الثلاثاء 13 تموز (يوليو) 2010

العرب بين تركيا وإيران... ما الموقف؟!!

الثلاثاء 13 تموز (يوليو) 2010 par فرج بو العَشّة

إن العرب إما أن يقودوا منطقتهم متوحدين في مشروع حضاري جامع، أو أن يكونوا خارج التاريخ. أي مجرد أدوات في لعبة الأمم الكبيرة، سواء التي من حولهم أو تلك البعيدة ما وراء البحار والمحيطات. عندما كان العرب، قبل الإسلام، قبائل متشرذمة خارج التاريخ، لكل قبيلة إله خاصتها، أذلهم ملوك الأحباش واستخدمهم الروم والفرس أدوات لصراعهما على المنطقة العربية. فكان فريق منهم عميلاً للروم والآخر عميلاً للفرس. ولم يدخلوا التاريخ إلا عندما توحدوا في مشروع حضاري جامع تحت عنوان الإسلام. به تمكّنوا في سرعة تاريخية خاطفة من طرد الروم حتى أسوار القسطنطينية، والقضاء نهائياً على عرش الأكاسرى ومن ثم دخول أهل فارس في الإسلام ليصيروا إخوة في الإسلام، حيث «إنما المسلمون إخوة». ونتيجة لما اعترى العرب، عماد السلطة الامبراطورية، في نهايات انحطاط الدولة العباسية، من ترف ودعة واستهتار بالمشروع المحمدي الحضاري، أخذ الفرس مقاليد السلطة، في العهد البويهي، بحيث كان الخلفاء العباسيون مجرد واجهة سياسية لحكمهم، الذي دام قرابة قرن ونصف القرن (320 - 447هـ/932 - 1055). وكان من أبهى عهود الحضارة الإسلامية. فالبويهيون وإن كانوا من أصول فارسية إلا أنهم حكموا الامبراطورية العباسية بصفتهم مسلمين من رعايا امبراطورية الإسلام شمالة الأعراق والثقافات. ولما وهنت شوكتهم آل حكم الامبراطورية العباسية إلى السلاجقة، وهم من أصول تركية. وقد أعلن ثالث حكامهم ركن الدين طغرل بك بن سلجوق نفسه حامياً للخلافة العباسية وخلع عليه الخليفة لقب السلطان. وبعد السلاجقة آل حكم الدولة الإسلامية إلى الأيوبيين فالمماليك. وهم جميعهم في دورات حكمهم للدولة الإسلامية كانوا يحكمون بصفتهم مسلمين وليسوا أعراقاً دخيلة أو مستعمِرة. ولما وهنت شوكة المماليك جاء الأتراك، كفاتحين وليس غزاة، في رداء العثمانيين بعد استيلائهم على القسطنطينية، وضموا أمصار العرب ولايات تابعة لإمبراطوريتهم الإسلامية العظمى. ولما وهنت شوكة امبراطوريتهم العظيمة بعد قرون من الهيمنة العالمية وتفككها انفصالياً، استولى الاستعمار الغربي على الإيالات العربية مستخدمين العرب لمحاربة الخلافة العثمانية، بحسبان الأتراك دخلاء مستعمرين يقفون حائلاً بين العرب واستقلالهم وبناء مملكتهم العربية الكبرى. فكانت مسخرة «الثورة العربية الكبرى» التي أفضت إلى «سايكس ـ بيكو» و«وعد بلفور» وايجاد «إسرائيل».

والحال أنه، بعد خصم دور الرواد العظام في إبداع عصر النهضة العربية، وبعد خصم محاولة النهوض القومي الناصري المُجهضة بهزيمة 5 حزيران/ يونيو 67، وبعد خصم إضاءات حركة تحرير الجزائر الأسطورية وحركات المقاومة الحيّة في فلسطين ولبنان، وبعد خصم حركة الحداثة العربية الأصيلة، فإن ما لدينا اليوم، في الواقع العربي التاريخي الجاري، صورة مُقرَّبة لانحطاط أمة بوسع قارة متشرذمة إلى أنظمة، في معظمها حتى لا نعمم، مستبدة بشعوبها من جهة، وخانعة، من جهة أخرى، للروم الجدد وشايلوكهم الصهيوني.

