الجمعة 31 كانون الثاني (يناير) 2014

تركيا و”التسلّط الحديث”

الجمعة 31 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. محمد نور الدين

لم يقنع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الأوروبيين . زيارته إلى بروكسل واللقاء مع مسؤولي المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي كانت محاولة بائسة ليرمم صورته وصورة نظامه وسلطته بعدما تعرض لهزة قوية بعد فضيحة الفساد .
أردوغان سبق زيارته إلى بروكسل تهديد الأوروبيين بأن “يعرفوا حدّهم” وبالتالي التوقف عن انتقاد إجراءاته ضد خصومه في الداخل . ومن بعد ذلك يذهب إلى هناك لكي يشرح لهم خطأ نظرتهم إلى تركيا . بل إن أردوغان تعهد أمام الأوروبيين ألا يمس المكتسبات الأوروبية وخصوصاً في مجال القضاء .
من الواضح أن الأوروبيين يعرفون أن ما يقوله أردوغان وما يتعهد به ليس جديداً ولا يمكن له أن يطبقه بل ليس مؤمناً به . لأن أردوغان في الأساس هو الذي غدر بعملية المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من أجل محاولة تحقيق مشروعه المشرقي في إقامة مجال حيوي للهيمنة في الشرق الأوسط على حساب العلاقة مع أوروبا . وأردوغان استبق زيارته إلى بروكسل ولو قبل أسابيع منها بلقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة بطرسبرغ الروسية وطلب منه ضم تركيا إلى منظمة شنغهاي التي تضم روسيا والصين وبعض دول آسيا الوسطى ومنتقداً الاتحاد الأوروبي بقوله لبوتين: “حررنا من الاتحاد الأوروبي” . عندما يطلب أردوغان التحرر من “عبودية” الاتحاد الأوروبي والانضمام في المقابل إلى منظمة تفتقد في بعض عناصرها ولا سيما في آسيا الوسطى والصين لمقومات الديمقراطية وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي، فهذا يعكس انعدام وجود رغبة حقيقية في أن تكون تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي .
وهذا برأيي حقيقي ليس فقط لدى إسلاميي حزب العدالة والتنمية بل أيضاً لكل النخبة العسكرية - العلمانية التي كانت حاكمة في تركيا على امتداد عقود .
ولم يعد خافياً على أن حزب العدالة والتنمية يمارس انتهازية باتت واضحة جداً وهي توسل أي عنصر أو ورقة تساعده على المضي في تحقيق مشروعه حتى إذا بانت فرصة معينة ينقلب على هذه الورقة أو حتى ربما يسعى إلى التخلص منها نهائياً . وقد أدرك حزب العدالة والتنمية عن دهاء ان أي محاولة للتخلص من هيمنة العسكر والعلمانيين المتشددين غير ممكنة من دون دعم أمريكي وأوروبي . وفي ما يتعلق بالبعد الأوروبي كانت أولى إجراءات أردوغان بعد وصوله إلى السلطة عام 2002 هي تطبيق رزمة إصلاحات مهمة على صعيدي تعزيز الديمقراطية والحريات وقد وقف كل مناصري الديمقراطية ممن ليسوا في حزب العدالة والتنمية مع هذه الرزمة من أجل تركيا جديدة . وهذا ما أتاح بدء مفاوضات العضوية المباشرة مع الاتحاد الأوروبي في العام 2005 . وبعدما تحقق له ذلك استغل أردوغان هذا التقدم لكي يصفي كل الطبقة العسكرية و“الدولة العميقة” بتهم محاولة الاطاحة بالحكومة . وبعد ذلك تقدم أردوغان بتعديلات دستورية في استفتاء شعبي أنهت نظام الوصاية العسكرية وزجت في السجن بمعظم الجنرالات المناوئين لأردوغان .
وباستثناء هذا الإجراء الملتبس قضائياً، كان أردوغان يتقدم حثيثاً نحو كل ما من شأنه تحويل تركيا من بلد ديمقراطي إلى بلد استبدادي . وقد تكثفت هذه الجهود بعد انتفاضة تقسيم في منتصف العام 2013 غير أن ردة فعله على انفجار فضيحة الفساد في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013 كانت أكبر وأخطر بما لا يقاس لجهة تعزيز نظام القمع والاستبداد وإلغاء كل المعارضين في الدولة وفي المجتمع المدني . ولقد عبرت منظمة “فريدوم هاوس” قبل أيام عن ذلك بقولها في تقريرها السنوي عن الحريات والديمقراطية في العالم، إن أردوغان يؤسس ل“تسلط حديث” من خلال وضع يده على مؤسسات الدولة وفرض الرقابة على مؤسسات المجتمع المدني ولا سيما الحريات الصحافية .
بعد 11 عاماً على وجوده في السلطة بات وجود حزب العدالة والتنمية في الحكم يشكل عبئاً ثقيلاً على تركيا ويهدد تقدمها ويشكل خطراً على استقرارها ووحدتها من خلال تحويل الدولة إلى ملك شخصي والعجز عن حل المشكلات البنيوية التي تعانيها البلاد . وإذا أضفنا إلى ذلك انهيار سياسات صفر مشكلات وتوتر علاقات تركيا مع جميع دول محيطها الأقليمي الشرق أوسطي وفي غير الشرق الأوسط لكانت هذه التركيا في ظل حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان خطراً حقيقياً على الاستقرار في الشرق الأوسط أيضاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165668

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165668 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010