الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2014

هل هناك متسع للكلام!؟

الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2014 par صالح عوض

هناك صنف من الناس يظهر زهدا في الكلام عن المعارك الدائرة بيننا والإدارات الغربية، ويدعو الى الزهد في الكلام عن كيفية تصدينا لمخططاتها وإمكانية ذلك على اعتبار اننا تكلمنا بما فيه الكفاية، وان لا فائدة في الكلام فالوقت وقت عمل، ويقدم هذا الصنف من المسوغات ما يدفع السذّج من الناس محدودي الوعي لتصديق دوافعه والتأمين على استنتاجاته، وهو في حقيقة الامر لا يقوم بأي عمل مفيد انما على غير هدى يضرب خطواته وفي اتجاهات متناقضة، وضمن ما هو متوقع لدى صانع الخطة الغربية.

رغم هذا فلا بأس من طرح السؤال مجددا، هل تكلمنا عن معاركنا جوهرها وطبيعتها بما فيه الكفاية؟ هل قال مفكرونا وفلاسفتنا ومنظّرونا وعلماؤنا ما يكفي لكي نرى درب النهضة جليا لا زيغ فيه؟ وهنا يصعب عليّ طرح سؤال مر المذاق: أين هم هؤلاء الروّاد ؟ فبعد أن رحل ادوارد سعيد وهشام شرابي ومالك بن نبي وجمال حمدان، كم تبقى من المفكرين يتحدثون عن الامة وصراعها الحضاري؟ وحتى عندما كان اولئك احياء هل كان كلامهم يصلنا بسهولة؟ وبأي صيغة كان يصلنا؟ لدينا الجابري والانصاري و اعداد قليلة لا يكاد احد يسمع كلاما لهم، ولا يتابع اخبارهم وقد يطوي احدهم الموت ولا يلتفت اليه احد، وقد يضرب الجوع امعدة ابنائهم ويعوز احدهم الدواء فلا يجد الا كلمات على اوراق سطرها تحكي عن وحدة الامة ونهضتها ومستقبلها ونصرها الحتمي، فكم من شاعر بطل قضى على فراش المرض وهو لا يملك ثمن دوائه فيما كان هتافه للامة ان لا تنكسر، وكم من مفكر مبدع تلوّى أولاده حوله من الجوع فيما هو يفسر لنا مؤامرات الادارات الغربية ضد الامة، ولقد بلغني ان احد العلماء الكبار لم يكن يجد رغيف خبزه وكأس حليب لصباحه، واحد هؤلاء العظام مات حرقا في غرفة الخدم لم يكن يملك من ضروريات الحياة الدنيا شيئا، هذه الحالة المبكية تكشف لنا اي مرحلة نعيش.

في النهضات الحضارية التاريخية يحترم المفكرون والمبدعون ويمنحون فرصتهم كاملة ليعبّروا عن وجدانهم الانساني، ويصبح كلامهم شعارات حياة وقصائد يترنم بها الجميع، وتكون هذه نقطة البداية، تكون هذه بذرة الحياة تدب في الشعب، وفيما بعد عمل تراتبي وتراكمي يبدأ من عملية نفض الغبار عن العقول والارواح والنفوس، وينتهي بإرساء مفاهيم وقيم وابراز افكار حقيقية وبرامج عمل للنهوض الشامل، انه عمل ضخم يشترك فيه الادباء والفلاسفة والمفكرون والعلماء، ولا تنهض امة الا بعد مرورها بهذه العملية الشاقة المرهقة التي تتساقط فيها الافكار الميتة المميتة، وتنكشف الافكار الحيّة الباعثة على الحياة، لا تنطلق عجلة النهضة من بيئة خاملة هامدة لا حراك فيها، وبمقدار ما تكون أسئلة مرحلة البعث الثقافي واسعة عميقة تأتي الحضارة ثمرة متناسبة مع ما سبقها من بعث، ويكون لاضمحلال بعض جوانب البعث الثقافي الاثر البالغ على منظومة قيم النهضة، وعلى جوانب اساسية فيها وتظل الامة حاملة هذا المشروع تعاني من اثار النقص طيلة مسيرتها.

