الاثنين 14 نيسان (أبريل) 2014

لتفشل المفاوضات

الاثنين 14 نيسان (أبريل) 2014 par د.عبدالله السويجي

نجحت المفاوضات، فشلت المفاوضات، هناك اختراق في المفاوضات، المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، الكيان الصهيوني يتهم الفلسطينيين ويتخذ خطوات عقابية، والفلسطينيون يتهمون الكيان الصهيوني ويقررون الانضمام إلى 15 منظمة دولية، وأمريكا مترددة في الإعلان عن فشل المفاوضات، والعرب يحملون الكيان الصهيوني أسباب فشلها ويرفضون الاعتراف بيهودية “إسرائيل”، وكأن المفاوضات كانت ستؤدي إلى دولة فلسطينية ذات سيادة، أو ستعيد ملايين الفلسطينيين المشردين إلى أراضيهم .
منذ عشرين عاماً والمفاوضات تجري على قدم وساق من دون تحقيق أي تقدم يُذكر، مرة برعاية أمريكية، وأخرى برعاية أمريكية - روسية - أوروبية، لكن النتيجة كانت واحدة مع كل الرعاة (الكبار)، ولا يمكن القول إن الفلسطينيين هم من عرقلوا التوصل إلى نتيجة للمفاوضات، لأنهم قدموا تنازلات أكثر مما يجب، لكن الكيان الصهيوني، وكالعادة دائماً، لا يريد النجاح لهذه المفاوضات لأنها ستضع عليه التزامات كثيرة أهمها الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة، وإطلاق آلاف الأسرى ومن بينهم قياديون كبار، إضافة إلى إجراءات أخرى، ولهذا يهرب إلى الأمام بوضع (العقدة في المنشار)، الا وهي يهودية الكيان الصهيوني، فهو يريد من الفلسطينيين والعرب الاعتراف بيهودية “إسرائيل” حتى تفرج عن أسرى، والاستهزاء هنا واضح، والعبث واضح أيضاً، فيهودية “إسرائيل” تعني الاعتراف بالحق التاريخي لليهود في فلسطين التاريخية، وهو أمر يقود إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين لا يزالون يتمسكون بأراضيهم في ما يسمى بفلسطين ال،48 وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية والعرب (مؤخراً) .
واقع الحال الآن يقول إن المفاوضات فشلت ووصلت إلى طريق مسدود، حتى لو قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنه يجري إحراز تقدم، لكنها نفت التوصل لاتفاق . وقالت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية جين بساكي إن الفجوات تضيق ولكن أي تكهنات بشأن التوصل لاتفاق سابقة لأوانها . وكانت تقارير “إسرائيلية” يوم الخميس الماضي ذكرت أن اجتماعاً عقد في القدس بحضور كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ومسؤولة الملف “الإسرائيلية” تسيبي ليفني، برعاية المبعوث الأمريكي مارتين أنديك، وأن اتفاقاً يجري إعداده لتمديد المفاوضات مقابل الإفراج عن دفعة من الأسرى وتجميد الاستيطان .
لننظر إلى اللعبة من أولها، أو من فصلها الأخير، فحين لم تفرج السلطات الصهيونية عن دفعة جديدة من الأسرى، وأعلنت عن بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، قررت السلطة الوطنية الفلسطينية الانضمام إلى 15 منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، ووقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على طلبات الانضمام، وجاء الرد من سويسرا الأسبوع الماضي بالموافقة على انضمام فلسطين لمنظمة حقوق الإنسان واتفاقات جنيف . ولا ندري إن كان الرد الفلسطيني يوازن التصرف الصهيوني، مع العلم أن من حق الفلسطينيين بصفتهم عضواً في الأمم المتحدة أن ينضموا لمنظماتها، ولا أدري لماذا يرفض الكيان الصهيوني هذا الانضمام، وبالتالي اتخذ إجراءات جزائية وفرض عقوبات من بينها خصم دفعات لتسديد ديون من تحويلات الضرائب التي تتلقاها السلطة الفلسطينية بانتظام، وفرض قيود على ودائع البنوك الخاصة بالسلطة الفلسطينية في البنوك “الإسرائيلية” . أما الأمر المثير للانتباه، ونقلته وكالة “رويترز” عن مسؤول “إسرائيلي” فهو أن العقوبات تتضمن تعليق مشاركة “إسرائيل” في مشروع للتنقيب عن الغاز قبالة ساحل قطاع غزة . الأمر مثير لأننا نعلم أن حماس هي التي تدير شؤون قطاع غزة، ومشاركة “إسرائيل” في مشروع التنقيب، يعني أن هناك تعاوناً من نوع ما بين حماس و“الإسرائيليين” .
