الاثنين 19 تموز (يوليو) 2010

دعم «الجانب الخاطئ».. ماذا تعني أسطورة «المسيح الجديد»؟

الاثنين 19 تموز (يوليو) 2010 par د. بثينة شعبان

حين أطل نيلسون مانديلا على الآلاف من الجماهير المحتشدة لمشاهدة المباراة النهائية لكأس العالم في جنوب أفريقيا، وقف الجميع إجلالاً وإكراماً وهم يصفقون ويهللون لمن لا ينافسه في النجومية الأخلاقية اليوم أحد في العالم كله : والسؤال هو كيف تربع نيلسون مانديلا على عرش النزاهة الأخلاقية الإنسانية في عصرنا الراهن، وكيف تم التعامل معه من قبل الحكومة العنصرية قبل انتصاره عليها، وما هي التهم التي وُجهت إليه في مراحل نضاله؟ لقد اتهم العنصريون نيلسون مانديلا بـ «الإرهاب»، وطلب منه التخلي عن «العنف». لكنه استمر في كفاحه المسلح ضد نظام الفصل العنصري بعد أن اقتنع في أعقاب مجزرة ضاحية «شاربفيل» السوداء الفقيرة (21 مارس/آذار 1960) بأن الأقلية البيضاء وحلفاءها الغربيين لن يتخلوا سلمياً عن السلطة وعن امتيازاتها. اعتقل مانديلا عام 1962 نتيجة التعاون المخابراتي الأميركي مع نظام الأبارتايد، وسجن بتهمة «العنف» و«الإرهاب» ولكنه رفض بدءاً من عام 1985 عروضاً عدة لإطلاق سراحه في مقابل تخلّيه عن «العنف». كتب مانديلا في مذكراته قائلاً «إن المضطهِد لا المضطهَد هو من يحدد دائماً شكل الكفاح. فإذا استخدم المضطهِد العنف فلا يبقى أمام المضطهَد سوى الرد بالمثل». ولا بأس أن نتذكر أنه في ذلك الصدام بين غالبية السكان السود، وهم يكافحون من أجل الحرية، وبين حكم الأقلية البيضاء انحازت الولايات المتحدة و«إسرائيل» والدول الغربية (حتى عام 1981) إلى «الجانب الخاطئ» (أي جهة الداعمين لجرائم الفصل العنصري «الأبارتايد»)، بذريعة مواجهة «الخطر الشيوعي»، وحين ذاك لم يكن خطر «القاعدة» قد تم اختراعه بعد.

اليوم، وبعد عام ونيف من إدارة الرئيس أوباما، واقتراب موعد الانتخابات النصفية في الكونغرس، وبعد أن كان قد طالب أوباما (وهو يرفع شعار «التغيير» آنذاك) «إسرائيل» بإيقاف الاستيطان كشرط لا بد منه لعودة المفاوضات مع الفلسطينيين، عاد الرئيس أوباما أدراجه ليدعم «الجانب الخاطئ» في الكفاح الفلسطيني من أجل الحرية، فأعطى لقاؤه الأخير مع نتنياهو ضوءاً أخضر لحكومة نتنياهو المتطرفة لتهدم المزيد من بيوت المدنيين العزل، وتعتقل المزيد من المدنيين الفلسطينيين بمن فيهم النساء والأطفال، وتنشر المزيد من القمع والاضطهاد والاستيطان في ربوع فلسطين. وليشكل ذلك إيذاناً بأن الفريق الذي يدعم دون قيد أو شرط كل هذه الجرائم قد انتصر مرة أخرى في السيطرة على قرارات البيت الأبيض الخاصة بالشرق الأوسط، كما هو مسيطر منذ عقود على الكونغرس وعلى الإعلام الأميركي، رغم ظهور عدد من الأصوات المتنورة مؤخراً التي حاولت أن تلقي الضوء على الثمن الذي يدفعه الجنود الأميركيون والشعب الأميركي جراء دعمهم لكل جرائم «إسرائيل» في فلسطين والثمن الذي يمكن أن تدفعه شعوب العالم من أمنها واستقرارها إذا ما استمرت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية في دعم «الجانب الخاطىء» رغم انجلاء الحقائق أمام أعينهم.

منذ صدور تقرير «بيكر - هاميلتون» حول العراق ظهرت فكرة ربط مناطق التوتر والنتائج الناجمة عن هذه التوترات وأنه لا يمكن فصل ما يجري في العراق عما يجري في أفغانستان وباكستان وعما يجري في فلسطين. وكلما روج الحريصون على أمن واستقرار العالم لهذه الحقيقة حاول المتطرفون المتصهينون تكذيبها كي يمضوا في جرائمهم.

وخلال زيارته المشهورة إلى «إسرائيل» منذ عام ونيف كرر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قلقه وغضبه من الثمن الذي يدفعه الجنود الأميركيون جراء سياسات «إسرائيل» في فلسطين، قال بايدن مخاطباً نتنياهو : «لقد بدأ هذا يصبح خطيراً علينا. ما تفعله هنا يهدد أمن جنودنا الذين يقاتلون في العراق وأفغانستان وباكستان. هذا يعرضنا للخطر كما يعرض الأمن الإقليمي للخطر». (الغارديان 5 يوليو/تموز 2010). جاء هذا الاقتباس في مقال كتبه كريس ماغريل بعنوان : «الولايات المتحدة تتساءل عن دعمها اللا محدود لـ «إسرائيل»». بالإضافة إلى جو بايدن فإن الجنرال ديفيد بترايوس، الذي قاد القوات الأميركية في الحرب على العراق وأفغانستان، وصف استمرار الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين بأنه «عقبة في طريق حل هذين النزاعين» (أي في العراق وأفغانستان). كما أكد هذا التوجه مستشار أوباما السياسي ديفيد أكسيلرود الذي قال «إن بناء المستوطنات يبدو هادفا لتقويض الجهود لبدء أي محادثات سلام على الأرض» وإنه «من المهم لأمننا أن نتحرك ونحل هذه المسألة الصعبة».

