السبت 11 كانون الثاني (يناير) 2014

حقائق في الصراع مع الكيان

السبت 11 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. فايز رشيد

آن الأوان للسلطة الفلسطينية الانسحاب من المفاوضات . إنها مضيعة للوقت ليس إلا! كل جولات كيري بما فيها جولته الأخيرة (العاشرة) في المنطقة لم تسفر ولن تسفر سوى عن حل أمريكي مسخ: هو وجهة نظر “إسرائيلية” أولاً وأخيراً، مضمونها: اتفاق إطار على دويلة مؤقتة منقوصة السيادة والقدس وعودة اللاجئين . دويلة هي ليست غير الحكم الذاتي القائم حالياً، دويلة كانتونات مقطّعة الأوصال، من دون أية روابط جغرافية مع غزة وقطاعها . إضافة إلى تواجد عسكري “إسرائيلي” في منطقة غور الأردن، ويتحول مستقبلاً إلى وجود دائم . حلّ يجري تطبيقه على الضفة الغربية أولا مع احتمال بعيد بأن يجري تطبيقه في القطاع! هذا هو جوهر الحل “الإسرائيلي” ولكن بلسان أمريكي هذه المرّة . هذه هي الحقيقة الأولى التي استندت إلى استراتيجية المفاوضات . باعتبارها الخيار الوحيد والدائم للسلطة الفلسطينية . المفاوضات لم تنتج سوى اتفاقيات أوسلو المشؤومة التي قزّمت الحقوق الفلسطينية، وأدّت إلى تراجع المشروع الوطني عقوداً إلى الوراء . المفاوضات استمرت ما ينوف عن العقدين, ولم تكن قادرة على انتاج شيء سوى الحل الأخير .
من زاوية ثانية، فإن حقيقة أخرى يتوجب إدراكها وهي أن لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطاً نزيهاً في الصراع بين الفلسطينيين والعرب من جهة وبين “إسرائيل” من جهة أخرى . لا نقول هذا الكلام جزافاً، وإنما اعتماداً على نصوص رسالة الضمانات الاستراتيجية الأمريكية التي جرى إرسالها إلى “إسرائيل” في عام ،2004 وتنص على مبادىء كثيرة، أبرزها: التزام الولايات المتحدة بأمن “إسرائيل” . وتعهدها بعدم ممارسة الضغط عليها لقبول ما لا تريده من حلول أو تسويات . الحقيقة الثالثة، التي يتوجب على السلطة الفلسطينية إدراكها: أن الولايات المتحدة ملتزمة التزاماً تاماً بالحل “الإسرائيلي” من دون زيادة أو نقصان، فالموقف بين الحليفين: الأمريكي و“الإسرائيلي” حول عناصر التسوية متماه إلى حد كبير، فواشنطن ترفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهي متفهمة للموقف “الإسرائيلي” بإبقاء القدس موحدّة وعاصمة أبدية ل“إسرائيل” . على هذا الأساس، فإن كل مرشح أمريكي للرئاسة وابّان فترة ترشيحه يعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهذه دلالة كبيرة . التعارض بين الموقفين “الإسرائيلي” والأمريكي، يتمثل في الاستيطان . واشنطن فعلياً ليست ضد الاستيطان، لكنها مع تجميده مؤقتاً بهدف تسليك المفاوضات “الإسرائيلية” - الفلسطينية والوصول إلى حل .
الحقيقة الرابعة وهي أبرز من كل الحقائق: إن استراتيجية المفاوضات لم تؤد إلا إلى التنازلات الفلسطينية وهي مستقبلاً لن تؤدي إلا إلى المزيد من هذه التنازلات . الحركات الثورية للشعوب المحتلة أراضيها والمغتصبة إرادتها تخوض المفاوضات مع أعدائها ولكن بشروط، أولها: خوض المفاوضات مع العدو ولكن في مرحلة متقدمة من النضال، تكون فيه الحركة الثورية على أعتاب الانتصار . ثاني هذه الشروط: استناد المفاوضات إلى إنجازات حقيقية على الأرض، وهذه لن يتم إنجازها إلا بفضل المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح . ثالث هذه الشروط: عدم المساومة والتفريط على حقوق الشعب الوطنية، فالعدو وجرّاء تضرره الكبير من مشروع احتلاله بالمعنيين الاقتصادي والبشري الديموغرافي هو بحاجة للوصول إلى تسوية، لأنه ليس لديه الاستعداد لدوام تلقي الخسائر البشرية والاقتصادية . رابع هذه الشروط: الاستناد إلى حركة جماهيرية شعبية يجري تأييدها سياسياً من شعوب ودول كثيرة .
