الأحد 16 شباط (فبراير) 2014

مصر فوق المناكفة

الأحد 16 شباط (فبراير) 2014 par أمجد عرار

المناكفة السياسية لا تعرف كبيراً أو صغيراً، فهي أحياناً تظهر مسؤولين في دول عظمى بثوب المراهقة السياسية . خذ مثلاً: نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف تقول إنه ليس من حق أمريكا أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يقررا من سيحكم مصر . هذا الكلام ليس إنشاء من فراغ، بل جاء رداً على تصريحات للرئيس الروسي خلال استقباله وزير الدفاع المصري المشير عبدالفتاح السيسي . لكن بوتين لم يقل إن موسكو ستعيّن هذا أو ذاك لرئاسة مصر، بل أبدى تأييده لترشّح السيسي، وهي تدرك أن القرار في النهاية سيعود للشعب المصري في الانتخابات المقبلة .
كان على واشنطن أن تنتقد، مثلاً، مواقف أنقرة التي تجاوزت كل الحدود الدبلوماسية وتتعامل باستعلائية مفرطة مع مصر، بل كشفت عن أدنى مستويات اللباقة الدبلوماسية في تكريسها العلاقة مع جماعة حزبية وليس مع مصر كدولة . كان على واشنطن أن ترد على تصريحات أنقرة التي قالت إنها لن تعترف بنتائج أي انتخابات مقبلة تجري في مصر، ما يعني أنها تدعم استمرار الفوضى والعنف في هذا البلد، وهي تدرك تمام الإدراك أن مصر لن تعود إلى الوراء وأن الخيار الوحيد المتاح هو مواصلة خريطة الطريق التي أقرها الجيش ومعه مؤسستا الأزهر والكنيسة، وكل القوى السياسية باستثناء الإخوان، لكن بمشاركة إسلاميين بينهم “حزب النور” الذي كان حليفاً لهم .
واشنطن نفسها سبق لها أن أعلنت تأييدها للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، ذلك الإعلان الذي أشعل الغضب في الشارع المصري ونجمت عنه تظاهرات سقط فيها قتلى وجرحى . وفي انتقادها للموقف الروسي إنما تمارس لعبة الازدواجية إياها، إذ تحجر على الآخرين مما يصدر عنها من مواقف سياسية، وأحياناً ما تقوم به من تدخّلات فاضحة في شؤون الدول .
في الأزمات تتناسب الخيارات عادة على نحو طردي مع حدة الأزمة، وتكون المخارج أشد وضوحاً كلّما كانت الأزمة أكثر حدة . وفي الأزمات كذلك يجب أن تستند المعالجات إلى الواقع وليس إلى الرغبات والتمنيات ولغة العواطف . لذلك، لا يستطيع أحد أن يدعي حرصه على مصر ومستقبلها في حين يناصب خريطة مستقبلها العداء . فالواقع المصري يقول إن القوى التي استجابت للإرادة الشعبية الجارفة بعد 30 يونيو، لا يمكنها أن تسلّم مفاتيح مصر لواشنطن أو أنقرة، ولا يمكنها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء . وسواء قبلت هذه العاصمة أو تلك هذا الواقع، فإن عليها بالحد الأدنى أن ترهن موقفها باستناده إلى المعايير الديمقراطية الناشئة بعد عقود من الحكم الفردي في مصر . وهذا يتأتى بمنح الفرصة للنظام السياسي الجديد أن يتشكّل عبر نسخة جديدة محدّثة من الانتخابات، إذ يعلم الجميع أن الانتخابات التي تلت رحيل مبارك جاءت في ظروف غير عادية، وفي ظل عدم نضوج الظروف وتشرّبها الحد الأدنى للشرط الديمقراطي .
لا يستطيع أحد أن يدّعي بأن ظروف الديمقراطية وشروطها قد اكتملت ونضجت الآن، لكن ليست هناك خيارات أخرى سوى تأييد الخيار الوحيد المتاح . ومن يدّعي الحرص على مصر وشعبها، فإنه مطالب بإقناع جميع القوى المصرية، بما فيها “الإخوان” بالمشاركة في العملية السياسية، على قاعدة نبذ العنف والاحتكام لصناديق الاقتراع، لأن مصر سيدة نفسها وفوق أية مناكفة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165454

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165454 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010