الجمعة 21 شباط (فبراير) 2014

استرضاء القاتل لا ينقذ القتيل

الجمعة 21 شباط (فبراير) 2014 par نافذ أبو حسنة

كتب لي مواطن فلسطيني، يشبهني كثيراً (هو لاجئ من بلدته في فلسطين المحتلة عام ثمانية وأربعين، ونازح من مخيمه عام 1967، ومهجر من المخيم الثاني حالياً) الرسالة التالية، وطلب إلي أن أنشرها كما هي دون زيادة أو نقصان، كما سمح لي بأن أوقعها باسمي، فهو كما قال لا تهمه الشهرة، وكذلك لا يعتبر كلماته مميزة، إذ بحسب زعمه، ثمة ملايين من الفلسطينيين يتكلمون مثله وأحسن وأوضح مما تكلم، وعليه فهي ليست إبداعاً أو ابتكاراً يستحق لهاثاً من أجل حقوق التفكير والنشر، خصوصاً أنه كما قال أيضاً: لا يثق بالمفكرين أبداً وتستفزه، لأسباب تخصه، الصفات التي يطلقونها على أنفسهم بداية من لفظة مفكر، هو قال كلاماً ثقيلاً بهذا الصدد، لم أجرؤ على ذكره، وهو لم يشدد على نشره، ما طلبه هو نشر النص التالي:

تصفيق حار وتصفيق فاتر

“لا نريد إعادة تقسيم القدس، بلدية إسرائيلية، وبلدية فلسطينية، وجسم ينسق فوقهم، بداية التعايش الحقيقي”.

صفق الجمهور بقوة، الجمهور صفق في مرات أخرى بفتور، واحدة من تلك التصفيقات كانت “للرجل الحكيم شمعون بيريز”، بحسب ما وصفه المتحدث، مستذكراً حديثاً “للحكيم” عن “مساعدة الجار الضعيف، والذي يحتاج إلى مساعدة”، (بيريز الذي اقترف مجزرة قانا الأولى ليثبت جدارته كقاتل صهيوني مميز، أي نوع من المساعدة كان يقدمه في هذه الحالة)؟

المتحدث هو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والجمهور في غالبيته هو عشرات من الطلبة الصهاينة، الذين استقبلهم رئيس السلطة في مقر المقاطعة برام الله، وذكرت وسائل الإعلام أنهم يمثلون كافة الاتجاهات في كيان الاحتلال.

قال الرئيس: “أنا سعيد للغاية باللقاء، وكنت أتطلع إليه بشغف ومحبة، لأنني أريد أن ألتقي مع جيل الشباب في إسرائيل”، وبسبب سعادة الرئيس، (وهي تهمني جداً، ليس شيئاً قليلاً أن يكون الرئيس سعيداً) فلا تعليق على الشكل الذي اعتبره البعض تطبيعاً، يبدو الحديث عن التطبيع في هذه الحالة، تعمية على ما هو أخطر بكثير: المفاوضات المتواصلة، وما يحدث فيها من تنازلات عن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وعليه ربما كان من اللازم التوقف عند المضمون، عند ما قاله الرئيس.

بداية فقد كان الكلام مستفزاً لي كثيراً، ولأسباب كثيرة أيضاً، وربما طرح كثيرون ممن استمعوا لخطاب محمود عباس أسئلة كثيرة (أيضاً) حول كيفية تعامل الرئيس مع مشاعرهم، مع وجدانهم وذاكرتهم، وقبل ذلك وبعده مع حقوقهم، خصوصاً وهو يكرر أنه يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، ويردد اسألوا من تريدون من الشعب الفلسطيني؟ بالمناسبة، لم يسألني أحد، ولا أظن أن أحداً سيسألني أو يفكر في الأمر حتى.

جيل متشابه

خاطب رئيس السلطة “ضيوفه من الشباب« الإسرائيلي»” بأنهم من جيل يشبه الجيل الفلسطيني، تحدث عن جيل من الشباب يشبه بعضه بعضاً في كل شيء، وفات الرئيس أن هذا محتل، وذاك واقع تحت الاحتلال، وهذا فرق كبير جداً، فرق بين الظالم والمظلوم، بين الجلاد والضحية، بين المسلح حتى الأسنان، والمأفون بالعنصرية، وبين من استلبت أرضه واقتلع من دياره، وتعرض وجوده لحرب متواصلة.

الرئيس يدعو إلى “ثقافة السلام”، إلى تعميم ثقافة السلام، أحسب أن توضيح الفروق، أهم كثيراً من تعميم افتراضات لا قيمة لها على أرض الواقع، هو بدا في موقع من يعد برشوة كبيرة، تكلم عن مبادرة سلام ستجلب اعترافاً بـ“دولة إسرائيل” من سبع وخمسين دولة عربية ومسلمة، هذه ليست ثقافة سلام، هذا استجداء، “طبعنا مبادرة السلام العربية بالعبرية، عليكم أن تقرأوها” قال الرئيس المعجب بالمبادرة إلى حدود الهوس.

