السبت 10 تموز (يوليو) 2010

البلد الذي هزم ثلاث إمبراطوريات

السبت 10 تموز (يوليو) 2010 par بلال الحسن

دولة متخلفة تسمى أفغانستان، يسود فيها حكم القبيلة ونظامها، هزمت حتى الآن إمبراطوريتين، الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية السوفياتية، وهي توشك على إيقاع الهزيمة بالإمبراطورية الثالثة، الإمبراطورية الأميركية.

تمت هزيمة الإمبراطورية البريطانية، بعد أن شاخت تلك الإمبراطورية، وبعد أن قررت تقليص نفسها بالانسحاب من الهند. ثم قررت التخلي عن شرق السويس. وكان طبيعيا بعد ذلك أن لا تعود بعد ذلك قادرة على تحمل مسؤولية النفوذ الإمبراطوري في أكثر من بلد، ومنها أفغانستان. وعلى هذا الصعيد بالذات، تولت الإمبراطورية الأميركية الصاعدة، أن تحل محل الإمبراطورية البريطانية المتراجعة، فورثت نفوذها وقواعدها في شرق السويس (الخليج العربي وإيران)، وعملت في منطقتنا لفترة طويلة تحت شعار ملء الفراغ الذي أطلقه الرئيس الأميركي الشهير دوايت أيزنهاور، المتوج بطلا لا منافس له، بعد أن قاد حرب الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية.

وحين أقدمت الإمبراطورية السوفياتية على احتلال أفغانستان، معتبرة أنها تشكل جزءا من مجالها الحيوي، فعلت ذلك بهدوء، وظنت أنها قادرة على هزيمة قبائل أفغانستان. وهنا تقدمت الولايات المتحدة الأميركية لتساعد قبائل أفغانستان، فأمدتها بكل أنواع السلاح الذي تحتاجه من أجل إيقاع الهزيمة بالإمبراطورية السوفياتية، وكان كل ذلك في حينه جزءا من الحرب الباردة. وقد صمدت الإمبراطورية السوفياتية عشر سنوات أو يزيد، قضتها كلها في خوض معارك متصلة، إلى أن أدركت أنه لا يمكن النصر في هذه الحرب، فقررت الإقرار بالهزيمة والانسحاب من أفغانستان.

دعمت أميركا في هذه الحرب شعار «الجهاد» ضد «الإلحاد» السوفياتي، واستقبلت ودعمت عشرات «المجاهدين» ضد النظام الاستعماري الملحد، وكان من بينهم ومن أبرزهم، الشاب أسامة بن لادن.

ثم بدأت مرحلة ثالثة كانت لها سماتها الخاصة:

أولاً : «المجاهدون» الذين احتضنتهم أميركا ليقاتلوا «الإلحاد» السوفياتي، أنشأوا لأنفسهم حاضنة أخرى من صنعهم. تقدمت الحاضنة الأخرى وحلت محل الحاضنة الأميركية، وولد من خلال ذلك تيار إسلامي مختلف، يريد مقاومة الإلحاد الأميركي هذه المرة، وبعمليات موجهة ضد أميركا بالذات، كانت أبرزها أحداث سبتمبر (أيلول) عام 2001.

ثانياً : رجال القبائل الذين اعتادوا أن يخترعوا صيغتهم التوافقية لحكم أفغانستان، واختلفوا في ما بينهم، ونشأت بسبب ذلك حالة عنيفة من الفوضى. وفجأة تقدمت الصفوف حركة «طلاب» المدارس الإسلامية الأفغانية القادمة من باكستان، وبدأت تواجه القبائل، وتفرض نفوذها منطقة بعد أخرى، وبنجاح غريب لافت للنظر، واتخذت هذه الحركة اسم «طالبان»، وأصبحت أقوى قوة في أفغانستان. ولا يزال التاريخ مدينا لعلم الاجتماع السياسي من أجل تقديم توضيح موضوعي عن كيفية تحقيق هذا النجاح الباهر لحركة طالبان، وعن كيفية صعود «طالب» شاب يدعى الملا عمر إلى موقع القيادة الأولى في بلد اعتاد أن يهزم الإمبراطوريات.

ثالثاً : حدث بشكل مواز لصعود «التطرف» الأفغاني إلى سدة القيادة، صعود «التطرف» الأميركي إلى سدة القيادة، ممثلا بما أطلق عليه «المحافظون الأميركيون الجدد». وما إن اهتزت أبراج نيويورك، حتى أعلن هؤلاء المحافظون الجدد الحرب على الإسلام، ثم عدلوا الشعار ليقول: «الحرب على الإسلام المتطرف». ثم عدلوا الشعار ثانية ليقولوا: «الحرب على الإرهاب». ومهما اختلفت الشعارات، فقد بقي المضمون واحدا، وتمت ترجمته إلى شن الحرب واحتلال أفغانستان، وقد تم إنجاز هذه المهمة بما لا يزيد على ثلاثة أيام.

