الثلاثاء 4 شباط (فبراير) 2014

شروق النهضة في تونس .. وغروب الإخوان في مصر

الثلاثاء 4 شباط (فبراير) 2014 par محمد عبد الصادق

سادت حالة من التفاؤل والفرحة معظم أطياف الشعب التونسي عقب الانتهاء من إقرار مسودة الدستور توطئة لطرحه للاستفتاء الشعبي ليفتح الطريق لاستكمال مسيرة الديمقراطية باختيار حكومة جديدة وانتخابات برلمانية ورئاسية ينتظر اجراؤها هذا العام.
ورغم قناعتي بأنه: “ليس هناك دستور سييء ولكن هناك واقعا سيئا والعكس صحيح ” بمعنى لا جدوى من دستور ينص بأن التعليم المجاني حق للجميع والدولة ملزمة بالعلاج والرعاية الاجتماعية ومراعاة حقوق الإنسان؛ في الوقت الذي لا تتوافر فيه موارد كافية ولا إرادة سياسية لتحقيق هذه البنود لتتحول لمجرد حبر على ورق ويظل الواقع سيئا على حاله.
وأكبر دليل على ذلك هو عدم وجود دستور مكتوب للمملكة المتحدة واقتصار دستور الولايات المتحدة الأميركية على 10 مواد وصفحة واحدة، وهناك الكثير من الدول يتمتع مواطنوها بحقوق سياسية واجتماعية راقية دون وجود دستور من أصله؛ فما يجري على أرض الواقع هو الفيصل والمحك.
وربما كان سر الاهتمام المبالغ فيه بكتابة الدستور في دول (الربيع العربي) هو خروجها من تجارب حكم مريرة اتسمت باحتكار السلطة وغياب الحريات لسنين طويلة، فضلاً عن زيادة مساحات الشك، وضبابية الرؤية والصراع الشديد على الهوية وشكل الدولة في العهد الجديد خصوصاً بعد رفع الحظر عن مشاركة الإسلاميين الذين ظلوا لعقود طويلة مبعدين عن الحكم والسياسة مكتفين بالتمثيل النيابي المحدود الذي يدور في فلك السلطة.
ونجحت الأحزاب الإسلامية في الظفر بثقة السواد الأعظم من الجماهير في تونس ومصر؛ ربما نتيجة التعاطف الشعبي مع حركة النهضة في تونس والإخوان في مصر جراء الظلم الذي نالهم من الأنظمة السابقة، وربما بسبب استخدام هذه الأحزاب الشعارات الدينية في حملاتها الانتخابية، فضلاً عن ضعف الأحزاب المدنية بسبب حالة التجريف التي أصابت الحياة السياسية في هذين البلدين خلال حكم ابن علي ومبارك.
والحقيقة هناك اختلاف كبير بين تجربة حركة النهضة في تونس عن تجربة الإخوان المسلمين في مصر؛ بسبب رئيسي وهو وجود شخصية راشد الغنوشي على رأس حركة النهضة التونسية بما له من أفكار ومقاربات تقدمية في مجال السياسة ونظام الحكم في الإسلام ويظهر هذا الاختلاف جليًّا في كتاب الغنوشي القيم (مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني) والذي يرد من خلاله على من يروجون أن الديمقراطية لا مكان لها في الإسلام وأنها لا تستقيم إلا في وجود العلمانية فيقول الغنوشي:” إن الديمقراطية تعني الانتخابات الحرة والمساواة السياسية، وحكم الأغلبية، ولا شيء من هذا يشير إلى العلمانية أو المادية أو الارتيابية والشك أو غيرها من القيم والأفكار التي تتعارض مع الإيمان بالله والتدين”، وفي معرض تفسيره لآية ” إن الحكم إلاّ لله ” يقول ليس المقصود القول إن للدولة الإسلامية (رئيساً) من نوع غير مرئي يحكم كما كان يحكم لويس الرابع عشر يقدم له الوزراء التقارير، ويتسلمون منه التعليمات، ويستنكر الغنوشي هذا بقوله: لا أحد ممن يرفعون شعار (الحكم لله) يقصد أن الله يتجسد ويأتي ويحكمنا، فالله سبحانه وتعالى لا يُرى عياناً ولا يحل في أحد أو مؤسسة للنطق باسمه، وإنما (الحكم لله) معناه حكم القانون، حكم الشعب والأمة عن طريق الديمقراطية (الصندوق والانتخابات).
أما إخوان مصر فقد تجمدوا فكريًّا عند مبادئ ورسائل مرشدهم المؤسس الراحل حسن البنا، ولم نجد لهم مناهج سياسية محددة ولا اجتهادات فقهية متطورة تستطيع مسايرة العصر، كما خلت صفوفهم الحالية من قائد ومفكر سياسي بحجم الغنوشي يستطيع توجيه دفة الجماعة وإرشادها للطريق الصحيح.
