السبت 14 حزيران (يونيو) 2014

المشروع أكبر من “داعش”

السبت 14 حزيران (يونيو) 2014 par د. عصام نعمان

بين ليلة وضحاها سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) على الموصل . تمّ الأمر بسرعة قياسية ظنَّ الناس معه، أو كادوا، أن انقلاباً عسكرياً قد حدث بالتواطؤ مع ضباط قادة تركوا مواقعهم وقطعاتهم العسكرية مع دباباتهم ومدافعهم وطائراتهم لقمة سائغة للمجموعات المهاجمة .
تبيّن لاحقاً أن تنظيم “داعش” منتشر وقوي في كل محافظات العراق الغربية وما يقابلها من محافظات سوريا الشرقية . تردد أن المشروع أكبر من “داعش”، وأنه يرمي إلى دمج المحافظات ذات الطابع المذهبي الغالب على جانبي الحدود العراقية - السورية في دولة واحدة، مهمتها عزل المحافظات ذات الطابع المذهبي الآخر في جنوبي العراق عن محافظات الشمال والغرب، وبالتالي عزلها عن سوريا .
من يتولى تنفيذ هذا المشروع الضخم؟
قيل إن أطرافاً عدّة تندرج في إطار قتالي واحد يضم، إلى “داعش”، الضباط وبقية الرتب القدامى من جيش صدام حسين، والضباط المتضررين من والساخطين على حكومة نوري المالكي، ومجموعات من البعثيين والنقشبندية وآخرين ممن يمكن وضعهم في خانة القوميين .
من يقود هذا الكوكتيل من المقاتلين والمناصرين المتعددي الانتماء؟
ظاهر الحال يشير إلى أن ل “داعش” اليد العليا في القيادة، غير أن معلومات مصدرها أوساط قدامى الضباط البعثيين، تتحدث عن مجلس عسكري يقود هذه المجاميع المسلحة ذات المستوى العالي من التنظيم والتدريب .
إلى أين من هنا، عسكرياً وسياسياً؟
عسكرياً، تتحدث مصادر معلومات قريبة من أطراف المجلس العسكري عن خطة متكاملة ترمي إلى السيطرة على مجمل محافظة نينوى (عاصمتها الموصل)، ومحافظة صلاح الدين (عاصمتها تكريت)، ومحافظة التأميم (عاصمتها كركوك)، وعلى ما تبقّى من محافظة الأنبار المترامية الأطراف (عاصمتها الرمادي)، وصولاً إلى محافظة ديالى (عاصمتها بعقوبة)، ومن ثم إلى تطويق بغداد العاصمة .
للمجموعات المنتمية إلى المجلس العسكري وجود وانتشار، علني أو سري، في جميع المحافظات المشار اليها آنفاً، باستثناء بغداد . وليس من الغلو القول إن هذه المحافظات تشكّل جغرافياً أكثر من نصف مساحة العراق .
سياسياً، ثمة واقعات سابقة لهجمات “داعش” الأخيرة وتطورات لاحقة لها . من الثابت أن المجتمعات في شمالي العراق وغربيه معارِضةٌ بصورة عامة للحكومة المركزية في بغداد منذ لحظة سيطرة القوات الأمريكية الغازية على العاصمة العام 2003 . غير أن جنوح بعض السياسيين وزعماء العشائر في هذه المحافظات التعاون، شأن غيرهم من السياسيين وزعماء العشائر الشيعة في المحافظات الجنوبية، وإلى المشاركة في الحكومات التي أقامتها إدارة الاحتلال أدى إلى نشوء ثلاثة أوساط سياسية: الأولى متعاونة مع الاحتلال ومشاركة في السلطة . الثانية معارضة للاحتلال ومتعاونة مع سائر القوى الوطنية في مختلف المجتمعات المعادية للاحتلال وللجماعات المنخرطة في سياسته وأنشطته . الثالثة ذات طابع إسلامي ومعادية للفئتين الأولى والثانية . بمرور الزمن، وبسبب سوء إدارة الاحتلال والجماعات المتعاونة معه، أخذت الفئة الثالثة تقضم قواعد الفئتين الأولى والثانية . من هذه الفئة الثالثة المتوسعة نشأت التنظيمات “الجهادية” المتطرفة وأبرزها “القاعدة” وتفرعاتها .
كان ثمة قاسم مشترك بين بعض المجموعات العربية “العلمانية” والإسلامية من جهة، والأكراد في الشمال من جهة أخرى، أساسه العداء لحكم صدام . استمر حال التعاطف بين هذين الطرفين خلال مرحلة الاحتلال الأمريكي والمرحلة الانتقالية التي أعقبته . لكن، مع تعاظم دور القوى السياسية الشيعية المتحالفة مع الأحزاب الكردية النافذة (بقيادة البارزاني والطالباني)، وإقامة إقليم الحكم الذاتي في كردستان العراق، وتحالف البارزاني وطالباني مع الحكومة المركزية في بغداد المعقودة اللواء لساسة الشيعة وأبرزهم المالكي، اتسعت فجوة النفور بين المجموعات الإسلامية “”الجهادية“والأحزاب الكردية المتعاونة مع الأمريكيين خلال مرحلة الاحتلال وبعدها . كما ازداد التباعد بين المجموعات السنيّة الإسلامية والسياسيين السنّة”العلمانيين“الذين شاركوا في مختلف مؤسسات الحكومة المركزية في بغداد . هذا التباعد تحوّل بعد ظهور”داعش" وسيطرته على الفلوجة ومعظم أنحاء محافظة الأنبار وبعض أنحاء محافظة نينوى (الموصل) إلى عداء شديد . لم يكن غريباً، والحالة هذه، أن يدعو أبرز القادة السنّة، رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، الحكومة المركزية بشخص المالكي إلى المسارعة إلى استخدام سلاح الجو ضد المجموعات المسلحة التي سيطرت على معظم المرافق العامة في الموصل، وبينها مقر المحافظة ومطار المدينة .
هذه التطورات ستعدّل ترسيمة المشهد السياسي في العراق . القيادات الشيعيّة المتناحرة والمتنافسة على رئاسة الحكومة والمعارِضة لولاية ثالثة للمالكي في سدتها ستعود إلى التفاهم بغية مواجهة الخصم المشترك . القيادات والأحزاب الكردية المشاركة في الحكومة المركزية ستعود إلى التعاون معها لمواجهة الخصم المشترك الطامع بالسيطرة على محافظة التأميم، وبالتالي على آبار النفط في كركوك . الجيش العراقي المعادي لمشروع تقسيم العراق ستقوم قيادته بالانفتاح على الأوساط والقوى الوطنية والقومية المتمسكة بوحدة العراق والمناهضة لسياسة الولايات المتحدة، حليفة “إسرائيل” الساعية إلى تكريس تقسيم العراق وسوريا ولبنان، وبالتالي إعادة الضباط الوطنيين المسرحين إلى الخدمة .
في المقابل، سيتعزز التيار المشرقي داخل القوى الوطنية المناهضة لمخططات الشرذمة والتقسيم والهيمنة في المشرق العربي، وستقوى الدعوة إلى اعتماد استراتيجية متكاملة للمواجهة في سياق مشرقي، والاستقلال عن القوى الإقليمية والدولية المتصارعة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2165611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010