ويروى أن الجنرال الروسي الذي أشرف على احتلال أفغانستان، وعلى إدارة الحرب الطويلة فيها، اتصل بنظيره الأميركي وهنأه بحرارة على الإنجاز الكبير الذي حققه بسرعة مدهشة، ثم قال له: «لقد بقيت عليك مهمة واحدة وأخيرة، فهناك في أفغانستان أربعون ألف مغارة، عليك أن تدخلها واحدة بعد أخرى، ليتحقق لك النصر الكامل». وربما يكون الجنرال الأميركي قد دخل حتى الآن المغارة رقم عشرة آلاف، وفي رواية أخرى المغارة رقم عشرين ألفا، وبقي عليه أن يدخل المغارات الباقية، وفي سباق يشبه سباق المونديال، وبكل ما حمله المونديال معه من مفاجآت.

الآن نشهد في واشنطن جنرالا يسخر من قادة بلده وأوامرهم حول حرب أفغانستان، ويحذرهم بأن هذه الحرب لن تنتهي بخير، وتتم إقالته بهدوء. ونشهد جنرالا آخر، أشد حنكة، يقول منذ اليوم الأول لتسلم مهامه بدلا من الجنرال المقال، إن الحرب ستكون طويلة وقاسية. ونشهد قرارا سياسيا أميركيا يحدد مواعيد نهائية للانسحاب من أفغانستان، وبعد أن تكون مهمة تهيئة قوات أفغانية محلية قد أنجزت، من أجل أن تتولى هذه القوات إدارة شؤون البلد. ونشهد حركة طالبان تهاجم، وتنتصر، وترفض دعوات الحوار السياسي، وهي تعلن: «إذا كنا منتصرين فلماذا نتفاوض مع حكومة كرزاي؟»، وبهذا تكون القصة قد شارفت على نهايتها للمرة الثالثة، ويكون هذا البلد القبلي المتخلف العجيب، قد أصبح على وشك إعلان هزيمة الإمبراطورية الثالثة.

وإذا كان أحدهم قد قال يوما: «إذا أردت أن تعرف ما يجري في بلدنا فعليك أولا أن تعرف ماذا يجري في إيطاليا». وإذا بذلك ضحك الناس، فإن هذه النكتة قد تحولت إلى حقيقة. فحين يسأل المسؤول الأميركي عما يجري في أفغانستان يكون جوابه: علينا أولا أن نعرف ماذا يجري في «إسرائيل»! وفي «إسرائيل» رجل يسمى نتنياهو، يقول للرجل الجالس في البيت الأبيض : أنا أعلمك كيف تنتصر في أفغانستان، نذهب معا أنا وأنت ونضرب إيران. ويرد المسؤول في البيت البيض مستنكرا وقائلا: أنا أريد منك المساعدة في حل الموضوع مع الفلسطينيين، وعندها سيرضى العالم الإسلامي، ويساعد في حل موضوع أفغانستان وطالبان والملا عمر وأسامة بن لادن دفعة واحدة. ولا يزال هذا الجدل مستمرا بين الرجلين، بينما لا يزال هذا المدعو نتنياهو يعتقد أنه يستطيع ترويض رجل البيت الأبيض وإقناعه.

وفي هذه الأثناء يقول المسؤول الفلسطيني، إنه لن يستطيع الانتقال إلى المفاوضات المباشرة إلا إذا تم وقف الاستيطان «الإسرائيلي». ويرد نتنياهو إياه قائلا، ومن داخل البيت الأبيض: إذا بدأت المفاوضات المباشرة فسيكون أول أمر أبحثه مع المسؤول الفلسطيني هو وقف الاستيطان. وبهذا تتحول السياسة في فلسطين إلى نوع من الكلمات المتقاطعة، ويحتاج اختبار الكلمة الصحيحة إلى توافق كلمات الطول والعرض، تماما كالوضع في أفغانستان، حيث الانتصار في «الشرق الأقصى» مرهون بالتوافق مع «الشرق الأدنى»، وحيث المسؤول في البيت الأبيض يحتاج إلى مساعدة شخص يدعى نتنياهو.

إنها كلمات متقاطعة، يتم إنجازها فوق أرض تدعى أفغانستان، هزمت إمبراطوريتين، وتستعد لهزيمة الإمبراطورية الثالثة، ولا يعرف أحد السر في ذلك.

... ربما هو مكر التاريخ كما يقولون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010