الأربعاء 23 نيسان (أبريل) 2014

لا مصالحة من دون حسم النهج والخيار

الأربعاء 23 نيسان (أبريل) 2014 par راسم عبيدات

كلّما شعر أحد طرفي الانقسام بتأزم أوضاعه أو دخل في مرحلة حرجة، يجري ويهرب للعب على وتر المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وتبدأ اللقاءات والاجتماعات المارثونية بين طرفي الانقسام، يؤكدان ويشددان على إنهاء الانقسام، ويعقدون المؤتمرات الصحافية ويصدرون البيانات التي تنبذ الفرقة، وما تتركه من تداعيات وآثار مدمرة على قضيتنا ومشروعنا الوطني! كأن الانقسام ليس من فعلهما بل بفعل مخلوقات فضائية! وما أن تتحسن ظروف أحد الطرفين، أو يشعر بأن ظروفه وأوضاعه مريحة، حتى يباشر في حملة قدح وذم وتشهير وتخوين للآخر تهرّباً من استحقاقات المصالحة.

المصالحة ليس قضية تحظى بأولويات طرفي الانقسام، فهي ورقة استخدامية لهذا الطرف أو ذاك. عندما كان مرسي يحكم في مصر شعرت حماس بأن مشروعها يتقدم ويحقق نجاحات، ولم تستعجل بالتالي المصالحة وتريد أن تفرض شروطها وبرنامجها على تلك المصالحة، وبعد سقوط مرسي وما قام به النظام المصري الجديد من إجراءات في حق «الإخوان المسلمين» وحماس وجدنا الأخيرة تخفف من سقف مطالبها وتسعى إلى المصالحة بأثمان أقل بكثير مما كانت تطرحه، وهذا غير مرتبط بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني بل بأوضاعها الداخلية. وكذلك سلطة رام الله التي تفاوض «إسرائيل» برعاية أميركية، غير مستعجلة المصالح، كي لا تتهم بتخريب المفاوضات، لكن عندما دخلت المفاوضات في أزمة ولم تحقق أي نتيجة يمثل إنجازاً لسلطة رام الله أخرجت ورقة المصالحة كقضية ضغط وتكتيك ليس أكثر، وكلتا السلطتين نمّت لهما مصالح وامتيازات، والمصالحة هي مجرد ورقة ابتزاز سياسي وتكتيك لكلا الفريقين، وللظهور أمام الجماهير بأنهما ليسا العائق أمام إتمام المصالحة، لذا وجب ان يكون هناك تحرك شعبي واسع ضد هاتين السلطتين، وأشدد على شعبي لأن القوى الرافضة للانقسام لم تنجح في ان تشكيل ضغط حقيقي على السلطتين لإنهاء انقسامهما، ولذلك سواء كان الوفد مشكلاً من سلطة رام الله أو من التنفيذية أو من المركزية فالأمر سيان، لأن الذهاب الى قطاع غزة تحت يافطة المصالحة لن يحقق أي اختراق جدي، والمفاوضات بعد الفصح اليهودي ستمدد وستعقد الصفقات مع سلطة رام الله وسيتراجع ملف المصالحة خطوات الى الوراء، وسيستمر الطرفان في إدارة الانقسام والعمل على شرعنته وتعميقه، وهذا مرضيّ وحيويّ للطرفين.

إنهاء الانقسام في حاجة الى إرادة سياسية وتغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الفئوية والحزبية الضيقة. إنهاء الانقسام في حاجة الى قيادات جريئة تتحرر من التدخلات الخارجية والأجندات غير الفلسطينية، قيادات قادرة على القول لا مصلحة فوق مصلحة الشعب الفلسطيني. قد تحقق السلطات الراهنة منافع ومكاسب آنية لها ولما تمثله، إنما ستكون الخسارة على المستوى الإستراتيجي كبيرة. ضياع القضية الوطنية وتفكك المشروع الوطني، من دون حسم النهج والخيارات، ومن دون حصول توافق وطني و«فصائلي» ومجتمعي وشعبي عليها ، سيبقينا كمن يخض الماء للحصول على زبد. لن نحصل أبداً على الزبد، فالمفاوضات تثبت في أرض الواقع وبالملموس أنها خيار عقيم وبائس لن يقودنا الى تحقيق ولو الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا في دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، بل يجري هذا النهج ويتواصل، على نحو يسمح للمحتل بمواصلة مشاريعه ومخططاته في تهويد الأرض و«أسرلة» السكان، وممارسة جميع أشكال التطهير العرقي في حق شعبنا الفلسطيني، فلا استيطان توقف في القدس ولا في الضفة، ولا حتى الاقتحامات والاعتقالات والاغتيالات في المناطق التي يقال إنها تخضع لسيطرة السلطة كاملة، وبالتالي فرض الاحتلال الوقائع والحقائق على الأرض يستمر وكأن ثمة موافقة ضمنية مع السلطة على ذلك.

