السبت 10 تموز (يوليو) 2010

نحو حوار استراتيجي لفحص الخيارات

السبت 10 تموز (يوليو) 2010 par طلال عوكل

فصل جديد آخر من فصول صناعة الأوهام بشأن ممكنات المصالحة قد انتهى، فقد أعلن رئيس لجنة المصالحة الوطنية منيب المصري عن حل اللجنة قبل أن تبدأ عملها في الوصول إلى غزة أو دمشق لمقابلة قيادة حركة حماس، وعرض ما لديها من أفكار واقتراحات لتجاوز الاستعصاء.

وفي المقابل أعلنت حركة حماس على لسان أكثر من قيادي فيها من غزة ومن دمشق، رفضها التوقيع على الوثيقة المصرية ما لم تؤخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار، وبدلاً من الأجواء الإيجابية التي تولدت بعد الجريمة الإسرائيلية على أسطول الحرية، وخلال وبعد زيارة عمرو موسى إلى قطاع غزة، تبلدت الغيوم السوداء.

تصريحات وردود اندلعت بين حركة حماس والخارجية المصرية، سرعان ماامتدت إلى الصحف والأقلام ووسائل الإعلام، تشير إلى تدهور غير مسبوق في العلاقات بين الطرفين، وتنطوي على تحذيرات بمزيد من التدهور. أما بين طرفي الانقسام الفلسطيني فقد استمرت الممارسات والتصريحات التي تشير إلى بؤس واقع الحال، وإلى استمرار مفاعيل الانقسام والصراع، وأزمة الثقة.

تدهور العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، وجانب منها مع المصرية، يأتي في ظروف بالغة الدقة والحساسية، ولا تنسجم، بل إنها تتناقض مع الإمكانيات المتاحة موضوعياً لتحقيق إنجازات ومكاسب كبيرة.

ينشغل الفلسطينيون بانقسامهم وصراعهم، فيما تنشغل إسرائيل في نهب ومصادرة الأرض والحقوق، وفي تقويض إمكانية تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني.

إسرائيل تواصل الاستيطان، وهدم البيوت في القدس، وترحيل الشخصيات الوطنية المقدسية، وغير المقدسية، وتواصل تعطيل المفاوضات، وتهويد القدس، والتهديد بشن حروب في المنطقة، وتواصل أيضاً الحصار على قطاع غزة وعلى الضفة وإن بطرق مختلفة، فيما الفلسطينيون سائرون في مشاريعهم وبرامجهم الفصائلية، وفي تقويض عوامل وأسس صمود الفلسطيني على أرضه وهويته، وأهدافه الوطنية.

حتى آخر هذا العام ثمة استحقاق كبير وخطير، أشار إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما حين قال، إنه ينبغي تحقيق إنجاز على صعيد المفاوضات قبل نهاية هذا العام، وأشار إليه الدكتور صائب عريقات حين قال من واشنطن أيضاً، إن على الفلسطينيين أن يتحضروا لفحص وتبديل خياراتهم ما لم يتحقق تقدم قبل نهاية هذا العام.

وقبل نهاية هذا العام وارتباطاً بما يمكن أن تفضي إليه المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يترتب على العرب أن يعقدوا قمة طارئة لاتخاذ ما يناسب من قرارات وخيارات، قد لا تتخذ طابع الانقلاب الجذري أو المطلوب ولكنها على الأقل ستقدم مؤشراً على طبيعة المرحلة المقبلة.

وحتى نهاية العام، المنطقة حبلى بالأحداث والتطورات الكبيرة وربما الجذرية التي يمكن أن يبلغ مداها، إعادة رسم الخارطة الجيو سياسية في المنطقة التي تتراكم فيها المزيد من المؤشرات نحو اشتعال حرائق في أكثر من مكان.

فعدا عن مؤشرات تصاعد التوتر الإيراني مع الغرب، فإننا إذا اتفقنا على أن إسرائيل تعيش أزمة داخلية وخارجية، وإذا اتفقنا على أن كل ملفات المنطقة مأزومة، فإن علينا أن نتوقع ما تعودناه من إسرائيل تاريخياً.

