الاثنين 17 شباط (فبراير) 2014

ذكريات ومواقف....

الاثنين 17 شباط (فبراير) 2014 par فاروق القدومي

يجدر بنا هذه الأيام أن نستعرض بأمانة مراحل الثورة الفلسطينية وتطوراتها منذ انطلاقتها عام 1965، كي نتعرف على أخطائها ومنجزاتها وكيف كانت قيادتها تواجه مصاعبها وخلافاتها البينية.
لا يمكن أن ننكر أن الثورة الفلسطينية قد تعرّضت لأزمات سياسية أو تنظيمية بسبب اقتراف أخطاء تكتيكية عند الممارسات اليومية لفرد أو لأفراد من قيادتها المركزية، كما تعرضت المقاومة لأزمات خارجية استطاعت معالجتها بدراية وروية، هذا عدا المواجهات اليومية الساخنة مع العدو« الإسرائيلي».
بعد أن شنّت إسرائيل عدوانها الغادر والشامل على لبنان الشقيق عام 1982، وحاصرت الثورة في بيروت الغربية لمدة سبعة وثمانين يوماً اضطرت قيادة المقاومة أن تغادر لبنان العزيز، فتوزعت قواتها العسكرية في عدد من البلدان العربية بينما استضافت تونس الشقيقة القيادة السياسية لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وبالرغم من هجرة الثورة بقواتها وكوادرها وقيادتها المركزية الفتحاوية بعيداً عن الأرض المحتلة، سرعان ما انطلقت الانتفاضة الأولى عام 1987 فكانت أعمدتها الفاعلة تتمثل في منظمات الشبيبة بتوجيهات من القائد الشهيد أبو جهاد. كانت أسلحة الشبيبة هي الحجارة والمظاهرات الشعبية والإضرابات المتكررة، وقد شملت الانتفاضة عناصر جديدة من فصائل المقاومة.
لقد فوجئت إسرائيل بزخم هذه الانتفاضة الشعبية ممّا جعل الولايات المتحدة الأمريكية تجري محادثات مع أعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بواسطة وزير خارجية السويد أندرسون الذي قام باتصالات مع المستر شولتس وزير خارجية الولايات المتحدة، وتمّ الاتفاق على إجراء حوار بين وفد فلسطيني وسفير الولايات المتحدة المستر بلترو في مدينة تونس، ولكن هذا الحوار لم ينجح لسبب أو لآخر.
وبالرغم من الآثار السلبية التي تركتها حرب الخليج الأولى التي امتدت عشر سنوات ونيف ،منذ عام 1981 ساهمنا كمنظمة التحرير مع دول إسلامية شقيقة ودول عدم الانحياز في إخماد نارها الملتهبة، علماً أننا عشنا خلالها أياماً قاسية بسبب الحصار السياسي والمالي الذي فُرض علينا.
بعد حرب الخليج الأولى خرجت أمريكا بمبادرتها السياسية- الأرض مقابل السلام- ، وتشكلت لجنة عربية سباعية ننسق فيما بيننا كأطراف عربية.
لقد فوجئنا كأطراف عربية بعد مرور اثنين وعشرين شهراً من المفاوضات المتعثرة أن وفداً فلسطينياً (مفاوضات سرية) قد توصّل مع إسرائيل إلى اتفاق “أوسلو”، الذي يقضي بوجود “حكم ذاتي محدود” لسنوات خمسة، يتمّ بعدها التفاوض على المسائل النهائية (الدولة، القدس، اللاجئين، الأمن، المياه، وغيرها من المسائل الأخرى)، لكن إسرائيل لم تلتزم ببنود أوسلو كعودة النازحين وإعادة انتشار لقواتها في حينها، والحفاظ على نشاط جميع المؤسسات الفلسطينية الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية وبيت الشرق (بمدينة القدس)والأماكن الإسلامية والمسيحية المقدّسة وعدم المساس بوجودها.
في البداية، نظرنا إلى اتفاق أوسلو كتجربة لاختبار مصداقية إسرائيل ومدى احترامها للالتزامات التي تعهدت بتنفيذها، لكننا فوجئنا في شهر ديسمبر عام 1995 باغتيال اسحق رابين ورفض نتنياهو الرئيس المنتخب لاتفاق أوسلو وعدم رغبته في لقاء الأخ أبو عمار (الإرهابي)، علماً أن إسرائيل تبادلت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية مع تحفظ عدد قليل من الإخوة الأعضاء في اللجنة التنفيذية.
