السبت 22 شباط (فبراير) 2014

تشومسكي والإمبراطورية الأمريكية

السبت 22 شباط (فبراير) 2014 par د. عبد العزيز المقالح

عنوان الكتاب “صناعة المستقبل” وله تكملة من أربع كلمات هي: الاحتلال، التدخلات، الإمبراطورية، المقاومة . ويكاد العنوان بتكملته يوجز أهم المحتوى لموضوعاته العديدة التي تشكّل في مجموعها إدانة علنية للإمبراطورية الأمريكية وما ترتكبه في حق مواطنيها وفي حق الشعوب الغنية بالثروة والمواقع الاستراتيجية، يضاف إلى ذلك حرصها على الاستعانة بما يسميه الكاتب بقوى الاستعمار التقليدي (بريطانيا وفرنسا)، والكتاب قراءة سياسية عميقة وواعية لأوضاع العالم عامة، وأوضاع الوطن العربي خاصة، قبل وبعد ثورات الربيع، تلك التي زادت من أطماع الإمبراطورية الجديدة وحققت لها بعض المكاسب في بعض الأقطار وخابت آمالها في بعضها الآخر، وإن كانت لم تيأس من أن تجني ثمار ذلك الربيع في وقت لاحق .
في الغلاف الأول للكتاب كلمات قليلة تذهب إلى التعريف الموجز بمؤلف الكتاب لمن لا يكون قد قرأ له وتابع مواقفه، وهذا نصها: “المخالف على دوام نعّوم تشومسكي يعرف متى يستهدف برمياته التدخل العسكري الأمريكي في العالم” وهذا التعريف الدقيق الموجز تناسى أن هذا المفكر المخالف والمتحدي لأسياد البيت الأبيض هو في الأساس عالم لغات، وله مكانته العلمية العالية في أنحاء العالم . وما يدفعه إلى الانشغال بالشأن الإنساني العام ما يراه من تدهور في سياسات بلاده ومواقف القادة الذين بات حالهم لا يختلف كثيراً عن حال حكام العالم الثالث يضيقون بالرأي المخالف ويخافون من معرفة الحقيقة، ولا يدركون أن الوقت قد حان للملمة قوات الإمبراطورية من مناطق الشتات بعد أن خسرت كل المعارك التي خاضتها تحت شعارات زائفة ومن أجل النفط لا سواه .
لا يوجد اسم لمترجم الكتاب وهو صادر عن “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت” وكأن الشركة أو بالأحرى القائمين عليها هم الذين قاموا بترجمة هذا الكتاب المهم الذي يشرح أكثر مما يفضح الدور الراهن للولايات المتحدة، التي يصرّ تشومسكي على تسميتها بالإمبراطورية . ومن أهم مقالات الكتاب تلك التي تجعل من القضية الفلسطينية محوراً بالغ الأهمية للمواطن الأمريكي الذي ينبغي أن يعرف مدى ما تعانيه بلاده من انتقادات وكراهية في العالم وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي خاصة . وفي واحدة من تلك المقالات إشارة إلى حديث دار بين نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” و“نتنياهو” رئيس وزراء الكيان الصهيوني جاء فيه: “ما تقوم به يهدد سلامة جنودنا الذين يقاتلون في العراق وأفغانستان وباكستان، فمن شأن ذلك أن يعرّضنا للخطر ويهدد السلام في المنطقة”، وفي المكان نفسه من الكتاب ينقل تشومسكي قولاً آخر يعلن فيه قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال “ديفيد بيترايوس” عن مخاوفه للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ قائلاً: “يثير هذا الصراع للمشاعر المعادية لأمريكا بسبب مفهوم انحياز الولايات المتحدة إلى”إسرائيل“” .
في الكتاب إلى جانب الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي سكنت وجدان هذا المفكر واللغوي النبيل قضايا جديرة بالتأمل منها على سبيل المثال حديثه عن الصين، هذا المنافس الخطر الذي بدأ يأخذ مكانه في عالم اليوم بهدوء، وهو لا يكف عن بناء قوته الاقتصادية وتطوير قوته العسكرية بصورة تثير فزع الولايات المتحدة وتدعوها إلى مزيد من الإنفاق العسكري في محاولة لتطويق هذا العملاق القادم من أقصى الشرق، بعد أن أصبح - على حد تعبير تشومسكي - سلطة أساسية ونامية بالفعل تتجاهل الولايات المتحدة بازدراء، وهو ما يعد وقفة لها صداها العميق في التاريخ كما في الواقع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010