السبت 8 شباط (فبراير) 2014

كيري ومسؤولية فشل “حل الدولتين”

السبت 8 شباط (فبراير) 2014 par د. محمد السعيد ادريس

التصريح الذي ورد على لسان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي على هامش مؤتمر الأمن الدولي الذي عقد مؤخراً في ميونيخ والذي حذّر فيه “إسرائيل” من خطورة تسويفها أو إفشالها للمفاوضات التي يشرف عليها هو شخصياً بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، يطرح العديد من الأسئلة المهمة، أبرزها سؤالان رئيسيان، أولهما يتعلق بمدى جدية تهديدات كيري، وهل في مقدوره أو في مقدور رئيسه أو كل إدارته الوقوف مرة واحدة جادة في وجه الغطرسة “الإسرائيلية” الرافضة لكل مساعي السلام وكل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالسلام العادل والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟ والثاني يتعلق بالخيارات الفلسطينية والعربية في حالة فشل جولة مفاوضات كيري الراهنة وما بعده من “اتفاق إطار” لتحقيق تسوية من منظور قومي ما زال يؤمن، رغم كل المتغيرات، بأن الصراع مع الكيان الصهيوني “صراع وجود وليس صراع حدود”، وهو بالمناسبة جوهر العقيدة السياسية لرئيس الوزراء “الإسرائيلي” الحالي بنيامين نتنياهو وحزب الليكود الذي حرص على التأكيد عقب اجتماع لمجلس وزرائه في مايو/ أيار 2013 على أن النزاع “الإسرائيلي” الفلسطيني ليس على الأراضي، بل على وجود دولة “إسرائيل” نفسها .
المفارقة المثيرة هنا أن التساؤل عن جدية كيري ورئيسه وإدارته في مواجهة “إسرائيل” في حال تعمدها إفشال المفاوضات التي يشرف عليها، أجابت عنه كريستين فوكس القائمة بأعمال نائب وزير الدفاع الأمريكي، ربما في اللحظة التي كان يهدد فيها كيري “إسرائيل” .
فإذا كان كيري قد أعلن في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي أن “إذا فشلت المفاوضات مع الفلسطينيين سيتبين أن ازدهار وأمن”إسرائيل“ليسا سوى وهم مؤقت . حملة نزع الشرعية عن”إسرائيل“والمقاطعة الدولية ستزداد، وستواجه”إسرائيل“أخطاراً أكبر”، فإن كريستين فوكس بددت جذرياً كل وهم عن احتمال تخلي أمريكا عن ضمان واستمرار التفوق النوعي العسكري “الإسرائيلي” على كل دول المنطقة . ففي أعقاب اجتماعها مع المدير العام لوزارة الحرب “الإسرائيلية” دان هيل أعلنت أنه تم بحث ضمان التفوق العسكري “الإسرائيلي”، كما أعادا التأكيد على قوة العلاقات الدفاعية الأمريكية “الإسرائيلية”، وكان أبرز مؤشرات الوفاء الأمريكي بهذه التأكيدات هو القبول بإعطاء “إسرائيل” دون غيرها من كل دول العالم أحدث الطائرات العسكرية الأمريكية من طراز )(V-22 OSPREY وهي طائرة نفاثة - حوامة هجومية تعمل بتقنية المراوح القابلة لتغيير الاتجاه، إذ تجمع بين القدرات على الإقلاع والهبوط العمودي مثل الطائرات المروحية مع سرعة التحليق العالية، وقد صممت من أجل القوات الخاصة الأمريكية .
أما الرد الحاسم والسريع على تهديدات كيري، فجاءت على لسان نتنياهو الذي أعلن أن “أي ضغط على”إسرائيل“لن يثمر، ولن يدفعني نحو المساومة على المصالح الحيوية ل”إسرائيل“، وفي مقدمتها الأمن” .
