الأحد 16 شباط (فبراير) 2014

حين تُصبح الأخطاء خطايا

الأحد 16 شباط (فبراير) 2014 par خيري منصور

إذا كانت معرفة السبب تبطل العجب، فإن العودة مجدداً لقراءة التاريخ القريب منه والبعيد قد تبطل كل هذا العجب الذي أوشك أن يحول اللغة كلها إلى علامة تعجب!
فما يحدث الآن ليس نبتاً شيطانياً منقطع الجذور عما جرى بالأمس، وعلى سبيل المثال فإن الاستبداد ليس من اختراع عصرنا وكذلك الفساد، فالتاريخ لم يكن ذات يوم يوتوبيا محررة من كل هذه الشرور والشوائب . وقد يتطور تعريف الفقر بحيث لا يصبح فقراء اليوم كفقراء الأمس، ما دام الاستهلاك قد أضاف إلى الفقر أبعاداً أخرى، ولم يعد مجرد الحاجة إلى الضروريات من مسكن وملبس وغذاء . فقد يتصور من لا يملك منجزات التكنولوجيا في آخر موجاتها أنه فقير لكن بمقياس آخر . وحين يحلل المؤرخون أسباب انهيار امبراطوريات كانت مترامية الأطراف وتغطي مساحات شاسعة من هذا الكوكب لا يجترحون معجزات بل يبحثون عن عوامل التحلل والانهيار وفقدان الهدف، وقد تكون الامبراطورية الرومانية نموذجاً .
ومن ثورة سبارتاكوس حتى آخر تمرد في العالم، هو نتاج خلل في التوازن ببعديه الاجتماعي والنفسي، لأن الإنسان يرفض التأقلم مع واقعه الغاشم والشروط التي تحاصره إذا اتسعت المسافة بين الحلم والقدرة على تحقيقه، وهذا الانفراد أو الامتياز الآدمي هو ما جعل الإنسان تاريخاً بخلاف سائر المخلوقات رغم أن بعضها كالنمل والنحل له ممالك بالغة التعقيد والتراتبية، لكن بدافع الغريزة وصراع البقاء .
قد تبدو بعض الأحداث التي نشهدها الآن مثيرة للدهشة، ليس لغرابتها أو ندرة حدوثها بل لجهلنا بما سبقها مما يماثلها وهذا ما عبر عنه جورج سانتيانا حين قال إن الذين يجهلون التاريخ قدرهم أن يكرروا أخطاءه وقد يضاعفونها بسبب تطور الحياة بحيث تصبح خطايا .
والموضوعات الأكثر سخونة التي يعزف على أوتارها مثقفون وناشطون هذه الأيام ومنها الفقر والبطالة بالمعنيين الاقتصادي والسياسي هي المادة الخام الأساسية للتاريخ برمته . فلم يحدث أن ثارت شعوب لمجرد أنها ترغب في ذلك . أو طفح الكيل بإنسان لمجرد أنه يشتهي المغامرة .
إن الدوافع البدائية لكل الحراكات الإنسانية لم يطرأ عليها أي تطور يحررها من قوة الغرائز، وما طرأ هو فقط التقنيات والأساليب في محاولة إشباعها .
وقد يكون من التكرار الممل دعوة أهل هذا الزمن إلى العودة قليلاً إلى التاريخ كي يدركوا بأن ما يحدث، سبق له أن حدث، وسيظل يحدث أيضاً ما دامت الأسباب تتكرر .
ولو أخذنا مثالاً واحداً عن الصراعات الدموية التي عانت منها أوروبا بين التنوير ومضاداته الظلامية لوجدنا بأننا كعرب لانزال في أول السطر، رغم كل ما يعج به تاريخنا الحديث من هذه الصراعات، وفي عشرينات القرن الماضي طورد مفكرون ورواد تنوير وكانت لبعضهم مصائر مأساوية . لكن أفكارهم لم تدفن معهم وهي التي تضيء لنا الطريق في الغابة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2181815

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181815 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40