الجمعة 7 شباط (فبراير) 2014

استحالة “الاستدارة” التركية

الجمعة 7 شباط (فبراير) 2014 par د. محمد نور الدين

حظيت زيارة رئيس الحكومة التركية إلى طهران باهتمام المراقبين، إذ إنها الأولى له منذ عامين . ولقد اضطربت العلاقات بين البلدين بسبب الوضع في سوريا وسعي تركيا لإطاحة النظام السوري مقابل دفاع إيران عن النظام . وتوترت العلاقات لاحقاً بعدما نصبت تركيا نظام الدرع الصاروخية الأطلسي في ملاطية الذي يستهدف الصواريخ الإيرانية والروسية .
لكن يجب أن نشير بداية إلى أن العلاقات بين تركيا وإيران منذ أكثر من ثلاثمئة عام اتسمت بالثبات وعدم حصول أية حروب متبادلة رغم الخلافات والتباينات السياسية والتاريخية والمذهبية والتنافس القائم بينهما . بل إن كفة المصالح ولاسيما الاقتصادية كانت تغلب على النواحي الأخرى . لذا فإن الطموح ليصل حجم العلاقات التجارية بينهما إلى 30 مليار دولار ليس صعباً .
لكن خارج العلاقات الثنائية المباشرة كانت العلاقات بين البلدين في غاية التنافس والحاد أحياناً كما هو الأمر حول سوريا والعراق والقوقاز الجنوبي، أي فيما يتعلق بالصراع الأذربيجاني - الأرمني ووقوف إيران إلى جانب الأرمن ضد الآذريين الذين ينسقون مع “إسرائيل” وتركيا .
غير أن الزيارة حفلت بعنوان كبير، راهن عليه البعض، وهو إمكان تغيير تركيا موقفها من سوريا . وهنا يتجاوز الأمر الزيارة الأردوغانية إلى طهران للوقوف عند العديد من الإشارات التي تجيب عن هذا التساؤل المهم .
ذلك أن تركيا واجهت خلال العام المنصرم ،2013 أحد أسوأ الانتكاسات والانكسارات في سياستها الخارجية . من جهة لم ينجح رهانها على إسقاط النظام السوري بل انعكس تداعيات على الوضع الحدودي والعلاقة مع بعض التنظيمات المسلحة في سوريا . وخسرت أيضاً العديد من الدول بسبب موقفها من “ثورة 30 يونيو” في مصر، وخسارة إحدى أهم ركائز مشروعها الشرق أوسطي وهو نظام الإخوان المسلمين في مصر . وقد تحولت مصر لجهة اهتمام أردوغان وفريقه بمن فيهم الرئيس عبدالله غول، الذي يراهن البعض على “اعتداله”! إلى ما يشبه الولاية الداخلية في تركيا من دون مراعاة أدنى مبدئيات عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلد آخر .
خروج تركيا من مصر وتضرر علاقاتها مع معظم دول الخليج العربي، أضاف ترنحاً آخر لمشروع “العثمنة الجديدة” الذي وضع أسسه وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو وتبناه أردوغان ومشى فيه كل حزب العدالة والتنمية .
وفي ظل عدم تقدم العلاقات مع “إسرائيل” لأسباب داخلية تركية وليس لأن أردوغان يعارض هذه العلاقة، باتت تركيا في عزلة كاملة . وإذا أضفنا الضغوط الداخلية التي واجهها أردوغان ولا يزال مثل انتفاضة تقسيم وحديقة غيزي، وأخيراً انفجار الفساد الذي تورط فيه وزراء وقادة من حزب العدالة والتنمية بمن فيهم نجل أردوغان، (بلال)، فقد سعى أردوغان إلى محاولة فتح كوة في جدار الحصار هذا ووجد أن العلاقات مع إيران تفيده على الأقل لمنع انهيار أحد السدود التي تحمي بقاءه في السلطة وهو الشأن الاقتصادي . لذا كانت زيارته إلى إيران ومع رفع جزئي للعقوبات على طهران بمثابة الجرعة التي تساعده على البقاء . تقف هنا حدود المتغير التركي، ولا تتجاوزها إلى السياسة سواء في سوريا أو العراق . ذلك أن مشروعاً كبيراً وعميقاً بحجم مشروع الهيمنة على المنطقة كلها عبر جماعات الإخوان المسلمين والاقتصاد القوي وسياسة تكسير المراكب وحرقها بشعارات حادة يجعل من هذا المشروع لا يتقبل ولا يستطيع تقبل أي تغيير فيه . فقد وضع المشروع التركي أمام معادلة واحدة دون سواها: إما ان ينتصر وإما أن ينهزم .
ولقد انهزم المشروع التركي على الأقل سياسياً ولن ينفع معه أي تغيير جديد حتى على الصعيد الشكلي أو اللفظي . إذ إن أي تغيير سوف يجابه بشكوك هائلة بعدما انكسر جدار الثقة الذي كان بني بين تركيا والدول العربية في السنوات الأخيرة بعد عقود من التوترات والحساسيات .
كما إنه من غير الممكن أن ينهار المشروع ولا ينهار صانعوه فيبقون في الحكم . ربما باستطاعة أردوغان وفريقه أن يبقوا في السلطة لسنوات إضافية لأسباب داخلية إيديولوجية لكنها مجرد عدّ لأيام أو سنوات لمشروع فقد قيمه الأخلاقية (الفساد والقمع والاستبداد) ومصداقيته الخارجية (الهيمنة والتفرد) وانتهى . ومنطق التاريخ يقول إن من غير المنطقي ولا الممكن أن ينهار المشروع ولا يرحل صانعوه ورعاته .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165480

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165480 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010