وبهذه الإجراءات من قبل الطرفين يكون الكيان الصهيوني قد حرف القضية الرئيسية عن مسارها، وجعلها تنحصر في انضمام الفلسطينيين إلى منظمات دولية، وأيضاً قزّمت السلطة الفلسطينية من القضية الرئيسية وجعلتها تنحصر في الانضمام والإفراج عن الأسرى، رغم أهمية الخطوتين تنظيمياً وإنسانياً ونضالياً .
من المهم أن نذكر الموقف العربي في هذا السياق، حيث حمل البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية الدول العربية “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن المأزق الذي تمر به عملية السلام، وحث وزراء الخارجية في اجتماعهم الطارئ الذي عقد في القاهرة قبل عشرة أيام تقريباً الولايات المتحدة على مواصلة جهودها الداعمة لاستئناف مسار المفاوضات، وكرر الوزراء رفضهم الاعتراف بيهودية “دولة إسرائيل” وحملّوها مسؤولية استمرار مشكلة اللاجئين الفلسطينيين .
الردان الفلسطيني والعربي ليسا في المستوى المطلوب، وإذا كانت السلطة محاصرة من كل الجهات ومكشوفة الظهر، وهامش المناورة لديها ضيق، كونها التزمت التحرك السلمي لتحقيق الأهداف والوصول إلى دولة فلسطينية، فإن الموقف العربي مائع إلى حد كبير، ليس في مضمونه وإنما لأنه مجرد بيان لا يسمن ولا يغني من جوع، وسيكون شأنه شأن البيانات والقرارات والتوصيات الأخرى، التي ظلت حبيسة الأدراج .
ويحق لنا أن نتساءل ببراءة عن المواقف العربية (الشرسة) التي اتخذتها ضد الراحلين رئيسي العراق وليبيا، صدام حسين، ومعمر القذافي، والرئيس الذي لا يزال يقاتل للبقاء على قيد الحياة بشار الأسد، والمواقف التي اتخذتها على صعيد فردي أو جماعي من خلال جامعة الدول العربية ضد الكيان الصهيوني، فإذا كان صدام حسين دكتاتورياً والقذافي مستبداً، فماذا يمكن تسمية كل زعماء “إسرائيل”، منذ إنشاء هذه الدول الدخيلة المزروعة في قلب الوطن العربي قبل 66 عاماً حتى الآن؟ ونتساءل أيضاً ببراءة عن (الجهاد) الذي وحّد (مسلمي) الأرض وجعلهم ينفرون إلى سوريا وليبيا بعشرات الآلاف، من أحق بالجهاد ضده، الرئيس المستبد أو العدو المحتل الذي يحفر تحت المسجد الأقصى، ويسعى إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، وينكل بشعبها ويقتل ويدمر ويحرق كل يوم الشجر والبشر والحجر؟
تساؤل نضعه أمام جامعة الدول العربية وأمام (المجاهدين) بكل ألويتهم وأمرائهم وقادتهم، فهل البوصلة أصيبت بالتلف أو بالرؤى المصابة بالضبابية والبصيرة العمياء التي ترى العدو أمامها منذ عشرات السنين من دون أن تتحرك؟ وهذا التساؤل أيضاً نضعه أمام “الإخوان المسلمين” المنتشرين في كل العواصم العربية والأجنبية، ويخططون لنشر الفوضى، فيقتلون ويحرقون ويدمرون مقدرات وثروات البلاد، ألا يرون دولة سمت نفسها “إسرائيل”، خلقوا لها الظروف لترقص وتفرح وتعلن أنها مطمئنة الآن أكثر من أي وقت مضى، نتيجة للدمار الذي لحق بالجيوش العربية في العراق وسوريا وليبيا، والآن مصر، حتى لو لم تحارب تلك الجيوش “إسرائيل” منذ 37 عاماً، ولم تقدم الدعم الكافي لا المادي ولا العسكري للفلسطينيين .
المفاوضات سيُكتب لها الفشل، أولاً لأنها مفاوضات سيكون ضحيتها حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه، ولأن العرب رتبوا أولوياتهم بطريقة غامضة وخاطئة . لتفشل المفاوضات، ولتتأزم أكثر، ولتصل إلى طريق مسدود، لأنها نتيجة منطقية لخراب البوصلة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165825

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165825 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010