السبت 26 نيسان (أبريل) 2014

فتح كحلّت حماس و“إسرائيل” تتغندر

السبت 26 نيسان (أبريل) 2014 par زهير أندراوس

فلنبدأ الحكاية قبل النهاية: في السابع من كانون الأوّل من العام 2012 وصل إلى قطاع غزّة، رئيس الدائرة السياسيّة في حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس)، خالد مشعل، وفي نفس الوقت أُلغيت زيارة الدكتور رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلاميّ في فلسطين، ثالث أكبر الفصائل الفلسطينيّة، ونائبه زياد النخالة إلى قطاع غزة والتي كان من المقرر أن تتّم برفقة مشعل، وغنيٌ عن القول إنّ شلح والنخالة لم يُسمح لهما بدخول القطاع من قبل الاحتلال «الإسرائيليّ». وما أشبه اليوم بالبارحة: على الرغم من حالة الهستيريا المصطنعة التي عصفت وما زالت بدولة الاحتلال نتيجة اتفاق المصالحة الذي تمّ التوقيع عليه يوم الأربعاء (23.04.2014)، بين حركتي حماس وفتح، إلا أننّا يجب أنْ نأخذ بعين الاعتبار أنّ تل أبيب سمحت لنائب مشعل، الدكتور موسى أبو مرزوق، بالدخول إلى قطاع غزّة، طبعًا بالتنسيق مع المخابرات المصريّة، ولا حاجة للتذكير بأنّ مهمة أبو مرزوق كانت معروفة للقاصي والداني بأنّها أتت للتوقيع على المصالحة الـ“تاريخيّة” بين الفصيلين المتنازعين منذ العام 2007، بعد قيام حماس بالسيطرة بقوة السلاح على القطاع. علاوة على ذلك، من نافلة القول، إنّ هذه المصالحة، هي ليست الأولى، وليست الأخيرة بين الطرفين، لأنّه باعتقادنا المتواضع جدًا، لن تستمر طويلاً لعدّة أسباب أهمّها أنّ حماس تعتبر نفسها منظمة كفاح مسلّح، وبالتالي يُسمح لها بتنفيذ عمليات عسكريّة ضدّ الدولة العبريّة، في حين أنّ حركة فتح، تنبذ العنف، ودخلت قبل أكثر من عشرين عامًا إلى المسار التفاوضيّ العبثيّ مع «إسرائيل،» والذي أعاد القضية الفلسطينيّة سنوات عديدة إلى الوراء. في هذا السياق، وللتشديد على إستراتيجيّة حركة فتح، يكفينا في هذه العُجالة أنْ نَذكر ونُذكّر بتصريحات رئيس السلطة الفلسطينيّة هذا الأسبوع، للصحافيين الإسرائيليين: أرفض العنف حتى لو فشلت المفاوضات، ولم أكن في يومٍ من الأيام داعمًا للكفاح المسلح والتنسيق الأمنيّ سيستمّر، وتصريحه الثاني بأنّه سيقوم بإصدار بيانٍ يُعزّي فيه عائلات الضحايا اليهود في الـ(هولوكوست)، معتبرًا أنّ المحرقة هي أكبر تراجيديا في التاريخ الحديث. ولكي لا نُفهم خطأً، نحن أيضًا نعتبر المحرقة عملاً إجراميًا من الدرجة الأولى، نشجبه ونستنكره بكلّ لغات العالم، ولكن مع ذلك نقول إنّ (المحرقة) لا تسمح للأحفاد أنْ يقتلعوا شعبًا بأكمله من أرضه، ويُشّردوه ويُهجروه إلى جميع أصقاع العالم. وهذه محرقة أوضح وأشّد، لكنْ حتى أهلها ينكرونها، وهذا لم يحصل في التاريخ.
