الأربعاء 5 آذار (مارس) 2014

أمريكا وقاعدة حسن العلاقة مع مصر بشروط

الأربعاء 5 آذار (مارس) 2014 par عاطف الغمري

لا تزال التناقضات في الموقف الأمريكي تجاه مصر، مقيدة بخيوط ممتدة إلى مبدأ مهم وأساسي، كان يحكم طبيعة العلاقة الأمريكية مع مصر، في فترات حكم رؤسائها، مهما اختلفت توجهاتهم، سواء كانوا جمهوريين أم ديمقراطيين .
في هذه الأيام، تظهر التناقضات واضحة ما بين المؤيدين في الكونغرس، وفي بعض مراكز البحوث السياسية، لتصعيد الضغوط على مصر، وعدم العودة لاستئناف المساعدات، وبين المعارضين لمواقف إدارة أوباما، الذين تعالت أصواتهم في الكونغرس في الفترة الأخيرة، خاصة منذ إيقاف المساعدات وحتى الآن، وهم الذين اعتبروا أن استمرار إدارة أوباما، في نفس سياستها، يؤثر سلباً في العلاقة مع مصر، ويدعم الإرهاب .
المبدأ المهم المشار إليه، كان قد كشف عنه خبير شؤون الشرق الأوسط، جورجي أفتاند يليان، وقت أن كان يعمل محللاً سياسياً بوزارة الخارجية في واشنطن، مختصاً بالعلاقة مع مصر، وذلك في كتاب أصدره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، عام ،1993 بعنوان “سعي مصر لدور قيادي في العالم العربي وانعكاساته على السياسة الأمريكية” .
وقد حرصت بعد انتقالي للعمل في واشنطن عام ،1995 على الاتصال به، ومناقشته في كتابه، من أجل استيضاح أمور أحسست، أنه مر عليها باختصار من دون الإفصاح عن تفيصلات وجدتها مهمة . وخلاصة ما خرجت به من الكتاب، ومن المناقشة معه، وكان ذلك في فترة حكم بيل كلينتون وكانت العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، في أحسن حالاتها، وستبقى كذلك، إلا إذا سعت مصر لدور قيادي في العالم العربي، عندئذ سوف تحتاج الولايات المتحدة، لإعادة تقييم علاقتها مع مصر .
وبمعنى أدق، فإن الولايات المتحدة تقدر أهمية علاقتها بمصر، وتعتبرها مركز التوازن في المنطقة، وأن فقدان الاستقرار الداخلي فيها، يمكن أن يؤثر في استقرار المنطقة، التي تحوي مصالح استراتيجية للولايات المتحدة، وهذه مسائل متفق عليها داخل الكونغرس، وفي البيت الأبيض . ولكن بشرط، أن يظل دور مصر محصوراً داخل حدودها، ولا يتعدى هذا النطاق، حتى لا يؤثر في المصالح الأمريكية . وهو ما يمكن وصفه بالتعبير الدارج في مصر: “قصقصة ريش مصر، حتى لا تحلق، بل أن تظل تتحرك، ولكن وهي رابضة على الأرض” .
وهذا وضع حرصت السياسة الأمريكية على المحافظة عليه، إلى أن وقع تغيير النظام في مصر من بعد 25 يناير ،2011 وكان مأمولاً من المصريين عندئذ، أن يحدث تعديل وتطوير في الفكر السياسي، يتبنى صياغة استراتيجية أمن قومي للسياسة الخارجية، تمتلك رؤية، تتمشى مع التغيير الذي حدث في الداخل، ومع التحولات الجارية في العالم، التي تحتاج فهماً وتعاملاً، مختلفين في إدارة العلاقات الدولية . لكن المرحلة الانتقالية في مصر، طالت كثيراً، وأدى تفاقم المشكلات الداخلية، إلى تعويق الوصول إلى هذا الهدف المأمول . ثم جاء حكم الإخوان في عام ،2012 ليحدث خللاً عضوياً، في العلاقة المصرية - الأمريكية، حين أخرجها من دائرة كونها علاقة بين دولتين، إلى علاقة بين دولة “أمريكا”، وبين تنظيم الإخوان والتنظيم بطبيعة تكوينه وتفكيره وعلاقاته وأهدافه، تضيق نظرته في مثل هذه الأمور، ليتحرك في حدود مفاهيمه هو، منفصلاً عن مفاهيم وأهداف الدولة وجموع شعبها .
ما تلى إنهاء حكم الإخوان من اتخاذ إدارة أوباما، موقفاً مناهضاً للتغيير في مصر، وهو ما تم بطريقة تستعيد مسار استراتيجية إدارة جورج بوش (2001 - 2008) التي اعتبرت أن الشأن الداخلي في أي دولة بالمنطقة، ليس شأناً داخلياً، إذا كان يؤثر، من وجهة نظرها، في الأمن القومي للولايات المتحدة .
هذه التناقضات لاتزال مستمرة، يعكسها إصرار إدارة أوباما، والمتحدثين باسمها، على انتقاد سياسة مصر في مواجهة الأعمال الإرهابية، والمطالبة بإلحاح مريب، بإدخال الإخوان في العملية السياسية، من دون أن تطالبهم أولاً بوقف الإرهاب، الذي يمارسونه علناً وصراحة ضد جموع المصريين، ممن لا ينتمون إلى تنظيمهم، والمتعاطفين معهم .
وفي المقابل، كان الوجه الآخر لهذه التناقضات يظهر، في إحساس تزايد أخيراً لدى قطاعات في الكونغرس، بمدى تأثير هذا الإنحياز للإخوان، في المصالح الأمريكية، وعلى علاقتها بمصر . وهو ما شهدناه في أكثر من جلسة للكونغرس . إحداها في 30 أكتوبر ،2013 وقيل فيها إن قطع المعونة العسكرية عن مصر، هو هدية أوباما للإرهابيين . وفي جلسة لاحقه عبّر فيها عدد من الأعضاء الجهوريين، عن الغضب من عدم استشارة إدارة أوباما، للكونغرس، قبل قرار تأجيل إرسال بعض أنواع الأسلحة لمصر، ثم الجلسة الأخيرة، في 12 فبراير ،2014 للجنة المخابرات ومكافحة الإرهاب، التي وجهت خلالها انتقادات، لقرار تعليق المساعدات لمصر، ودعوة أوباما لضرورة التعاون مع مصر في مكافحة الإرهاب والتطرف .
. .إن الشواهد تشير إلى أن التحولات في مصر التي تسير نحو الاستقرار، طبقاً لخريطة المستقبل، بانتخاب رئيس وبرلمان جديدين، بعد أن تم الانتهاء من إقرار الدستور، سوف تنتج رؤية لنظام وطني خالص، يعيد لمصر مكانتها وقدراتها، وفق استراتيجية أمن قومي جديدة وواعية، تؤسس لعلاقات تبادلية متوازنة، ليس مع أمريكا وحدها، ولكن أيضاً ضمن إطار أشمل لعلاقات مع مختلف دول العالم



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2166105

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2166105 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010