الاثنين 30 كانون الأول (ديسمبر) 2013

تفجير لبنان... من المستفيد وما الغاية؟

الاثنين 30 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. عصام نعمان

الإرهاب تعريفٌ بسيط يحظى بشبه إجماع. إنه استخدام العنف ضد المدنيين لغاية سياسية.
الإرهاب بهذا المعنى يستهدف لبنان منذ أشهر. المدنيون المستهدفون متعددو الإنتماءات والألوان والصفات. وهم مستهدفون في كل مكان من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.
آخر التفجيرات المدوّية إستهدف وزير المال السابق محمد شطح بينما كان متّجهاً الى «بيت الوسط» منزل زعيم «حزب المستقبل» سعد الحريري الذي لم يتأخر في اتهام «قَتَلَة أبيه» الرئيس رفيق الحريري باغتيال مستشاره المقرّب والمعروف بإعتداله.
لرئيس مجلس النواب نبيه بري رأي آخر : الجريمة النكراء لم تستهدف حزب المستقبل بقدْر ما استهدفت مستقبل لبنان.
ما رشح من التحقيقات رجّح رأي بري. فقد تبيّن أن السيارة المسروقة التي استخدمت في عملية الإغتيال كانت ضبطت بحوزة أشخاص ملاحقين بتهمة العمل مع تنظيم «فتح الإسلام» المتفرّع من «القاعدة».
منذ أشهر جزم وزير الدفاع فايز غصن بأن لـِ«القاعدة» وجوداً ونشاطاً مؤثرين في لبنان. لكن حتى بعدما وجّهت تنظيمات «قاعدية» ناشطة في سورية تهديدات الى تنظيمات لبنانية حزب الله مثلاً وشخصيات سياسية وزير الداخلية مروان شربل فإن قوى وسياسيين مؤيدين للمعارضة السورية المسلحة رفضوا أخذ هذه التهديدات مأخذَ الجدّ.
وقعت الواقعة أخيراً فمن تراه يكون الفاعل؟ ومن المستفيد؟ وما الغاية المرتجاة؟
التحقيق ما زال في مبتداه وما سرّبته أوساطه من معلومات لا يكفي لتوجيه اتهام جدّي إلى أي جهة. مع ذلك ثمة رأي شائع لدى الجمهور المؤيد لقوى 8 آذار كما لدى الوسط الشعبي المتوجّس من الإرهاب أن تنظيمات سريّة تنتمي الى «القاعدة» هي التي تشنّ على لبنان حملة إرهاب واسعة وأن عناصر محلية وأخرى عربية تشارك في عمليات العنف الأعمى المتلاحقة.
إن نظرةً متأنية الى التهديدات الصادرة عن تنظيمات «الإسلام القاعدي» تشي بحقيقة بازغة هي احتدام حرب شرسة من المتوسط غرباً إلى العراق شرقاً تقودها أطراف إرهابية تجاوزت الحدود السياسية التي كان أرساها اتفاق سايكس بيكو وحوّلت العراق وسورية ولبنان ساحةً واحدة مفتوحة على شتى النشاطات والعمليات الإرهابية.
في العراق تستهدف تنظيمات «الإسلام القاعدي» حكومـة نوري المالكي بما هي في رأيها موئل لنفوذ ايران وحليف رئيس لها وحاضنة لقوى شيعية سياسية في وجه أهل السنّة والجماعة.
في سورية تستهدف التنظيمات نفسها النظام بما هو في رأيها حليف إيران الشيعية وقوى المقاومة اللبنانية حزب الله والفلسطينية حركة الجهاد الإسلامي التي تحظى أيضاً بدعم إيران.
في هذا المنظور السياسي والمذهبي تلقّت تنظيمات «الإسلام القاعدي» ولاسيما «الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش» و»جبهة النصرة» دعماً مالياً وعسكرياً من دول إقليمية محافظة كما تلقّت «معدات غير فتاكة» من أميركا. غير أن إفراط هذين التنظيمين في ممارسة العنف الأعمى لأغراض محلية ضيقة أدى إلى التفريط بأغراض أميركا الإقليمية الامر الذي حملَ واشنطن بنصيحة من لندن على إلغاء عقد إيجار الخدمات المعقود معهما. فقد اوقفت أميركا على ما يبدو عملية تسليحهما عبر تركيا واتخذت بريطانيا قراراً صارماً: إسقاط الجنسية عن مواطنيها المشاركين في مشهدية العنف الاعمى الدائرة في سورية والعراق...
هذه حال سورية والعراق مع تنظيمات «الإسلام القاعدي» فما حال لبنان؟