في هذا الواقع العربي المزري، يظهر من صوب الإعلام العربي المنطوي على هوى عبري، معلقون ومحللون يمتلكون قدرة خارقة على الصفاقة في الترويج للرواية «الإسرائيلية» من حيث توصيف إيران كخطر على العرب أكثر من «إسرائيل». وهم يقيّمون الدور التركي الداعم للقضايا العربية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، على أنه تنافس فارسي - عثماني للسيطرة على القرار العربي (وكأن هناك قراراً عربياً حقاً).

وتعكس هذه الآراء، التي تروجها وسائل إعلام أنظمة الاستبداد والتبعية، سياسة ما يسمى بـ «محور الاعتدال»، الذي هو في الحقيقة محور مناعمة (من نعم). بمعنى مناعمة أنظمة هذا المحور لما تطلبه أمريكا (إسرائيل ضمنياً) منها كي تنال رضاها عن حكمها وتسكت عن استبدادها بشعوبها. وما تطلبه واشنطن، في هذه المرحلة، وبالدرجة الأولى، يتركز على استعداء العرب ضد الإيرانيين، بوصفهم (عرقياً) فرساً ومجوساً، واستعدائهم (مذهبياً) بوصفهم شيعة روافض. وهم في الحقيقة التاريخية إخوة في الإسلام، حيث «إنما المسلمون إخوة»، بغض النظر عن خياراتهم المذهبية والسياسية التى ارتضوها لأنفسهم. أما تركيا أردوغان فهي، عند جوقة المانعمين، صاحبة مشروع عثماني جديد يستهدف الهيمنة على الأمة العربية (وكأن شأن الأمة العربية يعني هؤلاء حقاً!)، أو هي، بتعبير آخر من لدن هؤلاء، تريد إحكام نفوذها السياسي في قضايا الشرق الأوسط للحصول على أوراق ضاغطة لأجل كسب عضويتها في الاتحاد الأوروبي (وكأن ليس من حق تركيا وهي الأمة المسلمة أن يكون لها نفوذ ومصالح مشروعة في مجالها العربي - الإسلامي، بينما وصلت الهيمنة الصهيوأمريكية على عرب الخنوع والتبعية إلى درجة غزو الجيوش البوشية العراق من أراض عربية، بينما رفضت تركيا مرورها من اراضيها، وهي العضو البارز في حلف الناتو).

إن موقف العرب الصحيح يفترض، لو أن أنظمتهم تمثيل لإرادتهم (كما هو الحال في تركيا وإيران) الترحيب الموضوعي، بلغة المصالح المشتركة وضرورات الأمن القومي العربي، بقوتين إقليميتين لا يمكن لهما أن تكونا عدوتين، لأنهما إخوة للعرب في الإسلام. وذلك ليس مجرد كلام عاطفي منثور للشكر والعرفان. إنما تبن موضوعي لمدخلات التاريخ ومخرجاته المشتركة بين العرب والفرس والترك في بوتقة الإسلام الحضاري. وفي رأيّ أن أنظمة المانعمة للمشروع الصهيوأمريكي لن تنجح في تعمية وعي الشعوب العربية، بلغة الفتنة الطائفية، ودغدغة النوازع القطروية على مبدأ «مصر أولاً ... الأردن أولاً ... السعودية أولاً.. لبنان أولاً ..إلخ» للتنصل من قضايا الأمة العربية والإسلامية، التي تقف منها إيران وتركيا موقف المدافع والمؤازر.

وفي الختام فإن تلك الأنظمة، المستبدة بشعوبها والخانعة للسيد الأمريكي، بجوقتها الدعائية المتصهينة، مقبلة، أكانت تدرك أو لا تدرك، على نهاية حقبة الاستبداد والتبعية في غضون عقد قادم (بالكثير!!!). وأخص هنا مصر (ففي نهوضها نهوض للعرب وفي هوانها هوان لهم). إذ لسوف تصبح مصر، في المستقبل المنظور، في عهدة نظام وطني ديمقراطي، لا يفهم لمصر دوراً إلا بما هي قائدة لأمتها سياسياً ورائدة لها حضارياً (ولن يكون رئيسها البيه بواب معبر رفح)... عندها سيقع تقييم دوري ايران وتركيا، من منظور الأمن القومي العربي، بحسبانهما قوتين إقليميتين كبريين مضافتين لقوة العرب الناهضة بفضل أنظمة وطنية ديمقراطية تستمد شرعيتها من رضى شعوبها عنها وليس من رضى البيت الأبيض عبر «تل أبيب»...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 54 / 2177233

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2177233 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40