الأربعاء 7 أيار (مايو) 2014

عن المصالحة والمنظمة

الأربعاء 7 أيار (مايو) 2014 par علي بدوان

مع إطلالة شهر مايو تكون منظمة التحرير الفلسطينية قد قطعت بالتمام والكمال، نصف قرنٍ كامل من ميلادها. فقد ولدت المنظمة في مايو 1964 بقرارٍ من قمة الإسكندرية العربية، وبدعم ٍ مباشر من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتحت زعامة مؤسسها، الفلسطيني العكاوي الراحل أحمد الشقيري.

وتأتي ذكرة تأسيس المنظمة مترافقة مع توقيع الاتفاق الأخير للمصالحة الوطنية الفلسطينية في غزة، وهو اتفاق يلحظ في جوهره أوضاع منظمة التحرير من حيث الدعوة لإعادة بنائها وتفعيل مؤسساتها ودخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي لعضويتها. فالمصالحة ليست عملية «تبويس لحى» كما ليست عملية مصالحة عشائرية، بل رُزمة عمل مُتكاملة من العناوين والقضايا وعلى رأسها المسائل المتعلقة بمنظمة التحرير الفلسطينية ودورها الوطني الجامع والموحد لكل الشعب الفلسطيني بالداخل والشتات.

منظمة التحرير الفلسطينية، وأيٍ تَكُن من ملاحظات وانتقادات على دورها ومسارها التاريخي، إلا أنها لعبت دوراً مهماً في قيام وانبعاث الكيانية الوطنية التمثيلية والتعبيرية للشعب العربي الفلسطيني بعد سنواتٍ من اقتلاعه من فوق أرض وطنه التاريخي بفعل نكبة العام 1948. حين اعتقد «الإسرائيليون» ومعهم الغرب الإستعماري في حينها أن الشعب الفلسطيني بات في مهب الريح، وأنه سيذوب في المحيط العربي، وان شخصيته الوطنية والكيانية ستنتهي بعد فترة تالية وغير طويلة، لتصبح فلسطين كما قال عتاة الصهاينة «أرضاً بلا شعب لشعبٍ بلا أرض».

منظمة التحرير الفلسطينية، هذه الكيانية الوطنية التي تُمثّل الشعب الفلسطيني الواحد والموحد في الداخل والشتات، تَعَرَضت خلال العقدين الأخيرين لمنازعات سياسية وانقسامات كبرى بين عموم القوى المُشكّلة لها نتيجة التباينات بشأن عملية التسوية المأزومة أصلاً، وخصوصاً مع وجود طرفين أساسيين خارج مؤسساتها وهما حركتا حماس والجهاد الإسلامي.

كما تَعرضَت في مسارها الطويل والمُعقّد لانتكاسات وكبوات وأزمات، ولحالات من التهميش في مراحل عديدة من حياتها، حين باتت تستدعى عند الضرورة من قبل القوى السياسية المؤتلفة في إطارها وخاصة القوى الرئيسية، وقيادتها بطريقة فردية بعيدة عن العمل الجماعي الإئتلافي الذي قامت عليه أساساً عام 1968 عندما تسلمت رايتها القوى الفدائية الفلسطينية مع استقالة مؤسسها الراحل أحمد الشقيري.

إن تلك الحال المُتعلقة بأوضاع منظمة التحرير الراهنة، لاتستدعي إهالة التراب عليها، ولا تعني أيضاً الحديث عنها بشماتة، بل إن الحديث عنها وعن أوضاعها ينبع من الحرص عليها وعلى نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته.

كما لا يعني النقد القاسي والجذري أن نُطلق السهام لتدميرها أو وأدها . فالشعب الفلسطيني لا يملك تَرف بناء الكيانات السياسية وهدمها واستبدالها أو الإكثار أو الإقلال منها واستدعاء النصرة لها، بمجرد الإرادة الذاتية.

فبقدر ما كانت المنظمة إنجازاً وطنياً جامعاً بقدر ما تُلح الضرورة الآن والغيرة الوطنية من أجل إعادة تصحيح أوضاعها بشكل جذري، والانتقال من مفردات التذمُر والنقد الكلامي إلى انتهاج مواقف عاقلة، تغادر فيها جميع القوى منطق التمسك بالمكاسب الذاتية لهذا الطرف أو ذاك، واعتماد قاعدة انتخابية ديمقراطية بانتخابات عامة لمجلس وطني فلسطيني توحيدي حيثما أمكن، بحيث تتمثل القوى السياسية والمجتمعية في فلسطين والشتات وفقاً لوزنها في الشارع الفلسطيني، وبالتالي مغادرة منطق المحاصصة القديم.