لئن دعت واشنطن أخيراً قادة دول المنطقة الى وقف تمويـل «داعش» و»النصرة» فإن دعوتها تلك ما كانت لتعني تنظيمات «الإسلام القاعدي» التي تعمل في لبنان لحسابها الخاص كون أغراضها لا تتفق بالضرورة مع ما تبتغيه واشنطن ولندن وباريس التي يهمها استقرار لبنان لكونه يخدم حلفاءها المحليين. غير أن هذا الموقف الأطلسي لا تتبناه قوى عربية خليجية معادية لسورية وايران وحزب الله في لبنان إذ من الممكن أن تلتزم تنظيمات «الإسلام القاعدي» تنفيذَ عقود إيجار خدمات لمصلحة تلك القوى الخليجية المعنية بأغراض محلية محددة. فماذا تراها تكون؟
من المعلوم أن المشهد اللبناني يتقاسم حركته السياسية تكتلان رئيسان: قوى 8 آذار وقوى 14 آذار. التكتل الأول يحتل في الواقع ثلثي مقاعد حكومة نجيب ميقاتي التي استقالت منذ تسعة أشهر وقد عجز الرئيس المكلف تمام سلام المحسوب على قوى 14 آذار عن تأليف حكومة بديلة منها. التكتل الثاني يرفض مشاركة التكتل الأول في أي حكومة ايّاً كانت حصته فيها قبل أن يبادر أحد أبرز أركانه حزب الله إلى سحب قواته العاملة في سورية. ويترَدَد أن «الفيتو» الذي تشهره قوى «14 آذار» في وجه حزب الله جاء استجابةً للسعودية التي تدعم المعارضة المسلحة ضد الدولة السورية.
ازدادت الأزمة تعقيداً مع إعلان رئيس الجمهورية ميشال سليمان عزمه على إقامة حكومة «أمر واقع» من خارج تكتليّ 8 و 14 آذار كي تتولى بحسب أحكام الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولايته في 25 أيار 2014. تكتل قوى 8 آذار رفض توجّه سليمان وحذّره من مغبة التسبّب بفتنة لا يُحمد عقباها. السبب؟ لأن الأرجح عدم توفّر النصاب في مجلس النواب للتصويت بالثقة أو بعدم الثقة فلا يجوز تالياً أن تتولى حكومة غير ميثاقية ولم تنل ثقة البرلمان صلاحيات دستورية منوطة برئيس الجمهورية.
في غمرة الأزمة أوحى نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري بعد مقابلته سعد الحريري في السعودية بأن زعيم قوى «14 آذار» قد ليّن موقفه وأصبح مستعداً لإشراك تكتله بحكومة جامعة مع قوى 8 آذار. غداة هذا التبدل المحتمل في موقف الحريري أودى الاغتيال المدوّي بأبرز مستشاريه على بعد أمتار معدودة من منزله حيث يجتمع أركان «14 آذار».
لم يتردد بعض أركان 8 آذار بعد ثبوت علاقة «فتح الإسلام» بالسيارة المسروقة الجانية في اتهام عناصر «قاعدية» بإسداء خدمة مأجورة لقوى إقليمية ومحلية محافظة ومعادية لا تريد للبنان حكومة وفاق وطني تضم حزب الله. تلك القوى في رأي 8 آذار هي المستفيد من جريمة الاغتيال سنداً لأسباب خمسة:
أولاها إتهام حزب الله وسورية وايران بأنهم يقفوا وراء جريمة الإغتيال وهي تهمة يسهل تسويقها في بعض الأوساط الشعبية المعادية للقوى المذكورة.
ثانيها أن اتهام حزب الله وسورية وايران بالجريمة يردع قوى 14 آذار عن المشاركة في أي حكومة يكون لحزب الله حصة فيها.
ثالثها أن الإتهام المشار اليه يشجّع الرئيس سليمان على إقامة حكومة «أمر واقع» لا تضم حزب الله بل ربما تكون معادية له.
رابعها أن حكومة «الامر الواقع» تساعد الرئيس سليمان على تمديد ولايته الأمر الذي يُسعد خصوم حزب الله.
خامسها أن لا ضرر من احتمال فشل التمديد للرئيس سليمان اذ في مقدور حكومة الأمر الواقع «الملغومة» أن تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال شغورها على نحوٍ يخدم مصالح قوى 14 آذار.
أسباب ودوافع ومصالح كثيرة يسوّقها كثيرون. لكن الازمة تستمر وتتفاقم وتدفع لبنان الى المجهول...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178364

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2178364 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40