الأربعاء 7 أيار (مايو) 2014

المصالحة الفلسطينية: إعادة صياغة المفاهيم

الأربعاء 7 أيار (مايو) 2014 par ناجي صادق شراب

اتفاق المصالحة الأخير بين الفلسطينيين الذي وقع في غزة والذي يحمل عنوانها، ولما لذلك من دلالة سياسية كبيرة فإن الانقسام بدأ من غزة وينتهي أيضاً من غزة، والدلالة الثانية النأي بالاتفاق عن سياسات المحاور والاستقطاب للقرار الفلسطيني، والدلالة الثالثة تحرر القرار الفلسطيني من أي تأثيرات خارجية سلبية، ورابعاً دلالة التزام حماس بما تم التوقيع عليه .
هذا الاتفاق الذي قد يكون امتداداً لما تم التوقيع عليه من اتفاقات وصلت إلى سبعة ليس مجرد اتفاق عادي، وليس مجرد ورقة رسمية عليها توقيع منظمة التحرير وقيادات حركة حماس، وليس كما يحاول البعض أن يصفه باتفاق المكسب والخسارة، أو اتفاق المحاصصة، واقتسام السلطة، او الاعتراف ببنية الانقسام .
هذا الاتفاق أبعد وأعمق من كل هذه المكاسب الوقتية، أو الإجراءات الشكلية، وقبل أن نذهب في التفاؤل بعيداً حتى لا نصاب بالإحباط واليأس في حال محاولة التملص من الاتفاق لأي سبب من الأسباب، فالاتفاق يعني إعادة صياغة كاملة للبنية المؤسساتية السياسية الفلسطينية، وإعادة صياغة كاملة للمفاهيم والمدركات السياسية التي تشكل إطار الحركة السياسية الفلسطينية التي قد تشكل نواة صلبة لأي رؤية استراتيجية فلسطينية عامة، لا تقوم على الأحادية لأي تنظيم، وإعادة تقييم لكل الآليات والأخطاء السابقة التي لم توصلنا لإنهاء الاحتلال . وفي قلب هذه المفاهيم التأكيد على مفهوم الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، ولعل أحد أهم مصادر قوة الشعب الفلسطيني وديمومته أنه يشكل كلاً متجانساً من المكونات الوطنية والمجتمعية، وأنه لا يعاني مثل بقية الشعوب الأخرى من انقسامات مذهبية وعرقية . جاء الانقسام ليبذر كل بذور الانقسام الاجتماعي، والسياسي، والمذهبي والعقدي وهو ما عرض القضية الفلسطينية كلها للذوبان والانصهار والتراجع . هذا المفهوم هو المفهوم المحوري الذي ينبغي تأكيده من جديد، واستعادة مقوماته .
واتفاق المصالحة ينبغي أن يركز على هذا المكون، وأن هذا هو الهدف الأساس منه، وليس مجرد انتخابات إجرائية أو مجرد تشكيل حكومة لأن مثل هذه الأدوات وظيفتها وهدفها التأكيد على وحدانية الشعب الفلسطيني التي تفترض وحدانية السلطة الفلسطينية . والمفهوم الآخر الذي يرتبط بالمفهوم الأول مفهوم المصلحة الوطنية او الثوابت الوطنية، فهذا المفهوم يحتاج إلى توافق ورؤية مشتركة، وحدود عليا ودنيا، وهو السقف الشرعي الذي يحكم المنظومة السياسية الفلسطينية، فقراءة الخطاب السياسي لكل من حركتي فتح وحماس وحتى على مستوى الفصائل الفلسطينية كلها نجد التباين والتفاوت الذي قد يصل إلى حد التناقض والصدام، ويصل إلى حد أن كل طرف يتهم الآخر بأنه قد خرج عن المسار الوطني الفلسطيني . فمفهوم الثوابت الوطنية من المفاهيم المطاطة والواسعة، ويحتاج إلى تحديد واضح ودقيق, فهل قيام الدولة الفلسطينية الكاملة هو الحد المكاني لهذه المصلحة؟ وما آلياتها؟
ومن المفاهيم المحورية التي تحتاج إلى توافق مفهوم التفاوض، فلا خلاف أن المفاوضات وسيلة من وسائل إدارة الصراع مع “إسرائيل”، وخيار لتحقيق أحد أهداف المصلحة الوطنية الفلسطينية وهو قيام الدولة الفلسطينية، وحتى لا تبقى المفاوضات وسيلة خلاف وصراع وانقسام فلسطيني فالحاجة ماسة لتحديد ماهية التفاوض وما آلياته ومرجعياته وسقفه، وحدوده الزمنية . ويتصل بمفهوم التفاوض مفهوم المقاومة، التي وللمفارقة لم توظف لخدمة التفاوض، بقدر ما وظفت لتعميق الانقسام السياسي وبنيته .
وكما أن المفاوضات تعتبر أحد الخيارات الفلسطينية قد تصيب وقد تخطئ، وتحتاج إلى مراجعة وتحديد لوظيفتها، فإن المقاومة كخيار تحتاج إلى تحديد . فأي مقاومة نريد؟ وما حدود المقاومة؟ وما مرجعيتها؟ وما وظيفتها، وما حدود شرعيتها؟ وما علاقتها بالقرار السياسي الشرعي؟ كل هذه التساؤلات تفرض نفسها على ضرورة تحديد مفهوم المقاومة بما يتوافق ومرحلة البناء السياسي الفلسطيني الجديد . فالمصالحة لا تعني فقط الذهاب للمقاومة وبالذات المقاومة المسلحة وخصوصاً في الضفة الغربية التي تحكمها خصوصية معينة، وكذا في غزة لا بد من تحديد دور ووظيفة الصورايخ التي تطلق، فكما هناك سلطة واحدة أيضاً لا بد من مقاومة واحده تخضع لاعتبارات المصلحة الوطنية الفلسطينية التي سيتم التوافق عليها، وما يتوافق وخيارات الشرعية الدولية، والسعي للحصول على تأييد الدول لدعم الموقف الفلسطيني، وفي هذا السياق فإن المقاومة السلبية وغير الهادفة قد تجهض كل جهد فلسطيني شرعي .
وهناك جانب آخر مهم في تحديد المقاومة، وهو في العلاقة مع السلطة القائمة، بمعنى التمييز بين العمل المقاوم، وبين العمل غير القانوني . هذه قضايا في حاجة لتحديد . ومن المفاهيم التي في حاجة لإعادة تأصيل هو مفهوم الشراكة الوطنية، ومفهوم التوافق السياسي، وهو من المفاهيم الأساسية لأن الاتفاق عليها سيضمن الحماية من أي إمكانية للانقسام في المستقبل، لأن المطلوب بناء نظام سياسي تشاركي توافقي يضمن مشاركة الكل، من خلال انتخابات دورية وتداول سلمي للسلطة، وفي إطار من الرؤية والمصلحة الوطنية الفلسطينية التوافقية المدعومة من الشعب الذي يوفر لها الحماية والشرعية .
هذه هي ضمانات إنجاح اتفاق المصالحة ومن دون ذلك فستبقى بذور الانقسام وبنيته حاضرة وقوية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2181399

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2181399 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40