ومن الواضح عبر مسيرة الحوارات الفلسطينية التي تتالت فصولها منذ العام 2005 في العاصمة المصرية، بأن موضوع منظمة التحرير وملفها الشائك تتنازعه وجهات نظر مختلفة داخل أطر العمل السياسي الفلسطيني، حيث سبق وأن تم وأد كل المحاولات التي جرت خلال العقود الأربعة الماضية لخلق أطر بديلة أو موازية للمنظمة من قبل بعض الأطراف الفلسطينية، كما سقطت معها كل مشاريع ما أسماه البعض بـ «هدم الخيمة» وإعادة بناء خيمة جديدة.

إن كل حوارات المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، تضمنت عنواناً رئيسياً تمثل بالعمل من أجل إعادة بناء وإحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتوسيع إطارها الإئتلافي ليضم إليه حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مجموع القوى التي تشكل الآن إئتلاف المنظمة وهي: حركة فتح، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية القيادة العامة، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، جبهة التحرير العربية، جبهة التحرير الفلسطينية، الجبهة العربية، حزب الشعب الفلسطيني، حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني «فدا»، منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية «قوات الصاعقة»، الجبهة الديمقراطية. إضافة لحل مشاكل المنظمة المستعصية والتي تراكمت خلال السنوات الطويلة الماضية. مع الإشارة هنا إلى أن بعض فصائل المنظمة تقاطع أعمالها منذ سنوات طويلة نتيجة الانقسام السياسي وهي : الجبهة الشعبية القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة.

وبديهي أن العنصر الأساسي لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وبلورة قيام القيادة السياسية العليا للشعب الفلسطيني من رحم المنظمة وإعادة الاعتبار لدورها التاريخي كما نصت حوارات القاهرة الفلسطينية، يتطلب التأكيد على التوافقات الوطنية الفلسطينية التي جرت في الحوارات التي امتدت لفترات طويلة في العاصمة المصرية خلال السنوات المنصرمة، وهي التوافقات التي تحظى بتأييد القوى الفلسطينية كافة، وفي مقدمتها القوى الاجتماعية الفلسطينية حيثما وجدت.

فالبرنامج الوطني، الإئتلافي الموحد، هو الذي يشَكل المدخل لإعادة تكوين وبلورة الحال الفلسطينية داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وبمشاركة جميع قوى الشعب الفلسطيني.

من هنا، إن الحديث عن التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، كمرجعية وطنية كما هي في واقع الحال، يقتضي التحرك والعمل لإعادة بنائها لتقوم بدورها الحقيقي والتاريخي، بتمثيل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وبتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة أرضه، واعتمادها قولاً وعملاً كمرجعية عليا للشعب الفلسطيني، وكمرجعية عليا مسؤولة عن السلطة الفلسطينية. فالسلطة الفلسطينية تمثل فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1967، أما منظمة التحرير فتمثل كل الشعب الفلسطيني على امتداد أرض فلسطين التاريخية وفي الشتات الذي يضم أكثر من نصفه.

إن التيار الحقيقي المُعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، وعن مواقف الناس المتأثرين بالحراكات الجارية في العالم العربي، ينحو نحو الدعوة إلى العمل من أجل إيصال رياح التغيير إلى الساحة الفلسطينية، عبر إحالة الحالة والمعادلة الفلسطينية الداخلية المتقادمة والتي تآكلت خلال العقود الماضية على التقاعد، وبناء معادلة داخلية فلسطينية جديدة عمادها مشاركة كل القوى مهما تعاظم أو صغر حضورها، ومشاركة الناس في الداخل والشتات في بناء الخيارات الوطنية الفلسطينية بما في ذلك انتخابات منظمة التحرير ومجلسها الوطني ووقف سياسات التعيين والكوتات لصالح النزول عند إرادة الناس وصندوق الاقتراع، وبالتالي في إنهاء ضُعف دور المنظمة، وإجراء مراجعة جذرية شاملة، وإعادة انتخاب هيئاتها القيادية بواسطة صندوق الاقتراع للشعب الفلسطيني في الداخل وحيثما أمكن في الشتات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010