الجمعة 21 آذار (مارس) 2014

هل تخلت الأمة عن فلسطين؟

الجمعة 21 آذار (مارس) 2014 par صالح عوض

هل تخلت الأمة عن فلسطين وشعبها ومقدساتها؟ انه السؤال الذي اصبح قائما وبإلحاح امام كل معني بالقضية الفلسطينية.. وهنا السؤال لا يخص الأنظمة انما يتمدد وصولا للنخب الثقافية والسياسية، بل ولقطاعات الشعوب.. انه يتمدد ليقف امام المؤسسات الاعلامية العربية الخاص منها والعام.

انها تخلت وهي لا تبدي حراكا، فيما كل شيء في فلسطين يتآكل والعدو الاستعماري العنصري يشن عدوانه على البشر والحجر والنبات وعلى الأموات .. ولم يكف الشعب الفلسطيني عن الاستغاثة بالعرب والمسلمين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. بل تعداه إلى ان تقوم جهات عربية رسمية بإغلاق منافذ الحياة على الشعب الفلسطيني او ان تحاصره حتى الموت وتحت غطاء من حجج وأعذار يتم قتل المئات من ابنائه جوعا ومرضا.

لا نتساءل هنا عن موقف النظام العربي المشغول دوما بالحفاظ على نفسه؟ ولكننا نتساءل عن دور أحزاب قومية واسلامية، وعن المفكرين والمثقفين والناس العاديين.. لماذا تراجع الاهتمام بفلسطين وقدسها وأقصاها؟ حتى عاد مجرد الدعاء بتحريرها من على منابر المسلمين انجازا عظيما!؟

لابد من تحليل الظاهرة لكي نستطيع وضع الأصبع على الوجع واستشراف المطلوب للخروج من المعصية الكبيرة.. وبين يدي التحليل لا بد من الإشارة إلى معطيات ضرورية تجعل من التحليل قيمة حقيقية في المعركة الحضارية الحاسمة.

المعطى الأول ان قضية فلسطين ليست فقط قضية استعمار قامت بها قوة غاشمة ضد شعب وأرض.. انه بالإضافة إلى ذلك هي مصالح استراتيجية امريكية وغربية يختلط بها السياسي بالأمني بالاقتصادي بالعقائدي، والعدو فيها ليس طرفا واحدا، بل توجه عام يقف خلفه اعداء اقوياء، واسرائيل فقط هي رأس الحربة.. من هنا لا بد من التأكيد بأن معركة تقليدية بين المستضعفين الفلسطينيين والمجرمين الصهاينة لا يمكن ان تحسم المعركة، لأن الجهات العدوانية لن ينالها خسران كاف بإقناعها على ضرورة الانسحاب من المشهد.. من هنا بالضبط تصبح عملية بعث القوة في الأمة وتحريضها وتجميعها وتوجيهها في هذه المعركة هي المحصلة المنطقية لهذا المعطى.

المعطى الثاني ان الفلسطينيين يمثلون رأس حربة الدفاع العربي الاسلامي في مواجهة المشروع الغربي الاستعماري، وان عليهم تقديم النموذج الحضاري في المواجهة، وان يكونوا على قدر كبير من المسئولية لكي يمدوا جسور التواصل مع طلائع الأمة وجماهيرها.. وفي هذا الصدد غير مسموح ان يصاب الفلسطينيون بالفوضى في الخطاب واللغة والأداء.. فالأمة عربية اسلامية لها قيمها وثقافتها دونما تنطع ولا تمييع.. فمن العبث ان ترفع شعارات للمعركة بعيدا عن حس الأمة ووعيها وثقافتها، او ان يتم العبث في المكون الحضاري للشعب الفلسطيني. وعلى صعيد الممارسة، لن ترى الأمة بعين الاحترام الوضع المتشتت في ساحة الفعل الفلسطيني وانزياحات رؤوسه يمينا ويسارا.. كما ان الأمة لا تقبل اي ضعف او تراجع في الأداء عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني والأمة العربية بفلسطين.

