الأربعاء 8 كانون الثاني (يناير) 2014

مشروع «التغيير في سورية» بين «الزومبي» و«الإخونج»

الأربعاء 8 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. إبراهيم علوش

يزعم الخطاب المشكك في القيادة السورية والقائل بأنها فاقدةٌ المشروعية الديمقراطي لأنها جاءت نتيجة انقلابات عسكرية لا عملية انتخابية مفتوحة ونزيهة ولأنها بحسب الخطاب نفسه مارست الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان على مدى عقود وصولاً إلى المزاعم الراعفة بأن النظام «قتل شعبه» خاصة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بأنواع الأسلحة كافة. وعليه يروّج متبنّو هذا الخطاب أن مشروعية المتمرّدين على النظام السوري تنطلق من رغبتهم في تاسيس «نظام ديموقراطي تعددي» في سورية يرتكز على تداول السلطة انتخابياً واحترام حقوق الإنسان...
وبما أن دساتير الدول الغربية تقوم على الديمقراطية الانتخابية واحترام حقوق الإنسان بحسب الدعاية الإعلامية نفسها فمن الطبيعي أن تدعم مثل هذا التوجه «الديموقراطي» لدى «الثوّار» السوريين وأن تدعو إلى تنحي القيادة السورية عن السلطة وأن تقدم مختلف أنواع الدعم العسكري والأمني والمالي لهم بغية تحقيق «التغيير الديمقراطي في سورية».
ومع أن مثل هذا الخطاب الديمقراطي ضد النظام السوري قد يبدو للبعض برّاقاً وأخّاذاً للوهلة الأولى فإنه ليس في الواقع أكثر من كذبة جميلة واهنة ومتهافتة إذا أخذنا في الاعتبار الآتي:
أولاً إن القوى الأساسية التي تقود «الثورة» في سورية وتحرّكها من قطعان «الزومبي» إلى الإخونج على وزن إفرنج بعد تصريفها إسلامويّاً ليست قوىً ديمقراطية أصلاً لا في البرنامج ولا العقلية ولا المشروع. وثبت من الموثّق والمصوّر من مجازرها وجرائمها وممارساتها الإقصائية وخطابها المغلق أنها قوى ذات برنامج طائفي أساساً مناهض لمفهوم المواطنة الذي تستند إليه الديمقراطية وأنها تناهض فكرة الدولة الوطنية غريزياً ناهيك عن مناهضة فكرة «الإنسان» لدى «الزومبي» حتى قبل التطرق إلى «حقوق الإنسان».
ثانياً إن لدى قوى الهيمنة الخارجية التي تدعم «التغيير الديمقراطي في سورية» سجلاً معروفاً في التعدّي على أمتنا وشعوب الأرض وأن تاريخها الاستعماري ومشاريعها التفكيكية من سايكس-بيكو إلى «الشرق أوسطية» معروفة لكل مبتدئ في التاريخ والسياسة وأن أطماعها الإمبريالية خاصة بعد اكتشاف حقول الغاز والنفط الكبيرة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط تحتاج إلى مغفّل لكي يصدق خطابها الديمقراطي في فنزويلا... قبل أن نصل إلى سورية. ولا نزال نعاني كما نرى ملياً من مثال احتلال العراق وتدميره عواقب مشاريعها الديمقراطية.
ثالثاً إن حكام الخليج العربي الذين يموّلون «التغيير الديمقراطي في سورية» ويسلّحونه والذين يغطونه سياسياً وطائفياً يمثلون في الواقع نموذجاً تاريخياً «فذّاً» يحتذى به في ممارسة تداول السلطة والتعدّدية وحرّية التعبير بات موضع حسد شعوب العالم من أميركا الشمالية إلى سويسرا إلى اليابان فأستراليا فجنوب أفريقيا وصولاً إلى الأرجنتين حتى أن مواطني شعوب الأرض قاطبةً يحلمون بأن يشملهم أولئك الحكام برعايتهم ولو في ظلّ نظام «الكفيل».
