الأحد 16 شباط (فبراير) 2014

إرهاب التكفيريين مظهر لجوهر

الأحد 16 شباط (فبراير) 2014 par علي جرادات

المخاطر المحدقة بالأمة العربية ثقافة وطنية وقومية وسلطات مركزية ومجتمعات مدنية ووحدة جغرافيا وكيانات وطنية وأعمدة منعة عسكرية وقضائية واقتصادية ليست مخاطر عابرة، بل مخاطر مرحلة سياسية اجتماعية ثقافية جديدة عنوانها الأساس تفكيك أواصر الدولة القُطرية العربية لا لمصلحة وحدة قومية، إنما لتمزيقها بسيناريوهات مختلفة إلى دويلات متحاربة سواء بالمعنى الرسمي كما وقع في السودان، أو بالمعنى الواقعي كما هو حاصل في العراق وليبيا .
هذا علماً أننا في الحالات كافة أمام مخاطر ديناميكيات فتاكة متصاعدة لتحويل الدول العربية إلى دول فاشلة كحالة توفر الذريعة والغطاء للتدخلات الأجنبية المباشرة بأشكالها وجنسياتها التي تنتهك الاستقلال والسيادة الوطنييْن وتعمق أشكال التبعية والإلحاق والارتهان وتعزز مكانة وسيطرة وتفوق أعداء الأمة، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني ورعاته الغربيون بقيادة الولايات المتحدة، ثم باتكاء إدارة أوباما على راهن الوضعية العربية لتمرير “خطة كيري” الرامية إلى تمديد المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” العقيمة والمدمرة، بل وتحويلها إلى مفاوضات على “اتفاق إطار” يتبنى، (وإن بضبابية تستهدف الاستدراج)، المطالب الصهيونية وناظمها الأساس مطلب الاعتراف ب “إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي” المساوي للاعتراف بأطماع الحركة الصهيونية كما صاغها ثاني رؤسائها حاييم وايزمان بالقول: “نريد فلسطين يهودية كما هي بريطانيا بريطانية وهولندا هولندية”، ما يعني أن ثمة خطة لتصفية القضية الفلسطينية حتى وإن تم تبليعها للفلسطينيين بحيلة: “وافقوا وتحفظوا” مقرونة برشاوى: تسهيل الحركة، وزيادة الدعم المالي للسلطة، والإفراج عن دفعة أخرى من الأسرى . . . الخ إنما مع مواصلة كل أشكال الاستباحة وإجراءات مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها والسيطرة عليها .
إذاً، لسنا أمام أزمة تعيشها دولة عربية واحدة، بل أمام أزمة عامة تشمل دول أقطار الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه، ذلك بمعزل عن تباين حدتها بين دولة وأخرى، وبغض النظر عن أن هذه الدولة أو تلك لم تدخل الأزمة بشكل مباشر، بل بشكل غير مباشر، أي بفعل تداعيات أزمات دول أخرى . وبالتحديد بفعل مفاعيل وتداعيات أزمات أقطار الثورات الشعبية العربية التي ما انفكت غارقة بتفاوت في أشكال وأشكال من نشر الفوضى وانتشار وتعاظم إرهاب الجماعات التكفيرية المشبوهة التي ما انفكت تمارس كل أشكال التقتيل والتذبيح والتخريب والتفجير والتفتيت والاحتراب الديني والطائفي والمذهبي والجهوي في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان ومصر وليبيا وتونس والحبل على الجرار .
هنا يثور السؤال الأساس: هل كانت الثورات الشعبية العربية منذ البدء بفعل مؤامرة؟ في ظني: لا، إلا بالمعنى غير المباشر للكلمة، أي بمعنى أن لجوء الأنظمة إلى الخيارات الأمنية- والعسكرية أحياناً- لمعالجة الفوران الشعبي السلمي هو ما أعطى الذريعة والغطاء لمريدي عسكرته وتفتيت قواه ومفاعيله وتخريبه وتشويه صورته وحرف بوصلته وركوب موجته، (أهدافاً ومسيرة وصيرورة وتطلعات)، بهدف تفكيك وحدة دوله وشعوبه ومجتمعاته وضرب أعمدة منعتها القضائية والعسكرية والمجتمعية والاقتصادية وصولاً إلى تحويلها إلى دول وشعوب ومجتمعات فاشلة . ما يعني أن لا علاقة لذلك كله من قريب أو بعيد سواء بالقوى الشبابية والسياسية والمجتمعية الوطنية التي أطلقت شرارات هذه الثورات، أو بالأسباب والعوامل الموضوعية لتفجرها، أو بأهدافها ومطالبها وتطلعاتها .
