الأربعاء 9 نيسان (أبريل) 2014

عودة لنغمة فقدان الشريك

الأربعاء 9 نيسان (أبريل) 2014 par علي بدوان

بات بِحُكم المؤكد تمديد المُهلة المُحددة للعملية التفاوضية بين الطرفين الرسمي الفلسطيني والاسرائيلي للتوقيع على اتفاق الاطار بعد جُملة من المناورات السياسية والدبلوماسية التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وبعد أن وصلت العملية التفاوضية الى حالةِ اختناقٍ جديدة. فيما أقدمت الرئاسة الفلسطينية على الخطوة النوعية الشجاعة والقاضية بالتوجه لانضمام دولة فلسطين لعدد من المنظمات والمؤسسات الدولية، وهي خطوة هامة بالاتجاه الصحيح كان يجب أن تَتِم منذ فترة طويلة.

لماذا وقعت تلك التطورات المُتسارعة خلال الأيام الماضية، وهي تطورات كانت مُتوقعة بدرجة لابأس بها عند المُتابعين للوضع التفاوضي على مساره الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وهل لتلك التطورات أن تُطيحَ بالعملية السياسية وتعود بها الى الوراء مرة ثانية، أم أنها قد تفتح الآفاق أمام مُتغيرات جديدة ..؟ نبدأ القول، ان تلك التطورات لم تكن صاعقة في سماءٍ صافية بل جاءت بفعل عملية تراكمية، ونتيجة للأسباب الثلاثة التالية :

أولاً، سلوك المُماطلة الاسرائيلية بشأن الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين (من أسرى ماقبل أوسلو) وفق التفاهمات التي تمت تحت الرعاية الأميركية، فمازالت الدولة العبرية تُماطل في هذا الشأن، بل وتضع العراقيل، فيما يُطلق بعض وزرائها التهديدات بهذا الشأن حال أقدم بنيامين نتانياهو على تنفيذ هذا الاستحقاق المُتفق عليه مع الفلسطينيين وتحت الرعاية الأميركية. فرئيس الحكومة الاسرائيلية لجأ الى الدعوة لعقد اجتماعٍ عاجل للحكومة الاسرائيلية في ظل تهديدات من أعضاء حزب البيت اليهودي بالانسحاب من الائتلاف والحكومة حال تنفيذ اطلاق الأسرى، علماً أن الصفقة تتضمن في بعض عناصرها الافراج عن الجاسوس الأميركي (جوناثان بولارد) المُعتقل في الولايات المتحدة كنوع من المقايضة والمراضاة لمُختلف تيارات التطرف في الدولة العبرية ومنها أحزاب اليمين واليمين المُتطرف.

ثانياً، وصول القيادة الفلسطينية لحالة اليأس من الجانبين الأميركي و الاسرائيلي خصوصاً بعدما بات واضحاً مديات الانحياز الأميركي الى الجانب الاسرائيلي في المفاوضات، وفي ظل مناخات شعبية وفصائلية فلسطينية مُحتَقِنة من الحالة الراهنة حيث الابتلاع اليومي للأرض الفلسطينية، واستمرار سياسات الاحتلال لجهة زيادة منسوب القمع والقتل واستهداف الناس وحياة البشر في عموم مناطق الضفة الغربية ومنها ماحدث مؤخراً في مخيم جنين حيث استشهد بعض المواطنين الفلسطينيين.

ثالثاً، قيام حكومة بنيامين نتانياهو بتفجير المساعي الأميركية بإعلانها عن عطاءات لانشاء (700) وحدة استيطانية تهويدية. فخطوة الاعلان عن انشاء الوحدات الاستيطانية التهويدية جزء من خطة لافشال المفاوضات يقف خلفها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ومعه تكتل وأقطاب قوى اليمين واليمين المُتطرف المؤتلفة معه في الحكومة الحالية. وربما كان القرار الاسرائيلي المذكور بالتوسع الاستيطاني في مستعمرة (جيلو) الواقعة خارج منطقة القدس قرب بلدة (بيت جالا) كاختبار لمدى احتمال الفلسطينيين فكرة التمييز بين عمليات التهويد والاستيطان في القدس ومحيطها (التي تُسميها اسرائيل بالقدس الكبرى) والتهويد الاستيطان في باقي أرجاء الضفة الغربية. وبذا تجاوزت اسرائيل كل الخطوط الحمراء الفلسطينية وأعلنت عن مشاريع استيطان وتهويد جديدة في حمى التعقيدات التي تَلُفُ مسار كل العملية السياسية.

