السبت 4 كانون الثاني (يناير) 2014

كيري والأوسلويون وحلول نتنياهو

السبت 4 كانون الثاني (يناير) 2014 par عبداللطيف مهنا

حتى قبل قدومه الأخير إلى فلسطين المحتلة، لم ينفك كيري يوحي بأن الحركة التصفوية الأميركية النشطة للقضية الفلسطينية التي يقودها هي قاب قوسين أو أدنى من بلوغها المراد. ذلك هو التوصل لفرض حل صهيوني على الأوسلويين الفلسطينيين تفاصيلة باتت تتكشف لنا أكثر فأكثر عبر توالي التسريبات، ويصفه صاحبه بمسمى “اتفاق إطار يضع إرشادات للمفاوضات”، لم يخفِ لا كيري، ولا مجمل الحركة الأميركية اصلًا، أن أمن الكيان الصهيوني وما يعرف بـ”يهودية الدولة” هما حجرا الرحى فيه، أما جوهره فـ”حل انتقالي” لا يبتعد كثيرًا عن تصورات غلاة الصهاينة، أما لجهة التسمية لتمريرة فهى هنا لا تهم، أكانت “اتفاق إطار”، أو حتى حلًّا نهائيًّا يتم على مراحل، فالأهم عندهم أنه يفضي إلى تنازلات أوسلوية كارثية مضافة على القضية الفلسطينية، لا يبدو أن واقع أوسلويي رام الله لن يتيحها، كما أن الواقع الرسمي العربي سيوفر لها الغطاء المطلوب، بل هو الذي كان جاهزًا لذلك سلفًا، كما هو معروف. ولا بأس هنا من أن يفضي حل كيري المزمع إلى تغيير صفة أو مسمى “السلطة” في رام الله بـ”الدولة”، أو حتى الامبراطورية، ما دامت بلا سيادة ولا حدود، ولا قدس ولا حق عودة، ولا حتى أرض ابتلعها ويبتلعها التهويد المكثَّف الذي لن يتوقف، مخلفًا مزقًا من كانتونات و”بانتو ستانات”، أو معازل، أقرب إلى التجمعات البشرية الأشبه بالسجون الكبرى، التي تحاصرها المستعمرات، والتي لن توفر مخططات الترانسفير المستقبلية المرصودة لها حتى ما تحتها من الأرض التي هي قائمة عليها. وإذا كان ما من بأس في توسيع بائس رقعها المهلهلة بالتخلي لها عن بعض مناطقها المسماة “ج”، أو كما يقول المثل الشعبي “من ذقن عبيد افتل له قيد”، فالأخطر هو أن مبدأ “تبادل الأراضي”، المقر أوسلويًّا وعربيًّا، قد يتيح للصهاينة استبدال فلسطينيي المثلث ببعض ما هودوه في الضفة، وأقله ما يطلقون عليها “الكتل الاستيطانية الكبرى”.
الأوسلويون الذين بدأت مصادرهم في تسريبات مقصودة على شكل شكوى من أن الأميركان يضغطون عليهم لتمديد المفاوضات لا يبدو أنهم، بخلاف بعض التصريحات الاستهلاكية المعهودة عنهم، في حال من لن يستجيب كعادته في النهاية لما سيفرض عليه، بالمقابل فقد حدد نتنياهو، في مؤتمر لحزبه “الليكود” شروط الحل المزمع ووضع إطاره سلفًا وبما لا يحيد قيد أنملة عن ثوابته ولا يخرج عنها، والتي لا يختلف فيها مع الأميركان ولا حتى مع ليبرمان أو عتاة من يدعون بـ”المستوطنين”. أولًا وقبل كل شيء، أعاد التأكيد على المؤكد بقوله إن “لدولة إسرائيل مصلحة ستراتيجية من المفاوضات السياسية”. أما شروطه للحل فأولها أن “الاتفاق لن يوقَّع إلا إذا تم الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية”، بمعنى ليس إسقاط حق عودة اللاجئين إلى ديارهم فحسب، وإنما تشريع مخططات الترانسفير لفلسطينيي 48، ولا يكتفي بهذا بل يكمل، “وإلا تخلى الفلسطينيون عن حلمهم بحق العودة”، أي يسقطونه بأنفسهم وحتى عليهم أن يعطوه ضمانات بذلك، “ثم أية مطالب من أراض الدولة اليهودية”، أي كل ما ضم أو سيضم رسميًّا من الضفة، كالقدس، ومستعمرات الضفة، وما وراء الأسوار العازلة، وربما الأغوار لاحقًا، ويزيد، “وفوق ذلك كله أن الاتفاق سيكون ممكنًا إذا كانت إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها في وجه أي تهديد”، بمعنى التأكيد على ما يعرف بالضمانات الأمنية، الأوسلوية منها والأميركية، وتعاظم سيول الدعم والمساعدات الغربية المتوفرة لكيانه أصلًا، وكذا الدويلة المنزوعة السلاح، والتفوق العسكري الصهيوني على كامل قوى الإقليم مجتمعة إلخ … وبعد هذا كله تعهد نتنياهو بأن أي اتفاق سيتم سوف يطرح على الاستفتاء العام … الجنرال يعلون وزير الحرب بدوره أدلى بدلوه التسووي، قال فيما يشبه طمأنةً للصهاينة، والرد على بعض التصريحات الاستهلاكية الصادرة في رام الله، “إن أحدًا يظن أن هذا الصراع سينتهي على خطوط 67 فهو ببساطة مخطئ”، أما نائب وزير الخارجية الكين فزاود عليه بأن أعتبرها “حدود أوشفيتز”!!!
إن ما تقدم يشي بمنعطف تصفوي خطير يبيت للقضية الفلسطينية، وفي ظل هذا الراهن العربي الأسوأ، والعجز المزمن لفصائل المقاومة التي أدمن أغلبها المعارضة البيناتية وكفى الله المؤمنين شر القتال، يواصل الأوسلويون مفاوضاتهم المكتومة على تفاصيله في ظل الخيمة الأميركية المتصهينة، ويوالون محاولة تغطية ما يقترفون بضجيج احتفالاتهم المفتعلة بالإفراجات بالقطارة عن أسرى ما قبل أوسلو ممن أمضوا أكثر من عشرين عامًا في معتقلات الصهاينة، أو الدفعة الثالثة التي شملت 26 أسيرًا، وتصوير وتسويق ذلك كمنجز تفاوضي، ورغم أن عودة هؤلاء الأبطال إلى أسرهم يفرح كل الفلسطينيين، إلا أنه من المؤلم لهم أيضًا أن هذا المستحق كان مدفوع الثمن الباهظ سلفًا، وهو العودة البائسة لطاولة المفاوضات التصفوية، والتعهد الأوسلوي بعدم التوجة إلى مؤسسات الأمم المتحدة، والسكوت على التوسُّع التهويدي المتسارع الوتيرة، وتشديد الحصار الإبادي البشع، والمزدوج صهيونيًّا وعربيًّا، على غزة الصامدة، والحفاظ على الشرذمة الفلسطينية، أو ما يدعى حالة “الانقسام الوطني” القائمة… هل ما تسعى إليه الحركة التصفوية الأميركية ويوحي به كيري قدرًا محتمًا؟؟!!
للجواب، وقد لا يحول دونه سوى اندلاع انتفاضة



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2177796

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2177796 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40