لكن في الحالات كافة بما فيها استبعاد نظرية المؤامرة فإن ثمة سؤالاً كبيراً يبحث عن إجابة: أليس من السذاجة السياسية بمكان تصديق أو تخيل أنه كان بمقدور جماعات الإرهاب التكفيري ومفرختها جماعة “الإخوان المسلمين” توليد مرحلة أزمة سياسية اجتماعية ثقافية عربية شاملة بإمكاناتها المالية والتسليحية الذاتية . يقيناً لا . أما لماذا؟ أولاً بسبب ما يتوافر من أدلة ومعطيات ملموسة كثيرة ودامغة حول ما تتلقاه هذه الجماعات، وأصلها جماعة “الإخوان المسلمين”، من دعم مالي وتسليحي وتأييد سياسي وإعلامي إقليمي ودولي غربي يحرص أصحابه على سريته أو على التذرع بنبل أهدافه عبر
تلبيسها لبوس الدفاع عن مبادئ حماية الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والرأي الآخر، بل وحماية الثورة ومطالبها
أيضاً .
ولكل متشكك في هذا الدعم أن يطلع، (مثلاً)، على ما كشفه رئيس الوزراء الليبي السابق محمود جبريل في مقابلة صحفية مطولة من معطيات مذهلة حول ما قدمته دول غربية وإقليمية من دعم سياسي وإعلامي ومالي وتسليحي لجماعة “الإخوان المسلمين” و“أخواتها” أو تفريخاتها التكفيرية بهدف محاصرة وتهميش دور القوى الوطنية الديمقراطية الليبية سواء قبل أو بعد إطاحة نظام القذافي . أما ثانياً فبسبب أن أي تحليل منطقي لا بد أن يجيب عن الأسئلة المحيرة والحائرة التالية:
* أولاً: هل لعاقل أن يصدق أن بمقدور أي تنظيم سياسي خارج السلطة أن يوفر بجهد ذاتي، أي من دون دعم دولة أو دول، كل هذه القدرات والإمكانات المالية والتسليحية الهائلة المتوفرة للجماعات الإرهابية التي تعيث في الوطن العربي فساداً وتخريباً ونشراً للفوضى والفتن بأشكالها؟
* ثانياً: هل لغير “أهبل سياسي” أن يصدق أن شمول هذه الموجة غير المسبوقة من الإرهاب التكفيري لأغلب أقطار الوطن العربي، ولمراكز قوتها بالذات، لا صلة له بالمشروع القديم الجديد لتقسيم وتجزئة وتفتيت وإضعاف وإعاقة تقدم العرب، ذلك منذ تم تقسيم وطنهم بمعول اتفاقية سايكس بيكو، ،1916 وإصدار وعد بلفور، ،1917 الذي أسس لزراعة الكيان الصهيوني في فلسطين؟!
* ثالثاً: هل لكل من لا يزال يحترم عقله أن ينسى أن بدايات ظهور هذه الجماعات التكفيرية “الإسلاموية” المتطرفة الدموية كانت في أفغانستان في نهاية سبعينات القرن العشرين الماضي، وأن أجهزة المخابرات الأمريكية بالتنسيق مع أجهزة مخابرات غربية وإقليمية هي من أمدها بالمال والسلاح لمواجهة الاتحاد السوفييتي آنذاك .
بقي القول: إزاء ما تقدم صار ثمة حاجة لتشكيل جبهات وطنية قومية ديمقراطية في الأقطار العربية كافة تنسق فيما بينها بالمعنى الشامل للكلمة لمواجهة إرهاب هذه الجماعات التكفيرية الذي لا يعدو كونه مظهراً لجوهر مشروع استعماري غربي قديم تتغير أشكاله وتجلياته وذرائعه وتتبدل جهات قيادته بينما هدفه ثابت لا يتغير: كبح أي تقدم وتطور سياسي اجتماعي اقتصادي في الوطن العربي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2178059

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178059 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40