السبت 10 تموز (يوليو) 2010

أوباما ونتنياهو والعودة إلى «لغز» العلاقات

السبت 10 تموز (يوليو) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

قبل أن يذهب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى واشنطن بأقل من أسبوع التقى السفير «الإسرائيلي» لدى الولايات المتحدة مايكل أورن في تل أبيب بعدد من كبار موظفي الخارجية «الإسرائيلية» (دائرة أمريكا الشمالية ومركز الأبحاث السياسية بالوزارة) لتقييم العلاقات الأمريكية - «الإسرائيلية» في ظل التوتر الحادث بين البلدين ضمن عملية الاعداد لزيارة نتنياهو للعاصمة الأمريكية ولقائه المرتقب مع الرئيس باراك أوباما .

في اجتماع السفير أورن بخبراء الخارجية «الإسرائيلية» كان الهاجس الحاكم لهذا الاجتماع هو كيف يمكن وقف تداعي الخلافات وتوسع فجوة الثقة بين البلدين وإعادة الأمور إلى طبيعتها بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» بعد مجموعة التوترات المتلاحقة التي فرضت نفسها على العلاقات ابتداء من الخلاف حول أولوية الملفات خاصة الملف الإيراني والملف الفلسطيني، وملف التوسع الاستيطاني «الإسرائيلي» في القدس والضفة الغربية وملف التسلح النووي «الإسرائيلي» واتهام تل أبيب لواشنطن بالتقاعس عن التزاماتها التاريخية نحو القدرات النووية «الإسرائيلية» على نحو ما ظهر في اجتماعات مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي عقد مؤخراً في مقر الأمم المتحدة في نيويورك (3-28 مايو/أيار 2010) وأخيراً ملف الجريمة «الإسرائيلية» ضد أسطول الحرية وتدهور العلاقات التركية - «الإسرائيلية»، والحصار «الإسرائيلي» المفروض على قطاع غزة .

كان السؤال الذي شغل خبراء الخارجية «الإسرائيلية» في لقائهم مع سفيرهم في واشنطن هو: هل هناك أمل في انقاذ العلاقات المتدهورة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» واستعادة هذه العلاقات طبيعتها؟ الدافع لهذا السؤال كان التقييم شديد السلبية الذي قدمه السفير مايكل أورن للعلاقات الأمريكية - «الإسرائيلية» في الوقت الراهن أي قبيل وصول نتنياهو إلى واشنطن ولقائه مع الرئيس أوباما .

فقد رأى السفير مايكل أورن أن شرخاً يسود العلاقات الآن بين «إسرائيل» والولايات المتحدة، معتبراً أن ذلك بمثابة «تصدع كالذي يحدث في قشرة الكرة الأرضية ويحدث تحركاً بين القارات» وليس مجرد شرخ محدود الأثر . كما أوضح أن ما هو حادث الآن «ليس مجرد أزمة» لأنه في الأزمات مد وجذر، بينما الحاصل هو «تحول جوهري» في السياسة الأمريكية تجاه «إسرائيل»، وهو تحول يأتي في إطار «تغير شامل ورؤية مختلفة تماماً»، ولمزيد من التوضيح قال إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليس مدفوعاً الآن في علاقات مع «إسرائيل» بمشاعر والتزامات تعهد بها في الماضي، أو بأفكار ودية، بل يتحرك انطلاقاً من مصالح واعتبارات وأعصاب باردة، وحذر من أنه «يصعب جداً ممارسة ضغوط على أوباما، لأن ما يحدث الآن هو أداء لشخص واحد، وهو الذي يتخذ جميع القرارات بصورة مركزية» لافتاً إلى أنه لا توجد مشكلة لدى «إسرائيل» بالوصول إلى مستشاري أوباما، لكن المشكلة هي أنهم «لا ينجحون في التأثير عليه».

