الصهيونية والدولة الثيوقراطية

الثلاثاء 13 أيار (مايو) 2014 par خيري منصور

أثار الكاتب اليهودي أبراهام بورغ منذ أعوام عاصفة في أوساط اليهود بسبب آرائه التي اعتبرت متطرفة ومضادة للمشروع الصهيوني، وصدرت عدة فتاوى من الحاخامات لإدانته وتجريمه، لكنه غير من بعض مواقفه، وها هو الآن يعود لطرح سؤال هوية الدولة العبرية، فهل هي قومية أم علمانية أم ثيوقراطية؟
إجابة بورغ باختصار ووضوح أن الدعوة إلى يهودية الدولة هي توجه مباشر نحو الدولة الثيوقراطية التي تتأسس على مفهوم ديني فقط .
وهذا السؤال ومتعلقاته وكل ما يدور حوله من سجال يعيدنا ستة عقود إلى الوراء . فهل كانت الدولة العبرية بالفعل علمانية؟ وهل كانت ديمقراطية وحديثة؟
إن ظاهر أي موضوع سواء كان دولة أو أي مفهوم آخر ليس الحقيقة كلها وربما كان الجزء الناتئ من جبل الجليد .
فقد سبق لكتّاب يهود آخرين أن افتضحوا الديمقراطية بطبعتها العبرية، ومنهم يوري أفنيري الذي كان يصدر صحيفة “هاعولام هزيه” فهو يرى أن هذا النمط الملفق والعجيب من الديمقراطية تم تفصيله على مقاس معين بحيث أصبح داجناً في أقفاص دولة عرقية لا تعترف لأي مواطن إن لم يكن يهودياً بحق الانتساب والهوية، وعلى حد تعبيره فإن الديمقراطية تبعاً لهذا التعريف بل إعادة الإنتاج هي وقف وحكر على اليهود .
ما يضيفه أبراهام بورغ هو أمثلة حية عن فلسطينيين تربطه بهم علاقات اجتماعية ويتساءل عن استحقاقهم للمواطنة في ضوء دولة ثيوقراطية كالتي يجري تسويقها الآن سياسياً وإيديولوجياً .
وقد لا يغيب عن بورغ أو سواه أن الصهيونية بمجمل أدبياتها وفلسفتها كان لا بد أن تنتهي إلى تهويد الدولة، ما دام الماضي في بعده الأسطوري لا التاريخي هو المرجعية الوحيدة التي يتم الاحتكام إليها .
إن ثيوقراطية الدولة بكل المقاييس هي حذف لعلمانيتها وديمقراطيتها وأخيراً لحداثتها، فمثل هذا المشروع لا أفق له، بل هو انكفاء داخل شرنقة، يندر فيها الأكسجين، وتتحول بمرور الوقت إلى “غيتو” بسعة دولة ومساحتها .
لكن هل تجدي مثل هذه الأطروحات المضادة لتهويد الدولة تحت سقف فولاذي؟ وهل ينتصر التاريخ أخيراً على الأسطورة أم أن العكس هو ما يحدث، خصوصاً أن ساسة الدولة العبرية وجنرالاتها وحاخاماتها يواصلون العزف على الوتر ذاته . . وهو الأمن الذي يتغذى من التخويف والترهيب والتعامل مع كل من هو غير يهودي على أنه “غوييم”!