وفي المقابل، الذين يتمسكون بخيار المقاومة، هم أيضاً لم يحققوا إنجازاً حقيقياً في هذا الجانب، رغم أهمية التمسك والتشبث بهذا الخيار، حتى لو كانت الممارسة موسمية، وبتنا نلمس أن هناك من هو مستعد لقمع المقاومة وضربها للحفاظ على مصالحه وسلطته، تحت ذريعة الحفاظ على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

نحن أمام كارثة حقيقية إذ لا نتعامل مع قضايانا المصيرية بجدية عالية، فالمرحلة التي يمر بها شعبنا راهناً، اخطر من أي مرحلة سابقة. وليس المطلوب ا رأس الزعيم الفلاني او العلاني، وليس مطلوباً من يقامر بحقوق الشعب الفلسطيني ثم يلجأ إلى خطة تكتيكية هنا أو هناك لتحسين شروط التفاوض منتظراً أن نصفق له.

المطلوب رأس المشروع الوطني. المطلوب شطب حق العودة نهائياً. المطلوب تصفية القضية الفلسطينية تماماً… لذا بات ملحاً وضرورياً أن تكون أحزابنا وفصائلنا على مستوى الحدث والمؤامرة، وأن يُدعى الى عقد المجلس المركزي وتدعى حماس والجهاد لحضوره، أي أن تكون هناك جهة مقررة للشعب الفلسطيني، تحترم قراراتها. وما يتم الإتفاق عليه يجب ان يكون ملزماً للجميع، فنهج قولوا ما تشاؤون وأفعل ما أشاء قادنا الى الدمار، فمن يخرج على تلك القرارات أياً يكن لا شرعية له، وعليه أن يستوعب جيداً أنه لا يقرر بالنيابة عن الشعب الفلسطيني أو يغتصب شرعية تمثيله، فأمر كهذا يدخلنا أتون الحروب الداخلية والاقتتال.

الهجوم «الإسرائيلي» الأمريكي على شعبنا يستقوي بحالة الضعف والانقسام الفلسطينية، وكذلك حالة الإنهيار العربي غير المسبوقة، فبعض الأقطار العربية أخذت علاقاتها وتنسيقاتها وإتفاقاتها مع دولة الاحتلال تخرج الى العلن، وهي تشارك معه ومع أميركا في الضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته وتبتزها للموافقة على مشاريع تصفية القضية، وفي مقدمها الاعتراف بيهودية الدولة. هنا أقول إن أي اتفاق مع دولة الاحتلال توافق فيه السلطة الفلسطينية على إسقاط الجنسية الإسرائيلية عن أسرى الداخل سيكون مقدمة وترجمة عملية لشعار يهودية الدولة وتبادل الأراضي.

المصالحة وإنهاء الانقسام، ينبغي أن يستندا الى برنامج سياسي واستراتيجية موحدة تتوافق وتلتف حولها جميع ألوان الطيف السياسي والمجتمعي والشعبي الفلسطيني، وهي قضايا جوهرية واستراتيجية وليست قضايا ذات طابع تكتيكي واستخدامي لخدمة هذا الطرف أو ذاك، فخطر الانقسام يوازي خطر أوسلو، إن لم يكن أكثر، وكلاهما يقسّم الشعب الفلسطيني ويشرّع حالات الانفصال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2178545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40