السبت 17 تموز (يوليو) 2010

وقفة مع «منظري الهزيمة» و«فقهاء الاستسلام»

السبت 17 تموز (يوليو) 2010 par عريب الرنتاوي

لو أن عملية السلام قد انطلقت قبل عام أو عامين، لقلنا أن الوقت مبكر جداً للحكم على جديتها وجدواها، ولأخذنا بطروحات الأكثر تهافتاً من «منظّري الهزيمة»، ولرددنا معهم : حذار حذار من الانجرار وراء «أصحاب الجمل الثورية» و«الشعارات المفرغة».. ولو أن العرب، كل العرب الرسميين، تبنوا «خيار السلام الاستراتيجي الوحيد» قبل عام أو عامين لقلنا مع «فقهاء الاستسلام» أنه من السابق لأوانه البحث عن «خيارات أخرى» ولمّا نستنفذ بعد، «خيار السلام» بفرصه وممكناته.

لكن الحقيقة تقول خلاف ما يتشدق به «منظّرو الهزيمة» و«فقهاء الاستسلام»، فقد مضى على عملية السلام في آخر طبعاتها : عملية مدريد، ما يقرب من العشرين عاماً بالتمام والكمال، ومضى على تبني العرب «خيار السلام الاستراتيجي الوحيد» وقت أزيد من ذلك، فيما بلغ عمر المبادرة العربية للسلام ما يقرب من الثمانية أعوام، فما الذي حصل، وما الذي تحقق؟

قبل مدريد - أوسلو - طابا - كامب ديفيد (إلى غير ما هنالك من محطات)، لم يكن العرب في واقع الحال، خارج سياق «عمليات السلام المتعاقبة»، ولم تكن الحرب والمقاومة والممانعة واحدة من خياراتهم الجدية، وإن كانت مدرجة لفظياً على جدول أعمال البيانات الختامية لقممهم واجتماعات وزراء خارجيتهم، قبل عملية مدريد بكثير، بل ومنذ اليوم التالي لهزيمة حزيران، وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت به لاءات الخرطوم الثلاث، والعرب قابلون ومنخرطون ومتوسلون ومتسولون على موائد التفاوض والوسطاء (النزهاء وغير النزهاء)، ولم يحصلوا على شيء أبداً، قبلوا بالقرارين 242 و 338 ومبادرة روجزر ومهمة جونار يارنغ ومبادرات السلام الأمريكية والروسية ومشروع فهد وقمة فاس وغير ذلك كثير جداً، ليبقى الحال على حاله.

حتى مصر، التي وقّعت سلاماً منفرداً مع «إسرائيل»، ما كان لها أن تصل إلى خواتيمه لولا عاملين، أو ثلاثة عوامل أساسية : الأول ، توظيف كل الزخم الذي ولدته حرب أكتوبر وتضحياتها الجسام بما فيها تضيحات سوريا وجيشها لخدمة الحل المنفرد المصري...والثاني : قبولها بسلام مكبل للأيدي والأرجل واللسان، لخّصه شاعر العاميّة المصرية بقوله : «رجعت سينا وضاعت مصر»، سلام أخرجها من الصراع وفكك عرى مواثيقها مع العرب، وبالأخص ميثاق الدفاع المشترك، ورهن وجودها في سيناء بمقتضيات الأمن «الإسرائيلي» وليس بحسابات الأمن المصري....والعامل الثالث، ويتمثل في توظيف كل ثقل مصر، الشقيقة الكبرى، ووزنها وتاريخها من أجل الحصول على الصفقة الناقصة والسلام المكبّل، فهل يمكن لأي دولة عربية بعد مصر، أن تحظى حتى بما حظيت به الأخيرة، وهل تمتلك أي دولة عربية الآن، الأوراق التي مكنت السادات من الحصول على «سلامه الناقص»؟.

لم يكن العرب قبل مدريد دعاة حرب، ولم تكن المنظمة قبل أوسلو خارج سياق «الصفقة التاريخية» أو «برنامج العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة»، لكن وبرغم كل التنازلات والهبات التي قدّمناه وقدمها الآخرون، فإن «إسرائيل» لم تتزحزح عن شبر واحد في سياق السلام وخدمة لعمليته وتحقيقاً لمآربه.

وحدهم المصابون بـ «الزهايمر السياسي» هم الذين ينسبون تعثر السلام لـ «شعاريّتنا العربية التافهة»، ولهاثنا وراء «الجمل الثورية»، هؤلاء هم الذين ينعقون كالغربان في «خلائنا وخوائنا»، وهم الذين امتهنوا مؤخراً مهنة تبرئة «إسرائيل» وإلقاء القائمة على البعض من احيائنا وأمواتنا، هم الذين يلعنون عبد الناصر مع أنه قبل بمبادرة روجرز، وهم الذين شتموا الحاج أمين الحسيني مع أن أياً منهم لن يجرؤ على البرهنة بأن قبول الرجل بقرار التقسيم كان سيمكّن الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم على أجزاء واسعة من ديارهم، هؤلاء هم الذين يلعنون اليوم كل نَفَسْ مقاوم في الشعب والأمة، ولا يرون لنا مستقبلاً خارج الركوع بحثاً عن فتات الموائد «الإسرائيلية».

أيها السادة : منذ احتلال 67 ونحن نقتفي آثار الموفدين والمبعوثين، نهلل ونطبل ونزمر لكل وافد منهم، منذ عشرين عاماً ونحن نلهج بالدعاء أن يهدي الله الوسيط الأمريكي «النزيه»، منذ ثمانية أعوام ونحن نشيّع جثة مبادرة السلام العربية الهامدة من قمة عربية إلى قمة أخرى، لم يبق تكتيك ولا شكل تفاوضي إلا وجربناه، سراً وعلانية، مباشرة وغير مباشرة، جزئية وشاملة، ومع ذلك لم نقبض سوى الريح، فما الذي تتحدثون عنه وماذا تقترحون، ولماذا هذا الإصرار المشبوه والمتخاذل على إنكار جدوى المقاومة والصمود والثبات، هل جربنا هذا الخيار فعلياً من قبل، أم أن كثير من مقاوماتنا استنزفت وهي في مهدها، بعد أن أغرقتها المعارك الجانبية مع العرب في بحر من دمائها وقبل أن تقوى على تقديم ما يكفي من القرابين على مذبح مقاومة الاحتلال؟.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2178052

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178052 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40