المعطى الثالث ان المخطط الغربي يعمل ليلا ونهارا لإشغال الأمة بنفسها في معارك وهمية تحت عناوين عديدة من الحريات السياسية وحرية المرأة ومساواة المرأة بالرجل وحرية الرأي والتعبير.. وكلها كلمات حق يراد بها باطل.. يواجه هذا، أنظمة مضطربة مرعوبة تذهب إلى التشديد خوفا وتحسبا، والمتضرر الأول في هذا كله فلسطين.. اما الأحزاب والنخب الثقافية فهي مشغولة بالإلهيات التي ألقت بها إليها المؤسسة الاعلامية الغربية.. ووصل الأمر ذروته بالربيع العربي، حيث انخرطت القوى الشعبية خلف القوى السياسية في أتون فتن ومعارك لا طائل منها، وتولدت قضايا جديدة وملفات جديدة، حيث اصبحت بلدان العرب تحت طائلة التدمير والتقسيم والاحتراب.. وهكذا توفر شرط اضافي لابتعاد الأمة عن فلسطين.

هكذا يمكن ان نقول ان هذه المعطيات تجمعت معا لتشكل حالة جفوة مصطنعة بين فلسطين والأمة، وهكذا تتفرد قوى الشر بفلسطين لابتلاعها تهويدا واستيطانا، وتشتيتا لشعبها وإمعانا في إرباكه وتضليله.. وهكذا تتخلى الأمة على غير رغبة منها ودونما قصد عن قضية فلسطين.. اي بمعنى اكثر جلاء عن قضيتها التي تكشف لها اطراف المعركة وجبهة الأعداء والأدوات الضرورية في المعركة، وتفحص لها قوتها وقدرتها لكي تتمكن من بناء منظومات المقاومة والتصدي، ومن ثم الهجوم والاقتحام لإسقاط الهجمة الجنونية التي تستهدف مستقبل الأمة واحتمالات نهوضها.

اجل، ان هناك تخليا واسعا من قبل الأحزاب والقوى السياسية والأنظمة عن فلسطين شعبا ومقدسات، وانصرافا لقضايا جانبية أتقن الغربيون صناعتها.. ذلك كله لكي تفقد طلائع الأمة القدرة على رؤية نقطة الانطلاق الحقيقي نحو مستقبل مشرق.. وكما سبق، المسئولية تقع على الجميع، على الفلسطينيين والعرب والمسلمين سواء.. ولكن انه محزن حقا ان يبخل المال العربي عن دعم فلسطين والقددس بالنزر اليسير.. وانه لمما يحزن ان ينفق النظام العربي في الحروب الداخلية والفتن بين الشعوب وحكامها أرواحا وأموالا وامكانات كانت تكفي تماما لو تم توجيهها لقضيتنا المركزية ان تخرجنا من مأزقنا وتنهي الكيان الصهيوني وتؤسس لقاعدة حضارية حقيقية في الأمة.. أليس من العار ان يتم إنفاق اكثر من 50 مليار دولار في حرب سوريا الداخلية، ويموت اكثر من مائة الف، وتدمر مدن وقرى، فيما كنا لن نخسر إلا القليل من هذا لو توجهنا إلى القدس وفلسطين.. وفي حين ان كل خساراتنا اليوم في تونس وليبيا وسوريا ومصر والعراق واليمن، انما هي خسران مبين لنا، وإن انتصارنا في معركة فلسطين هي ربح وفوز بالكرامة والاستقلال والحرية والعزة.

لابد من تغيير البرامج وعدم الانسياق في الخطاب الذي يروج له من قبل المؤسسات الغربية الاعلامية والسياسية والأمنية.. لابد من برامج راشدة ترتب القضايا والأولويات والأهداف الصغيرة فالأكبر فالأكبر.. لا بد من طرح كل الإلهيات السياسية والثقافية جانبا.. والتقدم برجولة لكشف المعادلة كلها على عناصرها الحقيقية وتحديد طرفي المعادلة بوضوح وفض الاشتباك بين الصحيح والوهمي.

وفي هذا الصدد فإن المسئولية تقع على الجميع، على الفلسطينيين وعلى العرب والمسلمين، وكل حسب موقعه وقدرته، ولن يبرر لأحد تقاعسه، لأن سواه تخلى عن القيام بواجبه.. فالواجب لا يسقط بتخلي الآخرين.. فأين هم الرجال الرجال الذين يقومون بالمهمات الجليلة في اللحظات الحاسمة من عمر أمتهم.. لم يعد من المقبول التريث ونحن في مثل هذه الحال.. وتولانا الله برحمته. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 66 / 2178507

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178507 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40