رابعاً إن القيادة السورية كانت أكثر تجاوباً مع دعوات الإصلاح من أي قيادة أخرى في أقطار ما يسمى «الربيع العربي» وقامت بالكثير من الخطوات في هذا الاتجاه بدءاً من شطب المادة الثامنة من الدستور السوري وإقرار مبدأ التعددية الحزبية وتداول السلطة وانتهاء بقبول كل ما يقرّه الحوار الوطني السوري لكنّ بعض دعاة «التغيير الديمقراطي» الزائفين حتى من لا يحمل السلاح منهم يرفض مجرّد الحوار مع القيادة السورية ويفضل أن يحاور سفراء الدول الاستعمارية عوضاً عنها. فإذا كانت المشكلة في سورية هي مشكلة إصلاح ديمقراطي فإن هذه الذريعة تسقط فوراً بمجرد رفض المشاركة في مشروع الإصلاح الديمقراطي وتسقط أكثر عندما يتم اختلاق الذرائع التي تبرر السلوكيات الهمجية لـ«الزومبي» و«الإخونج» باعتبارها «ردود فعل»! فمن يروم الإصلاح لا يمكن أن يتسامح مع التدمير المنهجي للبنية التحتية ومؤسسات الدولة باسم الإصلاح... خاصة بعدما بات واضحاً مَنْ الذي يقتل المواطن السوري ويهجّره ويذبحه ويخطفه ويعتدي عليه ويعطّل حياته اليومية بالتفجيرات والقصف.
لكن كل ما سبق يمثّل نقاطاً ثانوية في الواقع إذا قورنت بالنقطة الأهمّ وهي أن المرجعية الأساسية التي يفترض أن يتم من خلالها تقويم الموقف في سورية اليوم أو العراق من قبل أو ليبيا ليست المرجعية الديموقراطية حتى لو لم يتم ذلك بشكل مفتعل لخدمة المصالح الإمبريالية والصهيونية. بل تأتي المرجعية الديموقراطية ومرجعية حقوق الأفراد ولو صدقت في المقام العاشر بعد المئة بعد المرجعية الوطنية والقومية أي مرجعية مصلحة الأمة ولا ديموقراطية حقيقية إلاّ بالمشروع القومي.
أما الآن فإن الأهمّ من تداول السلطة والتعددية وما شابه هو مصلحة سورية والأمة العربية في التصدي للهيمنة الخارجية ودعم المقاومة وبقاء القلعة الأخيرة الناطقة بالفكر القومي ومصلحة سورية في أن تبقى مستقلة وموحّدة.
لو وضعنا جانباً تجربة فرض النموذج الليبرالي عالمياً ومراسم التعددية وطقوس التداول المسيطر عليها من رأس المال السياسي والرأي العام الذي تقولبه شركات إعلام احتكارية عالمية فإن القوميّ الحقيقيّ هو من يتمسك بسموّ معيار المصلحة القومية مصلحة الأمة فوق أي معيار آخر. فلو اضطررنا إلى الاختيار بين مصلحة الأمة في أي لحظة وشكليات الديمقراطية أو غيرها فليذهب كل ما يخالف مصلحة الأمة إلى الجحيم. ومن المهمّ أن يعرف المرء بوصلته قبل أن يناقش مسألة المشروعية السياسية.
ولأن القيادة السورية اليوم تمثل قمة مصلحة الأمة في مواجهة قوى الهيمنة الخارجية ومشاريع التفكيك والإلحاق وشطب الوطن فإن مشروعيتها القومية بلغت شأواً لم تبلغه في أيّ وقتٍ مضى حتى وهي تسعى إلى تحقيق مشروع إصلاح ديمقراطي لا ضرورة له أصلاً في خضم معركة الدفاع عن سورية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2166399

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166399 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010