من هنا بالضبط يصبح الحديث عن كيفية مواجهتنا للتحدي الحضاري الغربي، وكيفية ادارتنا للصراع وكيفية ترتيبنا لاشيائنا وافكارنا واشخاصنا، محافظين على ان يكون الزمن لصالحنا هنا الحديث عبادة بل من ارفع مستويات العبادة لله لانه بحث جاد عن كيفية ادائنا مهمة الاستخلاف التي اوكلها بنا على الارض، أي انها بحث عن سننه في التبديل والتغيير والتنمية والتطور، والانتصار واسترشاد بقوانينه لاحداث النصر وهكذا نكون حققنا جزء المعادلة الأزلية الابدية “إن تنصروا الله”، ليأتي الجزء الثاني تلقائيا بلا عناء “ينصركم الله” ويزيدنا الله فضلا على ذلك: “ويثبت أقدامكم”.

من هنا نحاول تقييم ما نحن فيه من تيه وضلال على اعتبار اننا لازلنا لم نخط منهجيا نحو حضارة تليق بما لدينا من مرجعيات ثقافية وتاريخية، ولعله من السهل ان نكتشف أس المشكلة، فلنبحث عن المكتبات وما تبيع والمطابع وما تنشر وحجم ما فيها من مادة تناقش حياتنا وتستشرف مستقبلنا؟؟ وكم يصل الى ايدي القراء وما هي نسبة القراءة، وبجوار ذلك اين مدرستنا من الثقافة ومن المادة التي تبعث في التلميذ روح البحث والمسئولية، وتزوده بأدوات التواصل مع الحضارة قيمها وثقافتها واشيائها، باختصار هل نملك استراتيجية للناشئة من ابنائنا تصنع منهم طليعة نهضة؟ فهذه الاستراتيجية لم تعد من باب الترف انما من باب الضرورة الحتمية لانعتاقنا واستقلالنا، وهنا ينبغي ان يتواصل الحديث عن موادنا الثقافية التي تجد سبيلها بلا عائق الى الاسواق والاذهان، انها مواد سطحية فوضوية عبثية تشغل في معظمها العقول بالتافه، والارواح بما يمزقها والنفوس بما يحبطها، وتقوم المواد الثقافية والاعلامية التي تتسرب الى الناس بدور سلبي اضافي، إنها تقوم بتمييع القضايا وصرف النظر عن الحقيقي منها، وصناعة غلالات من الضباب حولها، وهذا سبب اضافي للتأكيد على ضرورة ان تعاد القضايا كلها للنقاش ويعاد التأكيد مجددا الى ضرورة ان تنبعث في الامة ثورة فكرية ثقافية تنفض الشجرة من جذعها ليتساقط من الاوراق كل ما أيبسه الخريف، ولتظهر على حقيقتها جرداء من الزيف.

نعم اننا محتاجون لكلام كثير، في الادب نحن محتاجون لادباء عظام يصلون الى الارواح باسلوب ادبي جميل، فيسكنون فيها الرغبة في النهضة والحضارة والسيادة والاستقلال، نريد ادباء يتحلّون بحس المسئولية نريد مفكرين يدققون في منظومة افكارنا ومفاهيمنا التي ورثناها من توجيهات الاستعماريين وعبيدهم، فيلقوا جانبا كل ميت منها ويدققون في مفاهيمنا فيبرزون الحيّة ويزودونها بأفكار تحصنها وتهيئ لها المناخ الملائم للنماء والتوسع، ومحتاجون لفلاسفة ومؤرخون يدافعون عن تاريخنا وعن افكارنا، وفي كل ذلك نحن محتاجون لارادات سياسية تهيئ الفرصة لكل هذه العملية.