هذا التقييم كان من شأنه أن يضع اجتهادات خبراء وزارة الخارجية «الإسرائيلية» أمام طريق مسدود، والوصول إلى يقين بأنه لا أمل في أن يعود نتنياهو من لقائه مع أوباما بشيء إيجابي، وأن ما حذر منه في الشهر الماضي رئيس الاستخبارات «الإسرائيلية»: (الموساد) مائير داغان أصبح حقيقة، فقد فاجأ داغان لجنة الخارجية والأمن في الكنيست «الإسرائيلي» (البرلمان) بإعلان أن «إسرائيل» تتحول بالتدريج إلى «عبء على الولايات المتحدة وليس ذخراً لها».

كلام داغان كان يرتكز على عوامل موضوعية وتحولات جوهرية حدثت في توازن القوى العالمي، وحدوث تغير في أولويات الأجندة الأمريكية العالمية نتيجة لتغيرات لحقت بالأدوار الأمريكية عالمياً إثر تحولات توازن القوى وظهور قوى عالمية جديدة فرضت نفسها كشريك فاعل في القرار الدولي، وكان استنتاجه أن مجمل هذه التطورات والتحولات تقول إن «إسرائيل» لم تعد لها الأهمية الاستراتيجية السابقة لدى الولايات المتحدة، نظراً لأن الولايات المتحدة لم تعد في حاجة إلى الخدمات التقليدية التي كانت تقوم بها في فترات سابقة .

فما قاله الرئيس الأمريكي عقب لقائه في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي مع نتنياهو جعل الرئيس الأمريكي أشبه بمتحدث رسمي «إسرائيلي» يتحدث بلسان بنيامين نتنياهو، وأضحى الرئيس الأمريكي هو من يخطب ود رئيس الحكومة «الإسرائيلية» ويؤكد على كل مطالبه، ابتداء من اعطاء كل الأولوية للملف النووي الإيراني باعتبار أن احتمال امتلاك إيران أسلحة نووية يعتبر خطراً لا يمكن السماح بحدوثه نظراً لأنه يهدد أمن «إسرائيل» وامتداداً إلى سحب أي تعهد أمريكي بما جرى الاتفاق عليه في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وبالذات ما يتعلق بمطالبة «إسرائيل» بالتوقيع على معاهدة الحظر والخضوع لترتيبات التفتيش والشفافية التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتجديد الالتزام الأمريكي التاريخي بالتستر على القدرات النووية «الإسرائيلية» ورفض ممارسة أي ضغوط دولية لاجبارها على التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية .

تغير بدرجة مائة في المائة من جانب الرئيس الأمريكي من دون التزام بالمصالح الأمريكية وما يتهددها من مخاطر لسببين أولهما أنه لا يجد من يهدد هذه المصالح من الأصدقاء العرب، وثانيهما اعتبارات الانتخابات الأمريكية والمصالح الانتخابية للحزب الديمقراطي وتدني شعبية الرئيس إلى أدنى مستوياتها بسبب اساءته للعلاقة مع «إسرائيل» طيلة الأشهر الماضية التي كانت كفيلة باقناعه بأنه ليس في مقدوره ولا في مقدور أي رئيس أمريكي أن يسيء إلى «إسرائيل» طالما أن «اللعبة السياسية الأمريكية» خاضعة لابتزاز «اللوبي الصهيوني» الأمريكي وأعوانه، وطالما أن مصالح القوى والشركات الأمريكية آمنة في الشرق الأوسط من دون تهديد، وطالما أن كل ممارسات «إسرائيل» ضد العرب والمسلمين لم تحولها بعد إلى «عبء» على هذه المصالح، وأن العكس هو الذي يحدث، فهذه الممارسات «الإسرائيلية» هي التي تجعل العرب (حلفاء أمريكا) أكثر استعداداً لتقديم التنازلات في أداء يجعل علاقات هؤلاء العرب بأمريكا «لغزاً» يفوق في تعقيده «لغز» العلاقات «الإسرائيلية» - الأمريكية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2179083

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2179083 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40