الخميس 30 كانون الثاني (يناير) 2014

أوكرانيا وربيعها

الخميس 30 كانون الثاني (يناير) 2014 par أمجد عرار

لم تحتمل أوكرانيا إطالة أمد الأزمة أكثر من شهرين سقط خلالهما ضحايا أقل ممن يسقطون في نصف ساعة في أحد بلدان “الربيع” العربي بالقصف والذبح المتعدد الجنسيات . في نهاية المطاف الذي لم يطل كثيراً، وبعدما أمطر سماء المشهد الأوكراني الكثير من التصريحات المتجلّدة، جلست المعارضة مع رئيس البلاد، والبرلمان ألغى العمل بقانون حظر صارم للاحتجاجات الذي أغضب المعارضة، ورئيس الحكومة قدّم استقالته، وبالتالي استقالة وزراء الحكومة، والمحتجون أخلوا المباني الحكومية، ووضعوا حداً لقطع الطرق من أجل تعبيدها لتسوية سلمية للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ شهرين فقط .
رئيس الحكومة آزاروف الذي استقال بعد أربع سنوات في هذا المنصب قال كلاماً مسؤولاً حين صرّح بأن حالة الصراع التي تشهدها البلاد تهدّد بالخطر التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأوكرانيا، وتمثل خطراً على المجتمع الأوكراني بأسره، وعلى كل مواطن . وفي الواقع والتجربة، هذه حال كل الدول والشعوب التي تعيش أزمات .
الأوكرانيون يذكرون لرئيس الحكومة المستقيل رفضه ضغوطاً من صندوق النقد الدولي لرفع أسعار الغاز محلياً، ومقاومته ضغوط الغرب للابتعاد عن روسيا أسوة ببعض الجمهوريات السوفييتية السابقة التي أصبحت أطلسية أكثر من “الأطلسي” نفسه . أحد قادة المعارضة، بطل الملاكمة السابق فيتالي كليتشكو، اعتبر أن استقالة رئيس الوزراء “خطوة نحو النصر”، ذلك أن النصر لا ينزل بالمظلّة في ساحة أي صراع، ويدرك من تجربته كملاكم أن معظم معاركه تحسم بالنقاط وليس بالضربة القاضية .
بعض المحللين والإعلاميين يتحدّثون عن خيبة أمل لدى المراقب العربي الذي استأنس برؤية “الربيع” ينمو في أرض أوروبية فلعلّ ذلك يزيد من تعميم الظاهرة واستدراج تدويلها . هؤلاء يتجاهلون أو يجهلون أن مصطلح “الربيع” بنسخته السياسية جاء من هناك، وتحديداً من براغ أوائل ستينات القرن الماضي، ونحن لدينا من يؤمن بأن ما يسقط من سماء الغرب تتلقّفه أرضنا . ليس بالضرورة أن يكون ما يجري في أوكرانيا محلياً خالصاً وفي منأى عن الأصابع الخارجية، فالعديد من المسؤولين الأمريكيين والغربيين تدخّلوا علناً في الأزمة، وخير دليل على هذا هو إدراج الأزمة على مائدة القمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ولو قيض لنا أن نطلع على ما دار من مناقشات، فإننا سنلمس حجم عروض المساومات والمقايضات، بغض النظر عن مدى نجاحها أو فشلها .
الغرب يريد شيئين، الأول قديم وهو استكمال تهيئة الأرضية لمخطط الدرع الصاروخية على أعتاب روسيا، والثاني قديم جديد وهو استنزاف الروس ودفعهم للتراخي في ملفات أخرى، وتحديداً في الشرق الأوسط، أي أن لعبة الأمم حاضرة حيثما توافرت الأجواء التي تسمح باللعب على وتر احتياجات الشعوب . وليس النموذج الأوكراني ببعيد عن تجربة بولندا في الثمانينات عندما أنشئت نقابة “التضامن” بزعامة ليخ فاونسا الذي توّج نشاطه المدعوم من الغرب، بالحصول على جائزة نوبل، وهي الجائزة نفسها التي منحت ل “ناشطين” لم يكونوا قبلها معروفين حتى لدى جيرانهم . ويبقى أن من يستحق الجائزة الحقيقية هو الشعب الذي وإن أضاع البوصلة للحظات يستعيدها ثانية ويعود للاتجاه الصحيح .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2177234

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2177234 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40