اننا بحاجة ماسة لان نكتشف ان التدافع السياسي في بلادنا، والتنافس السياسوي الحاد يطيل عمر الازمة ولا يتجاوزها، وقد يستطيع في احسن حالاته تخديرها لفترة من الزمن، وعندما اغرانا الغربيون بالصراع السياسي بين مكوناتنا الحزبية والثقافية انما اراد ان يبعدنا عن التفكير في الخطوة الاولى الضرورية التي تدفعنا نحو النهضة.

إن اهمية البحث العلمي في الجامعات ضرورة لتقدم مجتمعاتنا، ومن الواضح ان دولنا العربية لم تول هذا الجانب ما يستحق من رعاية، وللاسف فان كل ما ينفق في هذا الجانب في كل الجامعات العربية اقل مما تنفقه العصابة الصهيونية على البحث العلمي في جامعاتها، البحث العلمي هو الذي ينتج لنا اجيالا من المتخصصين في مجلات عديدة، ويزود مجتمعاتنا بامكانات اساسية للتطور المادي الضروري، كما انه يربط عجلة التعليم بالتنمية والتطور.

ومع أهمية هذه الملاحظة الواضحة إلا انه لابد من التاكيد على فكرة حاجتنا قبل الانطلاق نحو البحث العلمي الى افكار الحياة تنتشر في قطاعات واسعة من ابنائنا لنعرف من نحن وماذا نريد، واية وجهة سنسير، واية اشتباكات بيننا والغرب اين نلتقي واين نفترق واين نتصادم؟ وما هي اهداف مجتمعاتنا ودولنا على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي؟ واية ادوار علينا القيام بها لتحقيق هذه الاهداف؟ وكيفية ترتيب اولوياتنا وهذا كله هو دور “الكلام” الذي يطلقه المفكرون والفلاسفة والادباء والشعراء والعلماء، وفي هذا العصف الفكري الواسع تبرز معالم شخصيتنا بشكلها ومضمونها الحقيقيين في أي مجتمع نحن؟ أي بشر نحن؟ أية رسالة نحمل أي قيم؟ بعد ذلك لا قبله نتحرك تلقائيا الى بناء مجتمع حضاري يؤمن بشخصيته ويتمسك بقيمه ويسير في اتجاهه محدثا التراكم المطلوب لبناء حضارة.

اننا بحاجة الى كلام كثير في كل قضية من قضايانا حتى نتحرر من الصياغات الفكرية الجاهزة التي تم حشوها في عقولنا، بحاجة الى كلام في القضية الفلسطينية حتى لا تكون جهودنا عبارة عن ردّات فعل محسوبة لدى العدو، وبحاجة الى الحديث عن طبيعة الدولة ومؤسساتها وترتيب اولوياتها لا ان ناخذ تقليدا بالاجانب الذين يعانون من نتائج انظمتهم الاقتصادية والثقافية المدمرة، اننا بحاجة الى كلام كثير حول وحدتنا وتعاوننا واشكاله ومضامينه، وفهم ما علاقة ذلك باستقلالنا ونهضتنا، بحاجة الى كلام كثير عن قضايا عديدة تشغل عقولنا ومجتمعاتنا وتكبّل فعلنا، من هنا يبدو اننا اصبحنا ندرك ضرورة ان نتكلم وندعوا للكلام وحريته ونحترم كل راي، ونشجع صاحب كل فكرة ونصنع مناخات تساعد على التواصل الثقافي والفكري والقدح الفكري على اوسع نطاق، وان نعتبر ذلك هو الاساس لكل خير لا ان يكون مجرد ديكور يزين البرامج المسيسة والمصالح الشخصية المتغولة، القراءة والتدبّر والتأمل والنظر والتفكر والاستنتاج والشرح والدليل، والحجّة والقول هذه أدوات الكرامة الانسانية وهي الافعال الاساسية للنهضة، وهي لحسن حظنا مجربة لأمتنا ونجحت في صناعة اعظم حضارة انسانية عبر التاريخ البشري انها حضارتنا العربية الاسلامية، فهل إلى إعادة الكرّة من سبيل.. تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2165285

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165285 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010