لقد خاضت حركة التحرر الوطني الفيتنامية التي كانت تسمى “جبهة التحرير الفيتنامية” مفاوضات مع المحتل الأمريكي في مفاوضات باريس، بعض تلك الجولات التفاوضية لم تكن تستمر سوى دقائق قليلة فقط، يضع الفيتناميون مطالبهم على طاولة التفاوض، فإذا كان هناك تجاوب أمريكي معها، يجري الاستمرار في المفاوضات، وإلا فلا، وينسحب الفيتناميون، بالطبع هناك فارق كبير بين طبيعة النضال الفلسطيني والنضال الفيتنامي، وهناك فوارق في الظروف المحيطة سواء بالمعنى الذاتي أو الآخر الموضوعي، لكن هذه التجربة التفاوضية خاضتها الكثير من حركات التحرر الوطني للشعوب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . كمثال على صحة ما نقول: تجربة حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” وحلفائه في جنوب إفريقيا, والمفاوضات التي جرت مع النظام العنصري فيها (الحليف العضوي للكيان الصهيوني) . تجربة روديسيا . التجربة الفلسطينية ذاتها إبّان المرحلة الأولى من الثورة (قبل اتفاقيات أوسلو) مرحلة الكفاح المسلح . من قبل لم تعترف “إسرائيل” بوجود شعب فلسطيني من الأساس . العالم تعامل من قبل مع الفلسطينيين كلاجئين يستحقون الشفقة والعطف ليس إلا . الثورة الفلسطينية المسلحة هي التي أجبرت العالم على التعامل مع الفلسطينيين كشعب مغتصبة أراضيه وحقوقه . وهي التي أجبرت “إسرائيل” على الاعتراف بالشعب الفلسطيني والتعامل معه . منذ تشكيل السلطة الفلسطينية وبخاصة بعد وفاة الرئيس الراحل عرفات، اعتبر أبو مازن الكفاح المسلح (إرهاباً)، حتى أنه ضد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية المسلحة . لقد أصدر الفرمانات (القرارات) بجمع الأسلحة الفلسطينية من المقاومين، واعتبر الأجهزة العسكرية للفصائل، “منظمات غير مشروعة” . كل من لم يسلّم سلاحه للسلطة الفلسطينية، قامت أجهزة السلطة باعتقاله، والزج به في السجن . أو قامت “إسرائيل” باغتياله أو اعتقاله .
على صعيد آخر، فإن المقاومة والمسلحة منها تحديداً هي الاستراتيجية المركزية التي تتبناها مطلق حركات التحرر الوطني لمطلق شعب محتلة أرضه ومغتصبة إرادته، ونتحدّى يأن يقوم أحد بتسمية حركة تحرر واحدة لم تعتمد الكفاح المسلح في نضالها (تجربة غاندي مختلفة تماماً عن تجارب حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . هي حركة عصيان مدني شعبي عام ضد الاحتلال البريطاني) . لذلك، فان القاعدة العامة هي المقاومة المسلحة . هذه التي توحّد الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده في الوطن وفي الشتات لأن استراتيجية المفاوضات تفرّق شعبنا .
يبقى القول: كفى تفاوضاً مع العدو الصهيوني، وكفى استجابة للضغوطات الأمريكية . آن الأوان لانهاء الانقسام ومراجعة المرحلة الماضية، والتمسك باستراتيجية المقاومة وإحيائها من جديد . آن الأوان لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الجامع بين الفلسطينيين في الوطن وفي الشتات والممثل الشرعي والوحيد لهم . وإذا كانت السلطة عقبة أمام المقاومة فليجر حلها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2178206

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178206 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40