مضافًا إلى ما ذُكر أعله، نجزم أنّ أركان تل أبيب يحتفلون بهذا الاتفاق، على الرغم من حالة الهستيريا التي حاولوا ويُحاولون إضفائها، فالتصريحات التي أطلقها قادة الدولة العبريّة ضدّ المُصالحة، والشجب الأمريكيّ لهذه الخطوة، ما هو إلا تكتيك، مُعد للاستهلاك الداخليّ، ذلك لأنّ إسرائيل هي الرابحة الأولى من هذه المصالحة. حماس، بتوقيعها على الاتفاق، أعلنت بشكلٍ غير مباشرٍ أنّها تنضوي تحت بنود اتفاق العار والذّل، المُسّمى اتفاق أوسلو، وذلك للمرّة الثانية، ففي الأولى، عندما جرت الانتخابات للمجلس التشريعيّ الفلسطينيّ في شباط (فبراير) من العام 2006 شاركت حماس، ولا حاجة للتذكير بأنّ هذه الانتخابات جرت تحت مظلة أوسلو. أمّا الآن، فإنّ حماس دخلت عن سبق الإصرار والترصد إلى مطهر منظمة التحرير الفلسطينيّة، وهي المنظمة التي وقعّت مع حكومة إسرائيل على اتفاق أوسلو في العام 1993، هنا تكمن الخطورة: حماس، عمليًا، تحولّت من تنظيم يؤمن ويُمارس الكفاح المسلّح ضدّ الاحتلال «الإسرائيليّ»، تحولّت إلى تنظيم مُهادن مع الاحتلال، وعلى الأكثر، سيُبادر هذا التنظيم، في حال قيام إسرائيل بشنّ عدوانٍ على القطاع بالدفاع عن نفسه، لا أكثر ولا أقّل، والأيام القادمة ستؤكّد لكلّ من في رأسه عينان، على أنّ انخراط حماس في مطهر منظمة التحرير، هو ليس حدثًا عابرًا، بلْ هو تعبير عن انتقال الحركة من النهج المقاوم إلى السلوك وفق المعايير التي ستضعها السلطة الفلسطينيّة، أمّا الحديث عن أنّ اتخاذ القرارات سيتّم بحسب التفاهمات بين حماس وفتح، فإنّه لا يُساوي الحبر الذي كُتب فيه، ذلك، لأنّ الحركتين، هكذا على الأقّل كان باديًا، على طرفي نقيض، فتح منغمسة ملذّات في المفاوضات العبثيّة مع إسرائيل، في ما غمست حماس السّكّين في صدرها وحماس، من هنا يمكن القول والفصل أيضًا أنّ هذا الاتفاق هو تاريخيّ، بمعنى التحوّل الذي وافقت عليه حماس، ولا ننسى في هذا المضمار التأكيد على أنّ الحركة، مُهدّدّة من قبل السلطات المصريّة، باعتبارها الفرع الفلسطينيّ للتنظيم العالميّ لحركة (الإخوان المُسلمين).
رئيس السلطة عبّاس أكدّ ويؤكّد وسيبقى متمسكًا بتأكيده، بأنّه يرفض جميع أشكال الكفاح المسلّح، بالإضافة إلى ذلك، صرّح بأنّه سيبقى مُلتزمًا بالتنسيق الأمنيّ مع دولة الاحتلال، حتى لو توقّفت نهائيًا المفاوضات. والتنسيق الأمنيّ هو بكلمات مبسطّة التعاون مع الجيش الإسرائيليّ والأجهزة الأمنيّة في الدولة العبريّة لقطع دابر الإرهاب، كما يحلو للإسرائيليين تسميته، وبما أنّ حركة حماس، تُعتبر تنظيمًا إرهابيًا، بحسب المُعجم الصهيونيّ، وحتى السعوديّ، فكيف ستتصرّف الحركة حيّال التنسيق الأمنيّ، الذي سيطال الناشطين التابعين لها في الضفة الغربيّة المحتلّة، أوْ كيف ستتعامل مع عمليات الاغتيال الممركزة التي تقوم بها إسرائيل ضدّ من تُسّميهم بالمطلوبين، ولكي نتوخّى الحقيقة، قام الاحتلال الإسرائيليّ، يوم الأربعاء، أيْ في اليوم الذي تمّ فيه التوقيع على اتفاق المصالحة، بمحاولة اغتيال فاشلة في القطاع، استهدفت اثنين من كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكريّ التابع لحركة فتح. نعم، قاموا بالردّ على هذه المحاولة بإطلاق عددٍ من الصواريخ، وانتهت القضية.