مثل هذه الأزمات الكبيرة، تدعو للاعتقاد بأن الخيار الوحيد المتاح لمعالجتها، يكون من خلال الذهاب إلى أزمة أكبر، تطيح بالكثير من المراهنات، وما يعتقده البعض مسلمات وتفتح الطرق أمام معالجات يحددها ويتحكم بها صاحب القوة.

على الوجه الآخر، ينبغي رؤية التطور الملحوظ في مدى اتساع حملة التضامن العالمي والإقليمي مع القضية الفلسطينية، والآثار الإيجابية التي خلفها السلوك الإسرائيلي بحق أسطول الحرية والمتضامنين الأجانب.

ثمة حراك واسع لصالح الفلسطينيين، إذ تشهد دول كثيرة وكبيرة كانت معروفة بجودة علاقاتها مع إسرائيل، تشهد تغييراً ولو جزئياً لصالح الفلسطينيين، وبرلمانيون، وبرلمانات تتحرك في الوجهة ذاتها، ومنظمات مجتمع مدني في مختلف القارات، ومحاكم وملاحقات قضائية لإسرائيل وقادتها.

لا تخف إسرائيل ضيقها وقلقها جراء تزايد عزلتها، وتدهور سمعتها على المستوى العالمي، لا يمكن الاستخفاف بهذا الحراك، وهو إن لم يبلغ حد القوة الفاعلة في التأثير على السياسات الرسمية خصوصاً في الدول الحليفة لإسرائيل، فإن استمرار هذا الحراك من شأنه أن يراكم مع مرور الوقت، رأياً عاماً قادراً على التأثير والفعل.

على أن إمكانية استمرار وتصاعد هذا الحراك والفعل الإيجابي، سيظل مرهوناً بمدى قدرة الفلسطينيين على إحداث تحول إيجابي وشامل في أوضاعهم الداخلية، وبمدى قدرتهم على التوحد، وإلا فإن إسرائيل ستتمكن من توظيف الانقسام والصراع الفلسطيني في غير صالح الفلسطينيين.

وفي الحقيقة فإن المصالحة الفلسطينية بما هو مطروح حتى اللحظة، تحتاج إلى حوارات في العمق ومن طبيعة استراتيجية تراجع الخيارات والأدوات والمرجعيات والوسائل.

إن المصالحة المطروحة رغم فشل المحاولات لتحقيقيها إلا أنها لا تستجيب لا لطبيعة المرحلة، واستحقاقاتها وتحدياتها، ولا لجوهر وطبيعة الاختلافات العميقة التي أدت إلى وقوع الانقسام، واستمراره.

فبغض النظر عن الدوافع المباشرة للانقسام، وعن الظواهر التي يولدها على السطح، فإن الخلاف يذهب إلى البرامج، والسياسة، والأيديولوجيا، ويذهب إلى المرجعيات الوطنية، وإلى طبيعة النظام السياسي، وحتى إلى وسائل وأساليب التعامل سواء مع الاحتلال، أو مع الوضع الداخلي الفلسطيني.

وفي ظل هذا الخلاف والاختلاف الواسع، فإن ثمة اعترافات صريحة تصدر عن الطرفين المنقسمين، بأن أياً منهما لن يستطيع لوحده تحقيق أي إنجاز وطني كبير للشعب الفلسطيني، لا برنامج المقاومة قادر على تحقيق إنجاز، ولا برنامج المفاوضات والحل السياسي قادر على تحقيق إنجاز، فيما تواصل إسرائيل مخططاتها لفرض المزيد من الوقائع على الأرض بما يؤدي إلى نسف مقومات المشروع الوطني الفلسطيني..

وفي الواقع، فإن هذا الانقسام الفلسطيني، يؤدي إلى تخريب الوضع العربي، ويوفر الذرائع والأسباب، لتهرب بعض العرب من مسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية، أو على الأقل، فإنه يوفر الوقود والذريعة لاستمرار وتعميق الانقسام العربي الرسمي، ويفقد الفلسطينيين وقضيتهم العمق العربي الذي يحتاجونه، ولا يستطيعون الاستغناء عنه.

وإذا كان العرب سيتوقفون قبل نهاية العام أمام خياراتهم، فالأحرى بالفلسطينيين أن يفعلوا ذلك بشكل موحد، وإلا جاء البحث العربي بائساً، ويعكس واقع العجز والانقسام الفلسطيني والعربي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010