الاثنين 12 تموز (يوليو) 2010

من قال إننا لسنا أمة عربية واحدة؟

الاثنين 12 تموز (يوليو) 2010 par فيصل القاسم

مخطئ تماماً من يعتقد أنه لم يعد هناك جامع يجمع العرب، ويوحدهم وحدة لا نظير لها عالمياً في عصر الفرقة والتشرذم والتناحر وملوك الطوائف. على العكس من ذلك، فإن الروابط المشتركة التي تجمع العرب أكثر بعشرات المرات مما يفرقهم. دعك من التاريخ المشترك، والدين الواحد، واللغة الواحدة، التي يحاول العرب التبرؤ منها يوماً بعد يوم، فهناك روابط توحد العرب من المحيط إلى الخليج أكثر من كل الشروط الألمانية لصناعة الأمة.

قلما تجد أمة في هذا العالم متجانسة في تخلفها وتصرفاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والإعلامية كما هو الحال بالنسبة للعرب. فعلى صعيد أنظمة الحكم مثلاً، قلما تجد أي فرق بين الأنظمة الحاكمة، مما يجعلها تقريباً نسخة كربونية عن بعضها بعضا. باختصار فقد توحد نظام الحكم العربي بشكل واضح، مما يجعل جامعة الدول العربية الأكثر انسجاماً وتجانساً من حيث طبيعة الأنظمة المنضوية تحت لوائها. وهو أمر لن تجده في أي تكتل سياسي آخر، لا في أوروبا ولا في آسيا ولا في إفريقيا، فالاتحاد الأوروبي مثلاً أقل توحداً من الجامعة العربية، سيما وأنه يضم الزعماء المختلفين سلطوياً، بينما باتت جامعتنا الغراء تضم صنفاً واحداً لا شريك له من أنظمة الحكم.

وحدث ولا حرج عن الوئام الأمني منقطع النظير بين الأنظمة العربية، فوزراء الداخلية ورؤساء أجهزة الأمن من كلا الجانبين لا يفوتون اجتماعاً واحداً في تونس الخضراء للتنسيق فيما بينهم، مما يجعلهم الأكثر اتحاداً وتوافقاً، وكأنهم عائلة واحدة لا يأتيها الخلاف لا من بين يديها ولا من خلفها؛ كي تكون دائماً بالمرصاد لكل من ينبس ببنت شفة ضد هذا النظام أو ذاك. وبالتالي فإن هذا الاتحاد الأمني الرهيب لا بد وأن يخلِّف شعوباً من طينة واحدة، ديدنها المشترك الانبطاح والرضوخ الكامل، وهذا بدوره يجعل الشعوب العربية الأكثر وحدة وانسجاماً من حيث الركوع والاستكانة، بحيث لا تجاريها شعوب أخرى حتى في إفريقيا. ولنتذكر كيف أحرق الشعب الكيني الأخضر واليابس احتجاجاً على تزوير الانتخابات بنسبة خمسة بالمائة، بينما لا تحرك الشعوب العربية ساكناً احتجاجاً على تزوير إرادتها مائة بالمائة.

زد على ذلك أن تلك الشعوب العربية يجمعها عامل مشترك قوي جداً، ألا وهو أنها جميعاً تعاني الفقر والفاقة وحتى الجوع أحياناً، فأينما وليت وجهك ستجد اختلالاً رهيباً في توزيع الثروة بين أنظمة متخمة وشعوب لا تجد قوت يومها إلا بصعوبة فائقة. وكل ذلك بفضل الاتحاد الأمني العظيم الذي يجعل أجهزة الأمن الجمهورية والملكية على قلب رجل واحد يحمي الفساد والاستبداد بأسنانه. وهذا بدوره يجعل كل الدول العربية تقريباً مستقرة استقرار القبور. هل شاهدت حراكاً شعبياً في البلدان العربية إلا ما ندر. الاستقرار يعم العالم العربي من المحيط إلى الخليج، خالقاً وحدة عربية لا مثيل لها في العالم. الجميع مستقرون، لكن طبعاً في القاع، وذلك بفضل الاتحاد الأمني العربي منقطع النظير. وأتحدى أن يكون هناك تنسيق أمني بين أجهزة الأمن الأوروبية التي تنضوي تحت لواء اتحاد لطالما عيّر العرب بعضهم بعضا به. لكن لا، فنحن أمنياً أكثر وحدة واتحاداً من أعتى الاتحادات في العالم، ويسألونك عن الوحدة العربية.

وعلى الصعيد السياسي قلما تجد اندفاعاً مشتركاً لدى زعماء أي أمة من أمم الأرض للتسبيح بحمد أميركا و«إسرائيل» كما هو الحال لدينا. فالكل متحد على التودد لتل أبيب، والسير على الصراط الأميركي المستقيم، إلا ما رحم ربي.

أما إعلامياً فإن وسائل الإعلام العربية الرسمية تعطيك الانطباع أن لها رئيس تحرير واحداً لا شريك له، فهي نسخة مكررة عن بعضها بعضا إلى حد التماثل والانصهار. هل تريدون وحدة إعلامية أقوى من هذه الوحدة التي يذوب فيها الكل في الكل؟ فلو غيرت اسم الزعيم في بداية نشرات الأخبار العربية الحكومية لوجدت أن الكليشة ذاتها تتصدر كل النشرات دون استثناء. إنها الوحدة في «أرقى» صورها الاندماجية.

ومن الناحية الاقتصادية قلما تجد دولاً تحارب التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي كما تفعل الدول العربية، فكلها مجمعة ومتحدة على إبقاء بلدانها وشعوبها في أسفل السافلين.

يا إلهي كم أشعر بالتضامن مع الإخوة العرب في كل بلد عربي أذهب إليه، فالكل يتحدث عن هموم ومشاكل واحدة ومتطابقة بشكل عجيب. ولو غيرت اسم البلد لوجدت أن ما ينطبق عليه ينسحب بدقة متناهية على بقية البلاد العربية دون استثناء، وكأن هناك إستراتيجية رسمية عربية موحدة في تعميم التخلف والفساد والاستبداد.

بربكم، من قال إننا نحن العربَ ليس بيننا وحدة حال؟ من قال إننا لسنا أمةً عربيةً واحدةً؟ عاشت الوحدة العربية، تعيش، تعيش، تعيش!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2177987

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177987 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40