في يوم حزين يكاد يختنق من هول ما تراكم من حزن .. وفيما القصف والقصف المضاد يتناوش مدينة خالد بن الوليد رضوان الله عليه “حمص” ..انفجر جرح فلسطين ملون بدم قان ..قبل ثلاثة أيام أعلن الناعي موت شاعر الثورة الفلسطينية وحاديها الشاعر الفذ أبو عرب “إبراهيم محمد صالح”. ولد أبو عرب في القرية التي ولد فيها الفنان الفلسطيني المرحوم ناجي العلي فنان الكاريكاتير الشهير في قرية الشجرة قضاء طبريا في فلسطين سنة 1931، وتنقل من لبنان إلى سوريا وتونس ومخيمات الشتات في العالم.
اسكت الموت صوت أبوعرب في لحظة فلسطينية قاسية وجراح الشعب الفلسطيني مفتحة على حاضر قاس في مخيماته في سوريا ولبنان وفي غزة والضفة والجليل وكل فلسطين..اسكت الموت صوت ابوعرب حاد الثورة وممجد الثوار ..أسكت الموت الصوت الحاني المليء ببركة فلسطين والمجبول بعناد أهلها وكرمهم وشيمهم..ولكن المدن والقرى والبوادي التي غناها ابوعرب على شبابته و أرغوله ونايه الحزين تصحو الآن تعض على جراحها وتهمس في إذن الزمان ابوعرب لم يمت فما مات عاشق للوطن لان الأوطان تعرف كيف تخبئ محبيها في بؤبؤ العين وسويداء القلب..فأبو عرب مثل زيتونة شهدت الرسالات والنبوات على هذه الأرض تستعصي على التقزيم.
ابوعرب غنى للقدس وغزة والخليل وعكا ويافا والناضرة وصفد وطبرية والسبع وغنى للشهداء والفدائيين والمخيم..فكان شاعر الثورة والشعب والقضية بلا منافس..من ثنايا حروفه تستمع للجرح الفلسطيني وتتحسس الوجع الفلسطيني ولئن كان ابن قريته وقريبه ناجي العلي قد حول الهم الفلسطيني الى رسومات كاريكاتير بمثابة منشورات سياسية ثورية كل صباح حتى أصبح رمز حنظلة يطارد الجلادين واللصوص والفاسدين ..لئن كان ناجي العلي ابن المخيم وأسطورته المتدفقة نبلا وقوة وعنادا فان ابوعرب ذهب في المشوار الى نهايته ليتربع على ناصية الشعر الفلسطيني المسئول.
حمل ابوعرب اللهجة الفلسطينية المحببة الى العالمين وما ترك فرصة إلا صدح فيها باسم الجرح الفلسطيني باعثا الأمل ومذكرا بالألم ..فنال من الشعب الفلسطيني حبا لا يحده حد..وكان كما هو شأن الفنان الأصيل والشاعر الحقيقي محل إجماع الشعب بكل فصائله وفي كل أماكن تواجده وهكذا تتجلى قيمة الفنان الأصيل انه حامي وحدة الشعب وصائن حلمه والأمين على قضيته .
ابوعرب ابن شهيد ووالد شهيد استشهد أبوه في 1948 عام النكبة واستشهد ولده في 1982 عام الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان..فالعزاء لشعب فلسطين في علم من أعلامه الكبار والعزاء لقضية فلسطين بفقدها محام عنيد مؤمن أصيل لم يوقفه الا الموت عن الصدح بها والمنافحة عنها.
اذهب عميقا يا أباعرب في فلسطين في جرحها وفي سهولها وفي بركتها..اذهب عميقا في ذاكرتنا وفي روحنا لتظل حاديا لمسيرتنا المباركة نحو فلسطين وقدسها فمثلك لا يموت مثلك دخل في تراكيب وطن لا يزول..تولانا الله برحمته .