وتجلى هذا الفارق بين إخوان مصر ونهضة تونس في موقفهم من الفرقاء السياسيين ـ شركائهما في ثورتي الياسمين و25 يناير ـ ففي الوقت الذي وافقت حركة النهضة على تولي المنصف المرزوقي المناضل اليساري العتيد منصب رئاسة الجمهورية وتقاسمت حقائب الوزارة مع أحزاب ليبرالية وعلمانية ويسارية وأخيراً عقب الدستور تنازلوا عن الوزارة للمعارضة وتوافقوا على تولي وزير الصناعة المستقل مهدي جمعة رئاسة الوزراء؛ عقب الأزمة السياسية التي تفجرت عقب اغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وصمدوا خلال الثلاث سنوات الماضية في مواجهة حملات التخوين والتكفير، واستطاع الغنوشي بحكمته وسعة أفقه تطمين كافة أطياف الشعب التونسي: المرأة، العمال، الشباب، المتدينين، العلمانيين، اليسار، واليمين لدرجة موافقته على عدم تضمين الدستور الجديد أي أحكام تتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وانحاز انحيازاً حقيقيًّا للحريات والتداول السلمي للسلطة، ولم يستجب لابتزاز الجماعات المتطرفة التي اتهمت الغنوشي بالخروج عن الملة في إطار حملات التكفير التي ظهرت في تونس عقب ثورة الياسمين وما زالت تلقي بظلالها الكئيبة على التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس.
كما ساعد التجربة التونسية على النجاح مقارنة بالتجربة المصرية؛ انعدام تأثير المؤسسة العسكرية على المشهد السياسي التونسي بسبب التقاليد المدنية الراسخة في الحكم التي أرسى دعائمها مؤسس الجمهورالأولى الحبيب بورقيبة المحامي الدارس للقانون والعلوم السياسية في السوربون وصاحب الأطروحات الاجتماعية الجريئة التي وضعت تونس على طريق الحداثة والتطور والتي استمر أثرها خلال حكم ابن علي و بعد الإطاحة به.
عكس الوضع في مصر؛ حيث يتمتع الجيش المصري بالنفوذ والهيمنة على الحياة المدنية من خلال تولي جنرالات الجيش حقائب وزارية ومناصب محافظين ورؤساء أحياء، ورؤساء إدارة شركات وهيئات مدنية عقب تركهم الخدمة في الجيش.
ورغم وضوح كل هذه المعطيات وخصوصية وضع المؤسسة العسكرية في مصر أمام إخوان مصر وتأكيدهم عقب نجاح ثورة 25 يناير على عدم نيتهم خوض انتخابات الرئاسة والاكتفاء بـ 25% من مقاعد البرلمان وموافقتهم على تشكيل حكومة ائتلاف وطني.
فوجئنا منهم بسياسات مغايرة لما أعلنوه فنافسوا على 100% من مقاعد البرلمان وسيطروا مجتمعين مع حزبي النور السلفي والبناء والتنمية الجهادي على 75% من المقاعد، وأمضوا فترة المجلس النيابي المنحل في صراع ونقار مع بقية النواب وهددوا بحرق البلد لو تولى البرادعي رئاسة الحكومة، وأطاحوا بحكومة الجنزوري واستعدوا القضاء والإعلام وجميع مؤسسات الدولة.
ثم كانت الطامة الكبرى حين نكصوا بوعدهم وقرروا خوض انتخابات الرئاسة ضاربين عرض الحائط بكل المخاطر والمحاذير التي أعلنوها بأنفسهم سابقاً على لسان المرشد والإخواني البارز عصام العريان ـ من أن الظروف والأوضاع الداخلية والخارجية غير مواتية لترشيح رئيس جمهورية ينتمي للتيار الإسلامي ـ ولم تكن مبرراتهم لهذا التحول مقنعة؛ فرشحوا أولاً نائب المرشد خيرت الشاطر وأحاطوه بحملة دعائية ضخمة تروج لمشروع النهضة الوهمي، وعندما رفضت لجنة الانتخابات ترشحه لافتقاده الشروط القانونية، سارع الإخوان بترشيح محمد مرسي مبررين إصرارهم على كرسي الرئاسة بخوض اللواء عمر سليمان نائب مبارك الانتخابات الرئاسية، ورغم استبعاد عمر سليمان من السباق لم يسحب الإخوان مرسي وأصروا على المضي في الانتخابات حتى النهاية واستطاعوا إنجاح مرشحهم بفارق 1% عن أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك بعد منافسة شرسة في جولة الإعادة.
وتولى مرسي الرئاسة وبدلاً من كسب وِد الشعب المصري استعجل الصدام مع المؤسسة العسكرية فأطاح برأسيها: المشير طنطاوي والفريق عنان وعين السيسي وزيراً للدفاع، وعصف بالقانون والدستور بالإعلان الدستوري الذي يحصن قراراته وعزل عبد المجيد محمود، وعين نائباً عاماً بمعرفته، وأهان القضاء، ودخل في نزاعات قانونية مع الصحفيين والإعلاميين، وسعى لأخونة الدولة ودخل معركة خاسرة مع كل المؤسسات التي سماها الدولة العميقة ونعتها بالفساد والولاء لمبارك، ولكن للأسف توحد كل هؤلاء ضده حتى أطاحوا به بمساندة شعبية ومباركة السيسي الجنرال الذي أتى به مرسي لتكون نهايته ونهاية الإخوان على يديه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165976

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165976 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010