لقد بانت النوايا الخبيثة لحكام إسرائيل بعدم تنفيذها لكل ما تمّ الاتفاق عليه، بل افتلعت في تلك الآونة صدامات دامية حول النفق في القدس (1996)وأخرى حول قبر يوسف في نابلس، وتحت الضغوط الأمريكية عقد مؤتمر واي بلانتيشن الهزيل في أكتوبر 1998، ثم تبعه مؤتمر كامب ديفيد في شهر تموز من عام 2000.
بعد ذلك قام شارون بزيارة الحرم الشريف لاستفزاز المواطنين فاشتعلت انتفاضة الأقصى المباركة ولقّنت شارون وزبانيته دروساً قاسية؛ بعدها تعكّر صفو المفاوضات الثنائية، وتكاثرت الوساطات الدولية ولكنها فشلت في عودة المفاوضات الثنائية. أما شارون فأقدم على فعلته الإجرامية بحصاره للقائد العام للثورة الفلسطينية في المقاطعة برام الله، وتدبيره لمؤامرته الإجرامية بعد ذلك.
لقد تزامن حكم شارون مع تولي الرئيس بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت أولى تصرفاته رفض التعامل مع الرئيس عرفات وأصر على استحداث منصب جديد، رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية بصلاحيات كاملة مقترحاً أن يشغله الأخ أبو مازن لإدارة المفاوضات مع إسرائيل.
لا أرى ضرورة لمزيد من التفاصيل بسرد وقائع هذه الفترة بالتفصيل، فقد وقعت فيها كما أسلفنا جريمة تسميم الأخ أبو عمار بتآمر مع أعوان إسرائيل في بداية شهر نوفمبر لعام 2004.
لقد استهل الرئيس بوش حكمه بشن حرب ضروس على الإسلام والمسلمين (ألم يقل أنها حرب صليبية جديدة؟) بحجة مقاومة القاعدة والإرهاب الدولي، ونادى بعدها بالديمقراطية واحتل العراق الشقيق وكان يعتدي على البلدان العربية الأخرى وبصمت دولي. وفي هذه الأثناء نادى بمشروع حل الدولتين، وعندما قدّم العرب المبادرة العربية عام 2002 خرج الرئيس بوش بخريطة الطريق بعدما تمّ احتلال العراق الشقيق وتسريح الجيش والأمن العراقي ثم السيطرة على الثروات النفطية، وعاث فساداً في البلاد وأثار الصراع الطائفي، وكان سبباً في إعدام الرئيس الشهيد صدام حسين.
لم تسلم خارطة الطريق من الاختراقات والعبث بنصوصها فقد نزع الرئيس بوش جوهر الاتفاقية بضماناته الخمسة وقدمها لشارون ليضمن نجاحه في الدورة التالية للانتخابات الرئاسية، ففقدت خارطة الطريق عناصرها الفاعلة، وقد نصّت هذه الضمانات على إنكار وجود شريك فلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل، وأنكرت حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وأقرت بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وأن حدود الهدنة عام 1949 لاغية.
وبالرغم من كل هذه الوقائع المأساوية فقد اضطر شارون أن يخرج قواته العسكرية ويدمر المستوطنات في غزة عام 2005، كل ذلك بسبب المقاومة الفلسطينية النشطة.
بعد استشهاد الأخ أبو عمار سكنت المقاومة وادعت السلطة أن الانتفاضة الثانية هي التي جلبت الفوضى والخراب للضفة الغربية، وعكّرت صفو المفاوضات السياسية. استمرت مرحلة تصفية رجال المقاومة في الضفة الغربية وأركنت السلطة إلى المفاوضات السياسية فقط، وتعزيز التنسيق والتعاون مع سلطات الأمن الإسرائيلية، ثم عيّن الجنرال دايتون مسؤولاًً عن تدريب وقيادة الآلاف من صغار الشباب الذين درّبهم ولقنهم تعليماته لملاحقة رجال المقاومة واعتقالهم ومصادرة أسلحتهم بذريعة الحفاظ على الأمن. لقد قامت إسرائيل بإقامة الحواجز والموانع على كل الطرقات حيث زاد عددها عن 669 حاجزاً عدا نقاط التفتيش المتحركة، لقد أعاقت هذه الحواجز حركة المواطنين وتنقلاتهم فأصاب الاقتصاد الوطني الركود فتضاعفت نسبة البطالة حتى وصلت 87%، وأصبحت الضفة الغربية محاصرة في كل اتجاه، لا دخول ولا خروج إلا بإذن إسرائيلي مسبق.
