الأربعاء 1 كانون الثاني (يناير) 2014

كل هذا الدم

الأربعاء 1 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمد عبيد

لم يكن العام الماضي تكراراً لعام سبقه، ولن يكون العام الحالي نسخة عن سابقه، لكن المؤلم في هذا الشأن أن نذر ما حمله العام 2013 تلقي بظلال سوداء على العام الجديد، وليس أدل على ذلك من هذا السيل الهادر من الدم الذي اجتاح العديد من الدول، ومعظمها في الأسف في المنطقة العربية التي لا تزال تعاني مخاضاً متعسراً نحو التغيير، ومحفوفاً بمخاطر كثيرة، على رأسها ارتفاع منسوب التطرف، وتمزيق أنسجة مجتمعات بأكملها .
عام دموي بامتياز مضى على كثيرين ثقيلاً، وكثيرون آخرون شعروا على الأغلب أنه لن يمر، وكأنه زائر مقيم، يأبى المرور، لكنه انقضى في النهاية مخلفاً آلاماً لا تكاد تحصى، وتاركاً غصة ومرارة لم تذق البشرية ما هو في مثل حدتها منذ زمان طويل، وباتت المحصلة النهائية لحصاد العام أشبه بقائمة لا متناهية من المآسي والمصائب والحروب والصراعات الدموية، وانعدام الاستقرار وتفكك المجتمعات، وتهديد كيانات الدول، إلى جانب الكثير من المعالم السلبية للتحولات على مختلف الصعد المحلية والإقليمية والدولية .
لكنه رغم دمويته حمل في نزعه الأخير شيئاً من الأمل، الذي قد يتحقق أو يحبط، في أن العالم ككل يتجه إلى شكل أكثر توازناً، مع عودة قوى دولية وصعود أخرى، في مؤشر على كسر النموذج الاحتكاري للقوة الواحدة المهيمنة، وفي ذلك تحدٍ وفرصة حقيقيان .
التحدي الواضح في العودة إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، أو ثنائي القطبية المرن، يتمثل في محاذير أن تتحول الصراعات المشتعلة في أكثر من منطقة إلى نماذج حروب بالوكالة، تخوضها القوى الكبرى خارج أراضيها، وعلى حساب شعوب من غير مواطنيها، وفي هذا استنساخ لما كان عليه الوضع قبل انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، ولذلك يجب أن تتعلم الدول النامية أو المستضعفة كيفية التعاطي مع نزاعاتها الداخلية من جهة، وتجد آلية لتحقيق المكاسب من علاقاتها مع قوة دولية أو أكثر .
أما الفرصة فتتجلى في إمكانية أن يحوّل النموذج العالمي المنتظر سير الصراعات والأزمات باتجاه حلول وسطى، وعلى قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، خاصة أن بعض الصراعات باتت تهديداً وجودياً للدول أو الكيانات التي تشهدها، ولمحيطها الإقليمي، وللأمن والاستقرار في العالم ككل .
وبين التحدي والفرصة لا يجب على “أسياد العالم الجدد” المفاضلة، بقدر ما يجب عليهم حسم خيارهم مسبقاً بانتهاز الفرصة المتاحة، فالعالم لم يعد يحتمل كل هذا الدم والدمار وانعدام الاستقرار، والأوضاع إن ترك لها الحبل على الغارب، أو غذيت وتم دعمها، فلن تسفر إلا عن عالم يعاني، ولا تقتصر الأزمة فيه على الدول المصابة بداء الأزمات لوحدها .
أمام قادة العالم استحقاقات كثيرة تنتظر الحسم، ولن نعوّل كثيراً على إنجازها خلال عام أو أعوام، لكنهم على الأقل مطالبون بأن يظهروا نوايا حسنة، وتوجهاً نحو إيجاد الحلول، لا سياسة قائمة على اختلاق الأزمات أو زيادة حدة المشتعل منها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2178525

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2178525 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40