الجمعة 31 كانون الثاني (يناير) 2014

شهيد على الطريق

الجمعة 31 كانون الثاني (يناير) 2014 par أمجد عرار

كان يزاول عمله في تنظيم حركة المرور بسبب أعمال على الطريق الواصل بين رام الله ونابلس، عندما حضر عدد من جنود الاحتلال الصهيوني وأخذوا باستفزازه من ثم اجباره على خلع ملابسه من ثم لبسها، ثم بعد ذلك أجبروه على السير للأمام وللخلف . وفي نهاية الأمر أطلقوا النار عليه بدم بارد، ولم يسمحوا لأحد حتى طواقم الإسعاف بالوصول إليه، وتركوه ينزف حتى توقّف قلبه عن النبض . هكذا وصف العديد من شهود العيان الحقيقيين الذين لا يرفضون الإفصاح عن هوياتهم، جريمة القتل التي ارتكبها جيش الاحتلال قبل يومين بحق الشاب محمد محمود مبارك ابن الاثنين والعشرين ربيعاً لعائلة فلسطينية لاجئة في مخيم الجلزون .
الأعمال على الطريق واضحة للعيان، وهناك مظلّة تحتها كرسي مخصصة لاستراحة محمد كلما تعب من الوقوف . الوقت كان نهاراً والناس كانوا يعبرون الطريق العام ذهاباً وإياباً، والجميع رآه يحمل عصا للفت انتباه السائقين . لكن الإعلام “الإسرائيلي”، الوجه الترويجي للاحتلال، أخرج الرواية الجاهزة مدّعياً أن الشاب كان يحمل سلاحاً وأطلق النار على الجيش الذي عرض جثة إلى جانبها سلاح، كأن العالم لم يشبع بعد من الفبركات الإعلامية ومطابخها الهوليوودية .
غريب أن تلجأ “إسرائيل” لهذا الإخراج الممجوج لجرائمها المتكررة، فماذا لو قال جيشها: قتلناه وكفى؟ هي أصلاً فوق القانون الدولي، نشأت من دونه واستمرت في مسار خارج عن مساراته، وكل سلوكاتها ومواقفها وسياساتها لا تستند إلا إلى أيديولوجيتها الصهيونية . هل يسمح لها القانون الدولي وأية شرعة بشرية أو حتى حيوانية أن تعتقل وتحاكم أطفالاً في الثالثة عشرة من أعمارهم؟ ليست مضطرة لتفسير شيء أو تبريره والكذب لأجل تمريره . العالم “الحر” تنتهي “حريته” عندما يقف عند تقاطع الجرائم “الإسرائيلية”، ويضطر للوقوف على الإشارة الحمراء والاستدارة بحثاً عن دولة “مارقة” ينتقدها، لكن ليس “إسرائيل” .
قادة هذا الكيان والجيل الذي أنشأوه صهيونياً يحفظون عن ظهر قلب أسود تفاصيل تلك الليلة التي جهّزت فيها غولدا مائير حقائبها استعداداً للهروب، بعدما أحرق أحد تلامذتها أولى القبلتين وثالث الحرمين . حين مر كل شيء على ما يرام، كان الاستنتاج الجازم أن أمة المليار مسلم التي أضافت إليها مغامرات التناسل غير المحسوبة نصفار مليار آخر، ليست في وارد الدفاع عن قدس أو مقدسات . حينها أعادت غولدا الحقيبة إلى مكانها وقالت “الآن أنا مطمئنة على مستقبل”إسرائيل“” .
ومثل آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، ومثل ملايين اللاجئين، لن يكون الشهيد الفلسطيني محمد مبارك بنداً على جدول المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” . . لن يعقد لأجله اجتماع للجامعة العربية أو مجلس الأمن، ولن تشكّل لأجله محكمة دولية رغم أن القاتل معروف والجريمة واضحة المعالم . لكن روحه الصاعدة إلى السماء، ودماؤه التي جبلت بتراب فلسطين تقول لأمة المليار ونصف المليار تهكّماً: ظلّوا على ما استمررتم عليه منذ 1400 سنة . لا تغادروا هذه السفسطة، لا تبحثوا عن عدو غير عداوة لبعضكم بعضاً، لا تغادروا العربة الأخيرة لقطار الأمم . اقتتلوا وتناحروا وتشرذموا، انقسموا وكفّروا وزاودوا وتصيّدوا واتركوا “إسرائيل” بحالها، أو ساعدوها، فهي ما زالت بحاجة للمساعدة . دافعوا عن ناقة البسوس ولا تعيدوا السيف إلى قِرابه، قبل أن يعود كليب حياً .
a_arar2005@yahoo.com



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165800

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165800 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010