حققت الولايات المتحدة إنجازين باهرين للكيان الصهيوني، الأول مع جامعة الدول العربية، والثاني مع السلطة الفلسطينية . فالوفد الوزاري العربي الذي زار واشنطن للتهيئة لخطة التفاوض الأمريكية الحالية، أخذ مبادرة بتحفيز وطلب أمريكي استهدفت تعديل ما يسمى ب“مبادرة السلام العربية” بإقرار ما سمي ب“خطة أو مبدأ تبادل الأراضي” بين الفلسطينيين و“الإسرائيليين” بما يتيح للكيان الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، حيث يقيم أغلبية المستوطنين (المستعمرين)، بينما يحصل الفلسطينيون على أراض تحت ما يسمى ب“السيادة الإسرائيلية” حالياً كتعويض . هذا المبدأ هو مرتكز “اتفاق الإطار” الذي يعده كيري ويتفاوض وفقاً له .
أما الإنجاز الثاني فكان قبول السلطة الفلسطينية بضغوط وتعهدات من الوفد الوزاري العربي المذكور بعدم الانضمام لهيئات الأمم المتحدة بعد حصولها على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، والتعهد بعدم ملاحقة “إسرائيل” قضائياً في المحافل الدولية إذا ما تم طرح المبادرة الأمريكية للسلام، والمقصود هنا هو المفاوضات الحالية التي يشرف عليها كيري .
حسم نتنياهو الأمر بعدم الرضوخ لأي تهديد أمريكي له مدلوله المهم في الأزمة المثارة الآن بين الخارجية الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية”، بسبب الإهانات القاسية التي وجهها موشي يعلون نائب رئيس الحكومة وزير الحرب لوزير الخارجية الأمريكي، رداً على مقترحاته التفاوضية، وخاصة “الخطة الأمنية” الواردة في تلك المقترحات، ما يعني تضامن نتنياهو مع يعلون في جوهر موقفه رغم ضغوطه عليه للاعتذار عن الإساءة الشخصية لكيري .
في هجوم على جون كيري، اتهم موشي يعلون الوزير الأمريكي بأنه “لا يعرف ما يحاول التوصل لاتفاق حوله”، وأنه “جاء بحركة استحواذ غير مفهوم وشعور بأنه المنقذ المخلص” .
من هنا تمتد العبثية حتماً إلى ما يسمى ب“مشروع حل الدولتين”، فما يريده “الإسرائيليون” هو كل أرض فلسطين . ما كتبه كل من نداف شرغاي في صحيفة “إسرائيل اليوم” عن المنظور العقائدي “الإسرائيلي” للقدس، وموشي أرينز وزير الحرب الأسبق في “هآرتس” عن “الدول الفلسطينية الثلاث”يؤكد أن مشروع السلام “الإسرائيلي” ليس له أدنى علاقة من قريب أو من بعيد بإقامة دولة للشعب الفلسطيني أو حتى إقامة منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين على أراضي الضفة وغزة .
وجه شرغاي حديثه إلى كيري بخصوص ما يجب الوعي به بالنسبة إلى القدس فقال: “يجب على كيري أن يسمع منا أننا لا نسكن القدس وأماكن أخرى في أرض”إسرائيل“من أجل الأمن، بل من أجل صلتنا بها، وبفضل الحق لا أقل ولا أكثر” .
أما موشي أرينز فيرى أن القبول بالانسحاب “الإسرائيلي” من الضفة الغربية (يهودا والسامرة) معناه السماح بوجود ثلاث دول فلسطينية مقابل دويلة “إسرائيلية”، والثانية هي فلسطين الغربية (الضفة)، والثالثة هي فلسطين الجنوبية (قطاع غزة) . وما يراه هو أن دولتين كافيتان للفلسطينيين: فلسطين الشرقية، وفلسطين الجنوبية، وضم فلسطين الغربية (الضفة) للدولة “الإسرائيلية” .
النتيجة هي سقوط حتمي لحل الدولتين، بل سقوط مؤكد مع فشل مؤكد لمفاوضات كيري . وتبقى المسؤولية العربية والفلسطينية هي البحث عن الحل البديل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2180853

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180853 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40