تحت السيطرة الأمنية، وألا تشكل تهديداً لأمنها، ولذا قامت بشن حربين على غزة لضرب بنية المقاومة التحتية، بهدف الوصول إلى هدنة شبه دائمة، وكان هذا هدفاً واضحاً من حرب غزة الثانية وفوز الإخوان بالحكم، فأرادت أن تستفيد من ذلك، ونجحت في انتزاع هدنة، وعندما خسر الإخوان الحكم، وبرز الدور المصري الجديد، بدأت “إسرائيل” تسعى لضرب كل الخيارات الفلسطينية، وإفشال المفاوضات، فما كان من السلطة والرئاسة الفلسطينية إلا الذهاب لخيار تفعيل الشرعية الدولية بانضمام فلسطين لعدد من المعاهدات الدولية، وهذا ما يقلق “إسرائيل” كثيراً، وهي الساحة التي لا ترغب أن تجد نفسها في مواجهة مع الفلسطينيين، لأنها ستكون الطرف الخاسر فيها، ولذلك وقفت وبشدة أمام أي تحرك فلسطيني نحو المصالحة .
وإدراكاً من الفلسطينيين لخطورة ما تريده “إسرائيل” وصلوا إلى قناعة سياسية بأنه لا اكتمال لخيار الدولة الواحدة، ولا نجاح لخيار تفعيل الشرعية الدولية من دون إنهاء الانقسام، وهو ما توج بإعلان حكومة التوافق، وكانت “إسرائيل” أول المنتقدين والمعارضين، وخيرت عباس بين المفاوضات وحماس، وبدأت بفرض عقوبات مالية، والتهديد بالخيار العسكري، والذي زاد “إسرائيل” قلقاً أن الحكومة جاءت لتؤكد على برنامج الرئيس السلمي، وهو ما نزع من “إسرائيل” كل الأوراق، ودفع الولايات المتحدة وأوروبا للتعامل مع الحكومة الجديدة، وهكذا تجد “إسرائيل” نفسها وحيدة للتعامل مع هذه الحكومة وتسعى لإجهاضها، تارة بالتهديد بورقة الانتخابات، وبعدم إجرائها في القدس، ثم التهديد بالعقوبات المالية .
وتبقى الورقة الأخيرة في يد “إسرائيل” وهي الخيار العسكري وخصوصاً في اتجاه غزة، أو اغتيال شخصية قيادية كبيرة .
المهم أخيراً أن يعرف الفلسطينيون كيف يفشلون خيارات “إسرائيل”، وأن تبقى المصالحة أولوية عليا لا يجوز أن يسبقها أي خيار آخر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2176580

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2176580 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40