إن «إسرائيل» التي ادعت لنفسها شرف محاربة الشيوعية تدعي اليوم على لسان رئيس وزرائها أنها «لعقود قامت بأعمال هامة ضد التوسع السوفياتي. واليوم تساعد أميركا لإيقاف المد الإسلامي. «إسرائيل» تتقاسم مع أميركا كل شيء نعرفه حول محاربة عدو من نوع جديد». (المقال نفسه). ولكنّ الإسلام ليس عدوا للولايات المتحدة كما أن المسلمين ليسوا أعداء للولايات المتحدة، كما أن العراق لم يكن عدوا للولايات المتحدة ولا أفغانستان أو باكستان بل إنها السياسات «الإسرائيلية» الإجرامية التي تنشر الظلم والقهر والاحتلال والتعذيب والحصار ومن ثم تصور كل من يعادي سياساتها الإجرامية هذه على أنه عدو للولايات المتحدة. لا شك أن النقمة على الولايات المتحدة نابعة بشكل أساسي من الدعم الأميركي اللا محدود والأعمى لكل ما ترتكبه حكومات إسرائيل المتطرفة من جرائم بحق الإنسانية.

في مقال يحاول به معالجة العلاقة الإشكالية بين العرب والولايات المتحدة يقول مبعوث أوباما العلمي للشرق الأوسط والحائز على جائزة نوبل في الفيزياء أحمد زويل : «للنصف القرن الماضي ركزت سياسات الولايات المتحدة على تدفق النفط وضمان تفوق «إسرائيل» العسكري، فقد دعمت (الولايات المتحدة) حكومات لا ديمقراطية بينما دعت لتغييرات ديمقراطية. هذه السياسة المزدوجة يجب أن تتغيّر لسياسة تدعم حقوق الإنسان والحكم الرشيد. في المناطق التي زرتها عبّر الناس عن رغبتهم في رؤية تعامل عادل مع القضية الفلسطينية. على المدى الطويل فإن أفضل دعم يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لـ «إسرائيل» هو السلام الآمن». (الغارديان 11 يوليو 2010)، أي إن محاولات الولايات المتحدة و«إسرائيل» لتضخيم دور أحد هنا وإلغاء دور آخر هناك وغض الطرف عن أكثر السياسات إجراماً بحق حرية الإنسان وكرامته في فلسطين لن تجلب الأمن لـ «إسرائيل» ولا الانتصار للولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان والعراق. وإذا كان المشاهد الغربي لا يرى الأسرى العرب في فلسطين والإذلال الذي تلحقه حكومة نتنياهو المتطرفة بالمواطنين الفلسطينيين العزل، فإن العرب والمسلمين في جميع أقطارهم يرون ذلك يومياً فيشعرون بالغضب ليس على «القوات الإسرائيلية» فقط بل على الولايات المتحدة التي تستمر في الدعم المطلق لجرائم «إسرائيل» الوحشية التي ترتكبها ضد المدنيين العرب.

إذا كانت الدعاية الصهيونية تنفث سمومها العنصرية على العرب والمسلمين في السينما الغربية، وكذلك في الأدب والفن وحتى في الرياضة، فهذا يعبر عن حقد وعنصرية الصهيونية وليس عن مشكلة للمسلمين مع الولايات المتحدة، إذ إن العرب والمسلمين تواقون دوماً لأن تكون الولايات المتحدة قولاً عدلاً وإنصافاً فعلاً وسنداً حقيقياً لحريّة الشعوب؛ فلماذا تشاطر الولايات المتحدة حكومة «إسرائيل» المتطرفة مسؤوليتها عن جرائم الاحتلال والاستيطان بعد أن عجزت عن لجمها ووضع حد لاستيطانها وجرائمها بحق السكان المدنيين؟ لماذا لا تتخذ موقفا ضد «الجانب الخاطئ» بدلاً من الاستمرار في دعمه؟ أولم تكن تجربة جنوب أفريقيا كافية كي يؤمن الجميع أن الانتصار يجب أن يكون للعدالة والحرية، وليس لمن يخترع العداء والحروب والكره والحقد والعنصرية بين الشعوب؟ أولم يشر أحد من مستشاري أوباما عليه بأن «العجز عن فك الحصار عن غزة، وعن إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني سيبقي نار أفغانستان وباكستان مستعرة ضد الجنود الأميركيين وحلفائهم في الناتو؟» أولم يتمكن أحد من إقناع حكومة الولايات المتحدة بأنه لا شيء في الإسلام يمثل خطراً على أحد. الخطر الوحيد هو في النفاق والإجرام وكبت الحريات واحتلال إرادة الشعوب ومصادرة مستقبلها.

الشعب الأميركي لا يستحق من حكومته أن تقف مع «الجانب الخاطئ» مرة أخرى ويدفع هو ثمن ذلك من دمه ومصداقيته وسمعته، بل يجب أن تنحاز إلى المكافحين من أجل الحرية، ودعاة السلام لا إلى ناشري العنصرية والاحتلال والإرهاب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 85 / 2165350

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165350 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010