السبت 1 آذار (مارس) 2014

عن القدس و“الصراع الديني”

السبت 1 آذار (مارس) 2014 par محمد عبيد

التصعيد الخطير الذي ينتهجه كيان الاحتلال والعنصرية والتوسع “الإسرائيلي” تجاه مدينة القدس، وتواصل حملات التهويد والتدنيس، ومحاولات التطهير العرقي وإفراغ المدينة من سكانها الأصليين، عبر سياسات الاقتلاع والتضييق والملاحقة وهدم المنازل، وتكثيف الاستيطان، وتوكيل جماعات متطرفة والتصرف بأجزاء كبيرة من أراضي المدينة، تؤكد أن “إسرائيل” ليست جادة وحسب في جعلها “عاصمة موحدة” كما تقول ل“دولتها اليهودية”، بل أيضاً أن المشروع يتخطى ذلك إلى محاولة تحويل مسار القضية الفلسطينية ككل، وفرض صيغة مغايرة للصراع التاريخي .
أطراف فلسطينية وعربية وإسلامية كثيرة حذرت من أن الاحتلال يعمل على تحويل مسار الصراع إلى “نزاع ديني”، لكن هذا التحذير لم يتمثل حقيقة أن الكيان المحتل يريد لهذا الصراع هذه الصفة، ويبحث منذ نشوئه على أرض فلسطين التاريخية عما يؤكد دعايته ويجعلها حقيقة واضحة على الأرض، وسواء كان من حذروا انجروا غافلين أو عالمين إلى الوقوع في هذا الفخ المنصوب بإحكام، فإن الأمر خطير جداً وينذر بكثير من التطورات السلبية على مسار القضية الفلسطينية .
الفلسطينيون كافحوا منذ البداية تلك المزاعم التي أرادت “إسرائيل” من خلالها أن تجعل القضية الفلسطينية مجرد “صراع” بين أتباع ديانتين، أحدهما يتحدث عن “ظلم تاريخي” والآخر يتهم بحرمان الأول من حقوقه، وفي هذا تجنٍ وتزوير للتاريخ، ومحاولة لتفريغ القضية الفلسطينية من بعدها الحقوقي والإنساني والتاريخي أيضاً .
ما تقوم به سلطات الاحتلال في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية يتعدى هذا الجانب، ويتخطى مسألة الشعائر الدينية والعبادات، إلى ما هو أخطر، والذي يتمثل في أن الكيان مصمم على نفي صفة الاحتلال الاستعماري التوسعي عن نفسه، ومصرّ على تحويل مجرى الصراع التاريخي إلى “خلاف ديني” .
لا ريب أن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وكل أرض فلسطين وما تضمه من تاريخ ومقدسات، هي العنصر المركزي في قضية ملايين العرب والمسلمين، لكن ذلك لا يغطي حقيقة الصراع، ولا يجب أن يسمح للكيان بأن ينجح في مخططه، ولا أن يجر العرب خاصة والمسلمين بشكل عام إلى هذه النقطة .
السياسة “الإسرائيلية” الحالية مكشوفة وواضحة وليست بحاجة إلى الغرق في تفسير عناصرها وتأويل التصريحات الصادرة عن صانعيها، فمنذ اليوم الأول الذي ابتدع فيه مصطلح “الدولة اليهودية”، ظهر بشكل واضح مسعى الاحتلال إلى العودة إلى نقطة البداية، مدفوعاً بحجم الشحن الديني والطائفي الذي تشهده المنطقة، وتغذيه القوى الكبرى التي وجدت في تعزيز النزعات والعصبيات الطائفية والمذهبية والدينية، وسيلة مجانية لتقسيم دول المنطقة وتمزيق نسيجها المجتمعي، وتحويلها إلى دويلات طائفية، ما يسمح بالتالي لنموذج “ديني” مزعوم ممثل بكيان الاحتلال والاستعمار أن يطالب بحقه في “الوجود” على هذا الأساس .
محاولة واضحة لتفريغ الصراع من مضمونه، وحرف قضية وحقوق الشعب الفلسطيني عن مسارها، ودعوة مفتوحة إلى تبني سياسة الاستعمار الحديث إلى البناء عليها، وإيقاع العرب والمسلمين والفلسطينيين في فخّها، وهذا ما يجب الالتفات إليه أولاً وأخيراً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2176740

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176740 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40