وهنا، يمكن القول ان المناورات الاسرائيلية مُستمرة في هذا المجال، حيث طَلَبَ نتانياهو من النواب والوزراء من حزب الليكود الامتناع عن التصريحات في الموضوع الفلسطيني مما سيحرف الضغط الدولي عن الفلسطينيين نحو اسرائيل. وهناك معلومات يومية تتواترعن حملات التحريض التي يقوم بها نتانياهو، ومنها حديثه في اجتماع كتلة حزب الليكود البرلمانية حيث قال وبالحرف تعالوا نُري العالم أن الفلسطينيين هم الرافضون، وبدلاً من الرفض ينبغي لنا أن نُظهر الاستعداد. أقترح في هذه اللحظة السماح للجميع بالوصول الى الفهم من هو الرافض، ولهذا الفهم أن ينغرس في الساحة الدولية. ومن الواضح هنا، ان نتانياهو يعمل أساساً على صد المحاولة الفلسطينية لنقل الضغط الدولي على الدولة العبرية واظهار حقيقة موقفها، وتحميلها مسؤولية المآلات التي يتوقع أن تنتهي عندها عملية التسوية المأزومة منذ سنوات طويلة وليس منذ الآن، وذلك كنتيجة منطقية لغياب البُعد الدولي في العملية السياسية التفاوضية، وغياب المرجعيات ذات الصلة عن مسار تلك العملية ووقوعها تحت الرعاية الأحادية الأميركية المُنحازة. لقد كان الرد الفلسطيني منطقياً، وطبيعياً، وسريعاً على تلك السياسات الاسرائيلية باعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قيامه بالتوقيع على طلبات انضمام دولة فلسطين الى (15) منظمة دولية والاستعداد للانضمام الى (63) منظمة دولية.

ان الموقف الفلسطيني، في خطوته النوعية الأخيرة بالتقدم للانضمام لعددٍ من المنظمات والمؤسسات الدولية لايعني الصدام مع الادارة الأميركية بقدر مايعني أن على الادارة الأميركية أن تعي هذه المرة بأن الفلسطينيين لديهم أيضاً خياراتهم ولو كانت على شاكلة تعطيل كل العملية السياسية برمتها، وعليها أن تكف عن استضعافهم طوال الوقت. كما أن الطلب الفلسطيني بالانضمام لبعض المنظمات الدولية يُمثّلُ في حقيقته نقلا للحالة الراكدة للعملية التفاوضية من مجال الاختناق تحت الرعاية الأميركية الأحادية والحصرية للفضاء الدولي الأرحب، الذي يُمكن له أن يكون أكثر توازناً وعدلاً من الموقف الأميركي الضاغط كلياً على الطرف الفلسطيني، وهنا يَصعُب اعتبار أن طلبات الانضمام الفلسطيني للمحافل الدولية مقاطعة الفلسطينيين كلياً للعملية السياسية أو لأي افكار جديدة وبناءة، فقد التقى الوزير الأميركي جون كيري الطرف الرسمي الفلسطيني (39) مرة في جلسات تفاوضية منذ يوليو الماضي، ومازالت الأمور على ماهي عليه (تيتي تيتي مثل مارحتي جيتي).

في هذه الأثناء علينا أن نتوقع عودة بروز النغمة الاسرائيلية (القديمة/الجديدة) عن فقدان الشريك الفلسطيني، وهي نغمة بدأت تَطُل وتُعبر عن حالها من خلال تصريحات العديد من عتاولة اليمين واليمين المُتطرف من أقطاب حكومة نتانياهو وحتى من خارج الحكومة من قادة الأذرع الأمنية والعسكرية وحتى من المُتقاعدين منهم الذين مازالوا يتمتعون بحضور مُؤثر داخل أحزابهم.

ان بعض قادة الأحزاب الاسرائيلية طالب مؤخراً باعتقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما طالب بذلك الوزير المتطرف بينيت، بل وطالب وزير آخر بنفيه الى الخارج. وهي نغمة قديمة تعود من جديد وقد سبق وأن واجهها الرئيس الراحل ياسر عرفات وانتهت بحصاره داخل مقر المقاطعة في رام الله. والمصيبة هنا، أن الاسرائيليين يعتبرون ان أي خطوة يقدم عليها الفلسطينيون للدفاع عن الشعب الفلسطيني هي خطوة مُتطرفة ويجب مواجهتها بحزم، وتلك عنجهية مابعدها عنجهية، عنجهية تَجد زادها اليومي من خلال الموقف الأميركي الضاغط على الفلسطينيين، والناعم بالتعامل مع الطرف »الاسرائيلي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2182191

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2182191 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40