مُضافًا إلى ذلك، نقول ونجزم أيضًا أنّه لا يوجد أمام السلطة الفلسطينيّة خيارات بديلة عن المفاوضات، فهي لا تريد بديلاً ولا تريد أنْ تبحث عن بديل آخر، وعبّاس حصر نفسه بخيار المفاوضات فقط، لذلك لا يوجد أيّ زاوية أخرى يذهب إليها الجانب الفلسطينيّ. هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ إسرائيل تعتبر ومنذ عام 1993 وحتى الآن، اعتبرت أنّ المفاوضات هي بمثابة ضوء أخضر لها لتنفيذ سياساتها على الأرض والمضي بمخططاتها الاستيطانية، لذلك هي مستفيدة ومعنية باستمرار المفاوضات مع الفلسطينيين. كما أنّ الإدارة الأمريكيّة هي الأخرى معنية باستمرار عملية المفاوضات بين الطرفين، فلواشنطن مصالح كبيرة بالمنطقة، لا تستطيع أنْ تتخلى عنها، لذلك ستدفع باتجاه الاستمرار بالمفاوضات. ومع ذلك، من غير المستبعد أنْ تتوقّف المفاوضات لفترة زمنية معينّة، ثم تبدأ من جديد، وبالتالي فإنّ المصالحة بين الحركتين وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة سيُشكلان عامل تأخير زمني لانطلاق مفاوضات السلام مرة أخرى. كما أنّ المصالحة تتناقض مع التنسيق الأمنيّ مع «إسرائيل،» فلا يُمكن لأيّ مصالحة أنْ تتّم والتنسيق الأمني موجود، فهو يقضي على أيْ أمل بنجاح المصالحة، وجرّبنا ذلك قبل أعوام عندما تمّ تشكيل حكومة وفاق وطنيّ، ولم يُكتب لها النجاح بسبب استمرار السلطة بسياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيليّ. ومردّ الفشل السابق، هو أنّ حماس لم تكن خارج مربع المقاومة، أما الآن فالأمر بات مختلفًا.
علاوة على ذلك، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ حركة فتح مرتبطة ارتباطًا عضويًا بأجندات أجنبيّة، عربيّة وأخرى، وهذا الارتباط ينسحب أيضًا على حركة حماس. ففي الوقت الذي يلجأ فيه عبّاس إلى جامعة الدول العربيّة للحصول على غطاءٍ عربيّ لاستئناف المفاوضات مع« إسرائيل»، لا تقدر حماس على التنصّل من ارتباطاتها بكلٍّ من تركيّا وقطر، وهما من أكثر الدول دعمًا لحركة (الإخوان المُسلمين)، ولا ننسى أنّ خالد مشعل يُقيم في الدوحة، في حين حصل نائبه أبو مرزوق على الإقامة الدائمة في مصر، تحديدًا هذا الأسبوع، ونميل إلى الترجيح بأنّ هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، ولا تدور في فراغ، بسبب تساوق المصالح المصريّة و«الإسرائيليّة» في الحرب على تنظيم القاعدة الذي وصل إلى شبه جزيرة سيناء، وبات يُشكّل خطرًا على القاهرة وتل أبيب.
وأخيرًا: الرابح الأكبر من الاتفاق هما واشنطن وتل أبيب، والتهويل« الإسرائيليّ» لتبعات وتداعيات وإسقاطات المصالحة، هو تكتيك سياسيّ بارع، من أجل المُضي قُدُمًا في ابتزاز السلطة الفلسطينيّة، المدعومة الآن من حماس، والإجهاز على ما تبقّى من فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2182146

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2182146 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40