الاثنين 28 نيسان (أبريل) 2014

رسالة “إسرائيل” الواضحة

الاثنين 28 نيسان (أبريل) 2014 par د.عبدالله السويجي

وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس اتفاقية المصالحة الأسبوع الماضي، فقامت الدنيا في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية ولم تقعد، وبعد اجتماع مع حكومته قرر نتنياهو، رئيس الوزراء “الإسرائيلي” وقف المفاوضات مع الفلسطينيين وفرض عقوبات لم تتحدد بعد، وقال في تصريحات سابقة وفي الشأن ذاته: “بدلاً من أن يمضي أبو مازن قدماً في صنع السلام مع”إسرائيل“، هو يمضي قدماً في المصالحة مع حماس، ويجب عليه أن يختار بين المصالحة مع حماس أو السلام مع”إسرائيل“، إذ يمكن تحقيق أحدهما فقط لا غير، وآمل أن يختار السلام ولكن حتى الآن هو لم يفعل ذلك . بينما نحن نحاول أن نستأنف المفاوضات مع الفلسطينيين وكل مرة نصل إلى هذه المرحلة، يضع أبو مازن شروطاً إضافية مدركاً بأن”إسرائيل“لا تستطيع أن تقبلها” .
غريب هذا المنطق، وعجيبة هذه الثقة التي تجعل نتنياهو يعتقد أن الرئيس الفلسطيني “أبو مازن” يفضل المصالحة مع نتنياهو على المصالحة مع إسماعيل هنية، وأن يعطي أولوية للسلام مع الكيان الصهيوني على السلام الفلسطيني الداخلي، ويقول بكل وقاحة إنّ على السلطة الفلسطينية الاختيار بين شعبها في غزة والكنيست الصهيوني، منطق اعتاده نتنياهو جراء التنازلات الكارثية التي قدمها الفلسطينيون والعرب .
أما إذا تطرقنا للموقف الأمريكي تجاه المصالحة، فقد أعلنه الرئيس باراك أوباما نهاية الأسبوع الماضي بسلبية واضحة، فقد قال: “المصالحة مع حركة حماس لن تفيد الرئيس محمود عباس”، وقبلها نقلت وسائل الإعلام عن مسؤول في الإدارة الأمريكية، يوم الخميس الماضي، أن الولايات المتحدة “ستعيد النظر في مساعدتها للفلسطينيين إذا شكلت منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح، الحكومة بالتعاون مع حركة حماس”، وشرح المسؤول موقف أمريكا أكثر قائلاً: “أية حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم بلا غموض وبوضوح بنبذ العنف والاعتراف بدولة”إسرائيل“، وقبول الاتفاقات السابقة والالتزامات بين الطرفين”، وقبلها بيوم حذرت واشنطن من أن اتفاق المصالحة الجديد الذي وقعه الفلسطينيون في غزة، قد “يعقد” الجهود الجارية لتحريك عملية السلام .
يقول الجانب الأمريكي هذا الكلام السخيف وكأنه قدم للفلسطينيين ما يفيدهم، بينما من يراجع الموقف الأمريكي، فلن يجده مختلفاً عن الموقف الصهيوني .
وعودة ثانية إلى الموضوع، الاتفاق بين “فتح” و“حماس” جاء بعد فشل المفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بين الفلسطينيين و“الإسرائيليين”، وكان سببها قرار حكومة نتنياهو عدم الإفراج عن سجناء فلسطينيين، وأصبحت القضية متجسّدة في استئناف المفاوضات، وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد قال في وقت سابق: “لدينا شرطان فقط لاستئناف المفاوضات، وليس عشرات كما يزعمون، وهما تجميد البناء لثلاثة أشهر، والثاني، بموازاة التجميد يتم البحث في الحدود والترتيبات الأمنية بين”إسرائيل“والدولة الفلسطينية، أي في الثلث الأول من المحادثات، إذا ما تم تمديدها بالفعل”، وقال بشأن الإفراج عن الأسرى: “على”إسرائيل“أن تفي بتعهداتها وأن تعيدهم الى ديارهم، لأن هذا اتفاق منفصل” .
ورد عليه نتنياهو أن “”إسرائيل“أوضحت لأبو مازن، بأن مطالبه مرفوضة، ومن يطرح شروطاً كهذه لا يريد السلام ولا يمكن لأية دولة أن توافق على تجميد البناء في عاصمتها”القدس المحتلة“. لا يمكن لأية دولة أن تحرر قتلة مجرمين هناك خطر بأن يعودوا لتنفيذ أعمال إرهابية”، ولهذا فإنه سيبعدهم إلى غزة، وكأن غزة مكان للقتلة والمجرمين والمطرودين .
لا نعتقد أن هناك مواقف أوضح من المواقف الصهيونية المذكورة التي تقول باختصار:
* أولاً: لا نؤيد المصالحة الفلسطينية، ونرغب في أن يبقى الصف الفلسطيني متشرذماً .
* ثانياً: لن نطلق الأسرى لأنهم إرهابيون وقتلة .
* ثالثاً: لن نتوقف عن بناء المستوطنات في عاصمة “إسرائيل”، أي القدس .
بعد هذا الوضوح في المواقف، على الفلسطينيين أن يفهموا أكثر من أمر:
- أولاً: يريد الكيان الصهيوني الإبقاء على حالة الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأبد .
- ثانياً: لن يوقف الكيان الصهيوني بناء المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس .
- ثالثاً: لن يطلق سراح السجناء، وخاصة القادة الفلسطينيين، البرغوثي وسعدات .
- رابعاً: لن يوافق على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجروا منها، وفق قرارات مجلس الأمن .
وعلى الفلسطينيين أن يسألوا أنفسهم الآن: لماذا نفاوض؟ وعلى ماذا نفاوض؟ وليس: كيف نفاوض .
الموقف الذي اتخذه الرئيس محمود عباس بحل السلطة الفلسطينية ليس موقفاً صائباً، فقد أبلغ مجموعة من الصحفيين “الإسرائيليين” في 22 أبريل/نيسان الجاري أنه “سيتعين على”إسرائيل“تحمل عبء حكم الأراضي الفلسطينية إذا انهارت محادثات السلام بين الجانبين، وإذا توقفت المفاوضات فإن الحكومة”الإسرائيلية“هي التي ستتحمل المسؤولية عن الوضع الاقتصادي ودفع رواتب الموظفين والعمال والفلاحين والصحة والتعليم مثلما كانت قبل إنشاء السلطة، وأنها ستتحمل كذلك مسؤولية الأمن، يعني أن”إسرائيل“ستتحمل المسؤولية كاملة ونأمل ألا نصل إلى هذه المرحلة وأن نصل إلى حلول والابتعاد عن كل ما يوتر الأجواء فالمنطقة لا تحتمل المزيد من التوتر” .
وكأن الرئيس الفلسطيني يقول لعدوه، بأن وجود السلطة يكمن في دفع الرواتب للموظفين، والحفاظ على الأمن، وهو يعلم أن أراضي قطاع غزة والضفة الغربية بقيت تحت الحكم الصهيوني منذ العام 1967 حتى العام ،1994 وقبلها كانت الضفة تحت الحكم الأردني وقطاع غزة تحت الحكم المصري منذ عام 1948 حتى العام ،1967 وهذا التهديد لا معنى له في إطار استراتيجيات المواجهة، وكان يمكن أن يهدد بطريقة أخرى، كأن يتنازل عن السلطة، ويجري انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، لأنه فشل في تحقيق أي نجاح في بناء دولة فلسطينية ذات سيادة، وعليه ألا يلقي اللوم على الكيان الصهيوني، بل على أداء السلطة الفلسطينية التي لم تعد تراهن على مقدرات الشعب وطاقاته الاقتصادية والوطنية والاجتماعية، ولا شك أن “الإسرائيليين” سيضحكون من هذا التصريح، لأنهم أمام قائد يهددهم بالمال، وبمسؤولية دفع الرواتب للموظفين والعمال، وما هكذا تدار المفاوضات، ولا هكذا تُدار المواجهة مع عدو لئيم ماكر، لا يفكر لحظة واحدة في الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، ويطالب في الوقت ذاته باعتراف الفلسطينيين به وبيهودية دولته .
كان على السلطة الفلسطينية أن تتجه للمصالحة مع السلطة في غزة قبل هذا الوقت بكثير، لا أن تكون المصالحة ردة فعل لفشل المفاوضات، أو رد فعل انتقامي من الكيان الصهيوني، ولكن، وبما أن المصالحة قد تمت “ورقياً على الأقل”، فعلى جميع الأطراف العمل بصدق وشرف ووطنية لإنجاحها، وأن تعود اللحمة الفلسطينية إلى سابق عهدها، إلى ما قبل عام ،2006 وأن يمارس الفلسطينيون الديمقراطية بشفافية ووطنية، مهما كانت نتائج صناديق الاقتراع، فحين يقول الشعب كلمته، على الساسة الرضوخ لرغباته، وإلا، ما معنى إجراء انتخابات .
القضية الفلسطينية في حاجة ماسة إلى تغيير أوراق اللعبة، وهذا يتطلب تغيير الوجوه القديمة لتحل محلها وجوه شابة، وأن يراهن القادة على شعوبهم، وليس على المفاوضات، أو على الوضع في المنطقة وتغيير ميزان القوى، فكل الاتصالات والمفاوضات لم تعط الفلسطينيين حق التنقل بين الضفة والقطاع، ولم تمنحهم السلطة والصلاحيات لاستضافة أي فلسطيني من الخارج، وعلى القادة أن يكونوا عنيدين، وبدلا من التهديد بحل السلطة، يجب التهديد بعودة المقاومة بكل أنواعها، بل على المجالس التشريعية إجازة المقاومة كحق من حقوق الشعب الفلسطيني حتى استعادة كامل حقوقه .
خطوة المصالحة سهلة، لكن الأصعب هو الخطوة القادمة، فحركة حماس لديها فكر مختلف عن الحكام في رام الله، ولهذا، لا بد من إعادة التفكير بوضع استراتيجية جديدة، تطرح مطالب كبيرة، ولا تقف عند مطلب استمرار المفاوضات، فهذا المطلب هو لعبة الكيان الصهيوني، أما مطلب الشعب الفلسطيني فهو دولة يعيش فيها بكرامة، بعيداً عن الاحتلال الغاصب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2176664

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176664 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40