ومن جهة أخرى نشطت حركة الاستيطان ومصادرة إسرائيل للأرض الفلسطينية، وأقيمت العشرات من البؤر الاستيطانية، وتزايد عدد المستوطنين في الضفة الغربية وحول القدس الشريف وداخلها.
أصبح الجنرال دايتون يتحكم بمستقبل الضفة الغربية وأهلها ويفاخر بالتعاون الأمني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال يمارس عمليات القمع والمطاردة والاعتقال لمجرد الشبهة.
أصبحت المقاومة بعد كل هذه الإجراءات التعسفية من المحرمات، ويعاقب بالسجن كل من يتهم بها وأصبحت المفاوضات السياسية عبارة عن لقاءات عائلية في منازل المسؤولين الإسرائيليين بالقدس المحتلة.
جرت انتخابات عامة مرتين في ظل الاحتلال الإسرائيلي باسم الديمقراطية الزائفة ليأتوا بأناس من غير المناضلين حملة السلاح، لكي تتقبل الجماهير مناهج الحياة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ولكي يستكينوا للتعامل مع السلطات الإسرائيلية الحاكمة وعدم مقاومتها.
لقد جلبت لنا الانتخابات فصلاً للضفة الغربية عن قطاع غزة وتصاعدت الخلافات الفلسطينية فكان الحوار الوطني بإشراف عربي عجز عن التوصل إلى حلول مقبولة حتى الآن، لقد تشدّد الحصار على شعبنا في قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي في شهر يناير عام 2008، وبالرغم من الخراب الذي أحدثته الهجمة العدوانية المجرمة، ما زال المواطنون ينتظرون مشاريع التعمير التي لم تبدأ حتى الآن ويرى البعض أن عدم حل الخلافات الفلسطينية أعاق بدء مشروع التعمير وأجّل فتح المعابر وفكّ الحصار عن المواطنين.
غرق البعض من العاملين في السلطة الفلسطينية في جمع المال الحرام وتمرغوا في قضايا الفساد والتهريب، وكان الإسرائيليون يغضون الطرف عن أعمالهم...
هل قرأتم في التاريخ عن قادة حركات ثورية كانوا يملكون الملايين من الدولارات أو الجنيهات الاسترلينية، هم أو أبناؤهم؟ ، وهل سمعتم بقادة ثورة أو مقاومة وطنية ما زالت بلادهم محتلة يتعاونون مع أعدائهم الذين يحتلون بلدهم، ثم ينتقلون علناً بطائرة خاصة مع حراساتهم من بلد لآخر في رحلات سياحية؟ هل سمعتم بمسؤولين يجنون الضرائب والرسوم الجمركية لحساباتهم الخاصة؟ وهل مرّ عليكم في التاريخ المعاصر أن تهدّد قيادة ثورة بوقف صرف رواتب العاملين ومخصصات المناضلين إن لم يتمردوا على قادة آخرين من رفاقهم أو يتجسسوا عليهم؟ كم من الآلاف المؤلفة من قدامى المناضلين وأصحاب الخبرات الطويلة أقيلوا أو أحيلوا على التقاعد أو استغني عنهم واستبدلوا بفئة من صغار السن بلا علم ولا خبرة تؤهلهم لتسلم مواقع حساسة.
ألا يشعر قادة السلطة أن زحف الاستيطان والمستوطنين يقترب من اماكن تواجدهم ..؟؟
هل استكان الرواد الأوائل من أبناء فتح حتى ينسوا مبادئ الثورة وبرامجها السياسية؟ لا أعتقد أيها الرواد فالأيام القادمة حبلى بالأحداث والتطورات، وستبدي لكم الأيام ما كنتم تجهلون.

وثورة حتى النصر

فاروق القدومي “أبو لطف”



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2177298

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف كتاب قيادة الانقاذ فتح  متابعة نشاط الموقع فاروق القدومي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2177298 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40