تقدير المخاوف

“نقدر حساسية« إسرائيل» في موضوع الأمن،« إسرائيل» خائفة، قلنا لنأت بطرف ثالث من أجل أن يحمي الأمن في المنطقة، وقبلنا أن يكون هذا الطرف هو الناتو”، “إسرائيل” المعتدية والتي تحتل الأرض وتغتصب حقوق الشعب الفلسطيني، وتملك من الأسلحة ما يوازي السلاح الموجود في عشرات الدول، هذه “الإسرائيل” خائفة، والرئيس (بسلامته) يقدر خوفها، ولذلك قرر ببساطة أن يأتي باحتلال مضاعف إلى بلادنا، ماذا عن خوفنا؟ ماذا عن أطفالنا الذين يرتجفون لمرأى الجنود يقتلون آباءهم، أو يسوقونهم للموت في الزنازين؟ ماذا عن فلاح اقتلعت زيتوناته؟ وأيضاً ماذا عن لاجئ طردته عصابات الناتو من بيته في المخيم فتاه فوق التيه؟ من يتكلم عن الخوف هنا، من يحق له أن يحكي عن الخوف؟

ثمينة وهامة وعظيمة

لا تستعجلوا ولا تشرعوا في تخيل من أي نوع، الرئيس يقصد المبادرة العربية، هو يقول بالنص حتى لا أُتهم بالتزوير والتقول: “المبادرة العربية التي قادتها السعودية، وتعتبر في نظري أهم وأثمن وأعظم مبادرة للسلام (يا حلاوة) والتي قالت عن تطبيع العلاقات.. قالت بالنسبة للاجئين، حل عادل ومتفق عليه” ثم استطرد موضحاً للأجيال الشابة: “مع من؟ مع من الحل بالتفاهم والاتفاق؟ بين إسرائيل والفلسطينيين. أي لا أحد يفرض على أحد شيئاً، ولا أحد يفرض على أحد حلاً”.

لم يصفق “الضيوف” لهذه الفقرة كما حدث حين تكلم الرئيس عن القدس، ربما لم تعجبهم، والكرم مع الضيف واجب، يقولون إنها عادة عربية أصيلة، قال الرئيس مخاطباً ضيوفه: “كل الذي قلناه تعالوا نضع ملف اللاجئين على الطاولة، لأنه لا بد من حلها (قضية اللاجئين) لنضع نهاية للصراع”.

أيضاً لم يصفق أحد، ما هؤلاء الذين لا يرضيهم شيء، لنجرب قولاً آخر، شكا الرئيس طويلاً من اتهامات توجه إليه بأنه يريد تدمير “إسرائيل” بـ“الإرهاب الدبلوماسي”، لم يلمس تعاطفاً، ثم بدا كمن وقع على خلاصة مثيرة، قال: “لا نسعى ولا نعمل على أن نغرق إسرائيل باللاجئين لنغير هويتها”.

ويلاه، لماذا لم تقولوا لنا هذا منذ زمن بعيد، نحن تخيلنا أن البلاد لنا، وأن الغزاة الصهاينة هم من غيروا هويتها وطردونا من أرضنا، هل كذبت علي جدتي، وهي تحكي لي عن قريتنا في أطراف الرملة؟ وهل كان أبي يكذب، وهو يسلمني كواشين الأرض المملوكة لأبيه وجده، ويطلب إلي الاحتفاظ بها؟ وهل نشأنا في المخيمات صدفة؟ وصور الشهداء، ومن ماتوا في الأسر، وقصصنا وكتبنا، والجراح المحفورة على جلودنا، هل هي جميعاً مجرد كذب؟ ونحن الآن نهدد “إسرائيل” بتغيير هويتها؟ (تذكرت شيئاً بالمناسبة، هناك صهاينة يسمون أنفسهم بالمؤرخين الجدد، أكدوا روايات جدتي، كتبوا عن المجازر، وكتبوا عن كيفية اقتلاعنا من أرضنا، وكتبوا أيضاً عن أكاذيب الصهيونية الكبرى)

والأنكى هل المطلوب أن نتفاهم معها على ترتيب منفانا ونهايتنا حتى تحتفظ بهويتها؟ هل المطلوب أن يسلم المقتول رقبته للقاتل مرة أخرى؟ ثم هم ما زالوا يأتون باليهود من كل مكان، ويهودون حيث لا يجدون، فمن يغير هوية الأرض يا رئيس الشعب الفلسطيني؟

بالمناسبة لم يصفق ضيوف الرئيس ممن يحملون “ثقافة السلام” لهذه الطعنة العميقة، التي وجهها إلى ساكني المخيمات والأحلام في آن، لم يصفقوا، لماذا؟ لا أعرف، ربما كان ما سمعوه صادماً، أبعد من التخيل.

استدراكات.. ومنسيات

تكلم الرئيس عن الاستيطان، وعن التحريض، حكى عن لجنة مشتركة كان قد اقترحها برئاسة الأميركيين لمراقبة عمليات التحريض، وتحديد المسؤوليات، الكلام عن الحقوق تحريض، أما القتل المباشر فهو دفاع عن النفس، لكم أن تتخيلوا لجنة أميركية تراقب كتبنا وإذاعاتنا وأشعارنا وقصصنا وأحلامنا الصغيرة، سيكون مطلوباً - والحالة تلك - محاكمة ملايين الفلسطينيين الذين ما زالوا يرفضون مغادرة الحلم، والتخلي عن البديهيات، وحقوقهم في وطنهم وهويتهم.

قال الرئيس إنه استطاع أن يحل مشكلة المياه مع أولمرت بكلمة واحدة: القانون الدولي، وبرأيه فإن القانون الدولي كفيل بحل مشكلات كثيرة، وقال إن القانون نفسه، يتضمن حلولاً لمشكلة تبادل الأراضي، بالمساحات والنسب الملائمة.

لكن الرئيس نسي الأسرى، ربما لم يرد إزعاج الضيوف، ونسي الاعتداءات المتكررة على مدننا وقرانا ومخيماتنا، قصفاً على غزة، وتوغلاً واجتياحاً في الضفة، لم يتكلم عن الحواجز، وفاته التذكير بإنجازات التنسيق الأمني، مع أنها مهمة في هذه المناسبة.

ربما في لقاء آخر، حتى ذلك الحين، كل ما قاله رئيس السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية أيضاً محمود عباس، لا يعنيني في شيء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع نافذ أبو حسنة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010